منهل باريش
رفض مفاوضو اللجنة المركزية في درعا خريطة الطريق التي قدمها الجانب الروسي بحضور قائد تجمع القوات الروسية في سوريا، العماد يفغيني نيكيفوروف، الأسبوع الفائت، وحصلت «القدس العربي» على نسخة منها. ونص المقترح الروسي الذي جاء في أربع صفحات على حل مسألة درعا خلال مرحلتين، تبدآن في 12 آب (أغسطس) وتنتهيان نهاية أيلول (سبتمبر) وتتداخل المرحلتان زمنيا في بنودهما، وتنقسم الخريطة إلى أعمال وإجراءات، هي «تشكيل لجنة لتنفيذ مهمة سحب السلاح والذخيرة، إخراج المسلحين إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب، تنظيم المفاوضات مع قادة المجموعات المسلحة لإجبارهم على تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وإعفائهم مستقبلا من المسؤولية وشطب أسمائهم من اللوائح الأمنية والعودة إلى الحياة الطبيعية». وشددت الخريطة الروسية على «إجبار المسلحين على تسليم السلاح وتنفيذ عمليات تفتيش لكل فئات المسلحين بمن فيهم المتصالحون وغير المرضي عن وضعهم اقتصاديا واجتماعيا من قبل الأجهزة السورية». وكرر المقترح عدة مرات «إجبار المسلحين على تسليم السلاح» وحدد مدة نهاية أيلول (سبتمبر) من أجل «تنفيذ ما تم الاتفاق عليه». وأشار إلى «تفعيل أعمال تسوية أوضاع المسلحين وتقديم ضمانات اجتماعية واعطائهم حقوقهم المدنية خلال فترة 3 أشهر» في حين «تلتزم روسيا بمهام إدخال مؤسسات الحكومة السورية إلى المناطق المحاصرة بعد انتهاء الجزء الأمني» حسب المرحلة الأولى.
أما المرحلة الثانية، فحددت شهر أيلول (سبتمبر) من أجل «إعادة عمل الأجهزة الأمنية المنفذة للسلطة في درعا البلد، وتشكيل لجان لتنفيذ مهمات سحب السلاح، تنظيم اجتماع اللجنة الخاصة لمكافحة الإرهاب بنهاية أعمالها مركز مشترك لمراقبة الوضع في درعا».
وحدد المقترح أن «تنفيذ خريطة الطريق» يتم بـ»مشاركة ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية ووزارة الدفاع السورية والقوى الأمنية-المخابرات» على أن يجري «إعادة عمل أقسام الشرطة في درعا البلد خلال المدة بين 20- 31 آب (أغسطس)».
ونص على «تنظيم وتنفيذ دوريات مشتركة روسية-سورية بالمحيط الخارجي لدرعا البلد، تسيرها الشرطة العسكرية والمخابرات».
كما يفتح مركز «لتسوية أوضاع المسلحين الذين ليست لديهم رغبة بالخروج باستثناء مسلحي داعش وجبهة النصرة « حسب الورقة. وبخصوص المنشقين من ضباط وصف ضباط ومجندين عن جيش النظام أو القوى الأمنية باختلاف تبعيتها أكد المقترح على «تسوية أوضاع الفارين وإرسالهم إلى قطعاتهم العسكرية مع تقديم الضمانات بعدم الملاحقة». منوها إلى «تأمين عودة السلطة القانونية ومؤسسات الإدارة المحلية».
ونوه المقترح إلى ضرورة «القيام بالبحث عن المطلوبين الذين لم يقوموا بتسوية أوضاعهم وكذلك البحث عن مستودعات الأسلحة والذخائر وتنفيذ دوريات مشتركة روسية سورية في الأحياء الداخلية لدرعا البلد وباتجاهين عن طريق الشرطة العسكرية الروسية والمخابرات». وتعهدت روسيا بعملية «إعادة المدنيين إلى قراهم وبلداتهم والقيام بالمفاوضات مع أعضاء اللجنة المركزية بحضور ممثلين عن السلطة القانونية في درعا وذلك للنظر في عدة أمور اجتماعية كالتأمين الطبي والكهرباء والماء ومواد الإطعام وتنفيذ الأعمال الأولية اللازمة لحلها».
وخصص المقترح جزءا من الإجراءات يتعلق بالتواصل المباشر مع السكان المحليين، مثل القيام بـ»حملة إغاثة والمشاركة في العمل لتسوية أوضاع المواطنين وتأمين عمل نقاط استقبال المواطنين، العمل على إقناع المواطنين بعدم العودة للأعمال العسكرية ضد الجيش السوري».
وعن التزامات النظام السوري، حمل المقترح النظام مسؤولية «تأمين الظروف لإعلان عفو عن المسلحين».
في مسألة الإجراءات، فقد تنبه الروس إلى كل التفاصيل التي تفرض عودة سلطة النظام، ابتداء من إعادة تأهيل المباني الاجتماعية كالمدارس والجوامع ومحطات المياه والكهرباء، وتأمين فرص عمل للمسلحين السابقين بالدرجة الأولى ولأسرهم، وتنظيم أعمال وإجراءات تعويض الحد الأدنى في غضون شهر، ومراقبة وتقديم المساعدة لعمل اللجنة بتسوية الأوضاع وتقديم الدعم لعمل المؤسسات البديلة والطبية والتقليدية.
وفيما يتعلق بالإجراءات التي كلف بها الروس لقيادة جيش النظام السوري فقد اختصرت بمسألة «إنشاء نقاط تفتيش بمحيط درعا وتنظيم عبور المدنيين» حتى 15 آب (أغسطس).
وذيلت خريطة الطريق باسم قائد تجمع القوات الروسية في سوريا العماد يفغيني نيكيفوروف ورئيس أركان تجمع القوات الروسية، العماد ر. بيرديكوف، بدون توقيعهما على المقترح أو وضع ختم رسمي باسمهما، وهي عادة الروس في كل الاتفاقيات المبرمة، تجنبا لتحمل المسؤولية القانونية عن أي تبعات.
صدم المقترح الروسي اللجنة المركزية والنشطاء السياسيين والفاعلين العسكريين السابقين وحاولت اللجنة المركزية تدوير الزوايا مع الجانب الروسي في قضية تسليم السلاح الخفيف حيث يعتبر بمثابة خط أحمر بالنسبة لأهالي درعا عموما. وبعد تشاور مع باقي الوجهاء وقادة الفصائل العسكرية السابقين، وجد أهالي درعا الحل للحفاظ على السلاح هو بتقديم مقترح لضم المقاتلين السابقين جميعا في فصائل الجبهة الجنوبية إلى الفيلق الخامس الروسي، لكن رئيس إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة) اللواء حسام لوقا رفض المقترح الذي نقله الروس. وأصر على تسليم السلاح الخفيف ومن ثم النظر بمسألة الانضمام إلى الفيلق، وتحدث لوقا حسب ما نقل مصدر مقرب من اللجنة المركزية في درعا، عن إمكانية الانضمام الفردي إلى الفيلق بعد إتمام الاتفاق وانتهاء تطبيق المبادرة الروسية المقترحة، رافضا اعتبار دخول عناصر الجنوب ككتلة عسكرية واحدة، كونه «لا ينهي ظاهرة السلاح بالجنوب وعودة الدولة» حسب ما أفاد المصدر.
إلى ذلك، يتحمل رئيس اللجنة المدنية وأبرز وجوه مدينة درعا المحامي عدنان المسالمة عبء التفاوض والاتصالات اليومية، حيث يدير العملية التفاوضية حتى اليوم بكثير من الدبلوماسية والصلابة، ويستند المسالمة إلى دعم كافة الأطراف في محافظة درعا، ويعتبر الرجل الأكثر ثقة بالنسبة لقادة الفصائل السابقين، كونه غير عسكري وهذا ما يخفف من الحساسية تجاهه.
انحشرت لجان درعا عموما في زاوية صعبة للغاية بعد ثلاث سنوات على توقيع اتفاق 2018 خصوصا فيما يتعلق في مسألة تسليم السلاح الخفيف، فتسليم السلاح يعني تسليم الرقبة للعدو من أجل الذبح، فكل شيء ماعدا السلاح قابل للمقاربة والمواربة، إضافة إلى أن تسليم السلاح الخفيف يعني عملياً انقلاب روسيا على الاتفاق الذي رعته في جنوب سوريا مع أمريكا وبموافقة أردنية إسرائيلية.
اليوم، يشعر قادة درعا جميعا بالندم على رفض الانضمام إلى الفيلق الخامس عندما طلب الضباط الروس منهم الالتحاق به في مفاوضات بصرى الشام.
ختاما تأتي الموافقة الأمريكية على تشغيل خط الغاز العربي الآتي من مصر إلى سوريا عبر الأردن، لتزيد من تصلب النظام في حسم الوضع في درعا مرة وإلى الأبد، فوجود السلاح وعدم التشدد يعني عدم سيطرة النظام على الخط الذي بدأ العمل به عام 2009 ووصلت امداداته إلى منطقة عين علي في منطقة الكسوة جنوب دمشق، وتوقفت مع انطلاق الثورة السورية ربيع 2011 على أن يستمر العمل به إلى منطقة حسيا جنوب حمص ومن هناك سيتفرع إلى فرع باتجاه بانياس وفرع باتجاه مدينة طرابلس اللبنانية إلى جانب خط «النفط العربي» الذي قدم من العراق وتفرع بنفس الطريقة. وتعرض الخط إلى التلف في عدة مناطق نتيجة الأعمال الحربية وقصف طيران النظام.
وتأتي الموافقة الأمريكية على تشغيل الخط من أجل تزويد لبنان بالغاز المصري لحل أزمة الطاقة في البلد الذي يعاني من فساد وانهيار، كأول تنازل عن قانون «قيصر» الذي يعاقب التعامل مع النظام السوري.
المصدر: القدس العربي