كثير هو الحديث الذي يجري هذه الأيام، وكثير كثير من يحمِّل المسؤولية لهذا الفصيل أو ذاك، والأكثر من هذا وذاك، هو البحث في سؤال لماذا كل هذه العجلة في الرحيل، رحيل فيلق الرحمن الذي قاوم وقاتل كما لم يقاتل أبطال التاريخ قاطبة، فكيف يتم الاتفاق وخلال أيام قليلة على الرحيل، وماذا عن الناس، هذه الحاضنة الشعبية الرائعة التي احتضنت المقاتلين الأشاوس، وأمنت لهم عمقًا استراتيجيًا، هو من أكثر الامتدادات التكتيكية والاستراتيجية التي يمكن أن تساهم في دعم صمود الفصائل العسكرية. إنها أسئلة لا شك مشروعة بعض الشيء، وهي تنبع في كثير من الأحيان جراء خوف حقيقي على الثورة ومنتجاتها، وتخوف من مصائر أدهى وأمر لواقع الثورة السورية التي دخلت عامها الثامن، لكن كل هذه التساؤلات لابد لها من إجابات حقيقة دون تبخير، ودون تخوين، علَّ هذه الثورة تستطيع الإمساك بناصية للعمل قادرة على تخطي الصعاب القادمة نحو الثورة، وقد تكون أكثر صعوبة ، ولعل ما جرى في الغوطة الشرقية، من دمار وقتل وحرق لكل شيء، على يد هذا النظام الفاجر، كان السبب الأكثر واقعية، حيث ظن المراقبون أن الصمود سيستمر لفترة طويلة. وفجأة وعلى غير توقع، وجدنا أن الاتفاقات تمت مع فيلق الرحمن، وقبله مع أحرار الشام، وتم هذا التهجير القسري المؤلم لنا جميعًا كسوريين، والسؤال الذي يصعد للمخيال والذي نطرحه اليوم على بعض القادة السياسيين والباحثين والنشطاء يتمحور حول لماذا استعجل فيلق الرحمن وسواه بالخروج من الغوطة؟ وهل من أوامر خارجية ما؟ وماهي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى قبول فيلق الرحمن بالخروج من الغوطة؟ وهو المعروف ببسالته وقدراته وقوة عناصره وإيمانهم بقضية الشعب السوري؟
جواد أبو حطب رئيس الحكومة السورية المؤقتة أكد لجيرون بقوله ” السبب يعود للقصف الهمجي وبأسلحة مدمرة بشدة طالت المدنيين، وسكوت المجتمع الدولي”. وأضاف مشيرًا إلى أن ” ثوار الغوطة أبطال بلا استثناء، ولكن الأرض المحروقة التي استخدمها المجرم بشار الأسد، والمجرم الروسي وعصابات إيران وحزب الله، وقطعان المجرمين والسكوت المخزي للمجتمع الدولي، هو وراء ذلك.”
أما العميد أسعد الزعبي فقد تحدث لجيرون منوهًا إلى أنه ” لا شك أن هناك إملاءات خارجية واتفاقيات جرت بالخفاء، وقبل ذلك نعرف جميعًا الفرقة التي كانت بين الفصائل، بسبب الخارج، وبقيت الأمور تنعكس على صمود الغوطة، وأعتقد أن الأمور واضحة من أن دولًا لها مصالح متبادلة، أسست لهذا التخاذل، وأسست مسرحًا هشًا ووفرت إمكانية الدخول جغرافيًا بين الفصائل، حتى سقطت مقومات الصمود الحقيقة”. ثم انتهى الزعبي إلى القول ” لقد تجلى خلاف الفصائل بوضوح، ثم انعكس على التغيير الجغرافي، وتم استكمال الخطة”.
الباحث السوري زكريا ملاحفجي كان له رأي مختلف حيث تحدث لجيرون قائلًا ” لا أعتقد أن الفصائل استعجلوا الخروج، ولو أنه كان ينبغي أن ترتب القوى العسكرية وضعها بشكل أفضل، لكن المعركة أيضًا غير متكافئة، والمعركة استمرت قرابة شهر، وكانت أشبه بإبادة جماعية، وكمية نارية كبيرة، وقطع شرايين الحياة عن الغوطة، وانقسام الغوطة إلى ثلاث قطع جغرافية مقطعة الأوصال”. ثم قال وبكل صراحة ” أعتقد وأركز على هذه الكلمة (سُمح) للنظام والروس بالسيطرة على الغوطة، ولو قام الروسي بحرقها، فلم يكن هناك ضغوط حقيقية سوى إعلامية، وقرار لمجلس أمن لم يطبق، ولم يغن شيئًا، في حين أن الروس تلقوا ضربة من الأميركان عندما تجاوزوا الخط المحدد في المنطقة الشرقية، وقُتل عشرات من الروس، ولم ينبسوا ببنت شفة، والسيناريو القادم أعتقد مناطق نفوذ دولية مرسومة بين الأطراف الدولية لغاية نضوج اتفاق بين الأطراف الدولية”.
الناشط يوسف الغوش ورئيس المجلس المحلي في زملكا قال لجيرون والحرقة تبدو على محياه
” كنا في حالة إصرار على الصمود لآخر لحظة، لكن ما حصل كان خارج قدرة التحمل الإنساني، بعد خمس سنين من الحصار والافلاس شبه الكامل، في الغذاء والمال، وبعد استخدام أسلوب الصدمة، والقصف المكثف الرهيب على المدنيين، من النساء والأطفال والرجال، وتدمير مرافق الخدمة المدنية، والذي أدى للجوء الناس إلى قاتليهم لحماية أنفسهم. لم يبق مكان إلا وقصف تكرارًا”. ثم قال الغوش بكل شموخ ” النظام والروس لم يدخلوا الجبهات بعضلاتهم، إلا بعد استنجاد المدنيين، وضعف المقاتلين أمام أهليهم، لم تكن حربًا عادلة بالمطلق. كانت عملية إعدام جماعي وتهديد بعدم بقاء الجماعة البشرية في الغوطة. كانت المجازر بالجملة ولا من مانع دولي أو أخلاقي أو تسلحي، ما حصل يجسد قمة القدرة على الصمود، وهذا ما أبداه أهل الغوطة، قبل أن تتحول الحرب في الشهر الأخير، إلى تغول في الإجرام لحد الفناء دون حسيب أو رقيب.”
المصدر: جيرون