عبد الباسط حمودة
ماتزال الولايات المتحدة تكرر كما كانت منذ عقود مقولتها الأثيرة بأن سورية تمثل تهديداً خطيراً ضدها وضد حلفائها وشركائها!، وتعيد التذكير بأن قلقها الأكبر على المدى الطويل، هو ”الجيل الضائع“ من الأطفال الذين عانوا رضّات نفسية شديدة نتيجة الحرب!، نعم يقولون الحرب جميعاً كشركاء وحلفاء للولايات المتحدة راعية الميديا والدجل الدولي، ولا يقولون أن الحرب كانت من نظام مجرم حليف لهم ضد شعبٍ أعزل لطالما قام بثورته للحصول على الحرية والكرامة وتأكيد استقلاله من عصابة شريكة للولايات المتحدة بتنفيذ أجنداتها خدمة للكيان الصهيوني وحسب؛ فلو نظرنا للخارطة السورية لوجدنا مناطق تحت سيطرة ميليشيا آل أسد الطائفية وأشياعهم، إنها مناطق محتلة وفقاً لكل تعاريف الاحتلال، والسوريون بأكثريتهم قد طردوا مجاميع ميليشيا النظام الأسدي وجيشه الإرهابي من مدنهم وقراهم، باعتباره نظام فاسد وإبادي وقاتل؛ إنه تعبير فائق الوضوح على أنهم يعتبرونه احتلالاً، حتى قامت السلطة الإبادية نفسها باستدعاء محتلين آخرين- روسيا وإيران- واستعادوا هذه القرى والبلدات والمدن، وتعاملت هذه الاحتلالات الثلاث مع السوريين من أبناء تلكم المناطق تدميراً وحرقاً ونهباً ومجازر، وباعتراف كل تقارير المنظمات الدولية المعنية- والأهم اعتراف هذه الاحتلالات بكل ذلك- هذه التقارير واضحة أيضاً لتمنع أي تأويل لهذه الاحتلالات الثلاثة بأنها شرعية، سوى شرعية البطش والقوة العارية، بلا حسيب أو رقيب لهم، فأين تقبع الإدارة الأميركية وشركائها من كل ذلك ومن يفاوض أهالي درعا البلد الآن وهم يتفرجون على معاناة أهلهــا؟
استطاعت الولايات المتحدة وهي تتلطى خلف مزاعم نظام الشبيحة الإبادي لها بأنها تقف ضده، لأن تمرر جميع الخطط ضد شعبنا السوري باتفاق كامل من نفس النظام الوظيفي القاتل القابع في دمشق منذ عدة عقود، بدءاً من تواطئهم بتسليم الجولان، مروراً باتفاق حافظ- مورفي لتطويب سورية ولبنان لسلطة القتل الإبادية للتخلص من القوى الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية- التي لم يأت بعدها أي مقاومة ضد الصهاينة- ثم إشراف الولايات المتحدة على ”دراسة البنية التحتية في سورية“ من قبل شركة صهيونية أواخر سبعينات القرن الماضي وبمعرفة وموافقة من الجاسوس الأول حافظ، ثم صمتهم على تدمير حماه بوجود مراسليهم حينها ناهيكم عن أقمارها الصناعية التي تتأكد من قتل شعبنا وتدمير بلداته كما جرى في ثورتنا الراهنة، وهي التي عممت- ومازالت تقول- بأنها حربٌ وحسب، وتريد أن توهمنا بأنه لا حل للمسألة السورية وتداعيات الثورة فيها لأنها مستعصية! ولسان حالهم يقول لنترك هذا النظام البربري الذي رعيناه يخلصنا من أكثريتهم كي تضمن- الولايات المتحدة- أمن حليفها وربيبها الكيان الصهيوني إياه وهو الصديق الوفي لآل أسد الجواسيس، والذي بموافقته وعلمه قد دخلت جميع الاحتلالات إلى سورية للقضاء على شعلة الحرية طالما أن صنيعتهم الإبادي قد فشل حتى الآن، وكلنا نرى ونشاهد المحتل الروسي والمحتل الإيراني مع أحذيتهم ضباط آل أسد- فلا وجود لضابط واحد معهم من أبناء حوران- هؤلاء جميعاً يفاوضون ويقصفون المدنيين في درعا طيلة أكثر من شهرين وما زالوا معاً مستمرين في ذلك، دون أن يرف لهم جفن، إن جميع هؤلاء الضباط الأحذية من الساحل السوري: ضباط مخابرات وفرقة رابعة وألوية جيش إرهابي متعددة دون تواجد لأي سوري من مناطق أخرى، مما يؤكد أنه نظام احتلال وغير سوري، مع أنه يزعم إنه سوري!! إذاً أين الموالين له من بقية حوران أو مدن أخرى ليفاوضوا أهل درعا؟ أليس هذا تعبيراً فجاً عن السلطة الاحتلالية؟ ما هو الاحتلال إن لم يكن هذا؟ حيث لا وجود لممثل مدني واحد في لجانه التفاوضية هذه، وإن هذا الأمر ينطبق على كل المفاوضات السابقة التي جرت منذ أن تدخلت إيران بميليشياتها وروسيا بجيشها في سورية.
بكل المقاييس والمعايير التي يمكن نقاش الحالة السورية وفقها نجد أنها توضح ببساطة أننا أمام سلطة احتلال واضحة، نظرياً وعملياً، والسوريون يسعون لحريتهم وكرامتهم بإزالة محتل وليس نظام استبدادي وديكتاتوري فقط كما يحب بعض المتأولين تسميته خاصة الولايات المتحدة وشركائها؛ فهل ارتكب احتلال ما في تاريخ البشرية مجازر أقل مما ارتكبه الاحتلال الأسدي؟ أرقام التدمير والتهجير والاقتلاع والقتل والاعتقال توضح ذلك، إنه احتلالٌ فاشي وإباديٌ بغطاءٍ من أعتى دول العالم وأكبرها مكانةً وإمكانيات تشرف على جميع الاحتلالات والخطط لتحقيق ذلك الأمن لدولة الاحتلال الصهيوني شبيهة وراعية الاحتلال والجريمة الأسدية.
كما كان لتقطيع أوصال سورية وحرمان الملايين من أبنائها في مناطق سيطرة نظام الشبيحة من الكهرباء وكل أنواع الطاقة والماء والقمح والخبز والقطن.. الخ، وعدم تعامُله مع مطالب الشعب بطريقة سياسية لائقة، بل إن إصراره على قتل الشعب السوري وتهجيره والاستقواء بحلفائه المحتلين لقتل الشعب، وأخيراً استهزاءه بالحل السياسي وعدم الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة مع صمت دولي خاصة من الولايات المتحدة وشركائها هو الذي يؤجل استرجاع كل سورية وإخراج السوريين من أَتون المجاعة والبرد والفقر والمرض والتخلص من الاحتلال الأسدي البغيض.
ولعل في الدور والصمود الذي أظهرته درعا بالمنطقة الجنوبية، بسهلها وجبلها من تضامن لهو الدليل والدرس على أن الحل بيد السوريين حين يتمكنوا من الإمساك بناصية قضيتهم بجدارة، وإن صمود درعا لمدة وصلت لأكثر من شهرين تحت القصف بمختلف أنواع الأسلحة والحصار الخانق، وإصرار أبناء الجنوب من أقصاه إلى أقصاه مع التطور في الوعي السياسي المحلّي، كل ذلك وضع أميركا وروسيا في منطقة الحرج خصوصاً وأن اللواء الثامن كان جزءاً من إرادة شعبية قبل أن يكون حليفاً للروس باتفاقاتهم الغادرة؛ كما أن أي تأخير بالحل السياسي سيطيل عمر الفاجعة الأسدية في سورية وسيتسبب في تدهور أكبر في الاقتصاد حيث وصل فيه أكثر من 90 % من الشعب السوري المتبقي في سورية المزعومة ”سورية المفيدة“ تحت خط الفقر، والكثير الكثير من أهلنا في سورية للأسف وصلوا لمرحلة المجاعة الحقيقية، إضافة للتضخم الجامح المكبوت الآن والذي سينفجر في أية لحظة.
مبروك لدرعا.. درعا البطولة، التي تحقق انتصاراً جديداً على إيران ونظام آل أسد وميليشياتهم بصبرها وثباتها، فلقد قهرتهم جميعاً فضلاً عن قهرها للراعي الأكبر للاحتلال الأسدي ولتدمير سورية ألا وهو الولايات المتحدة الأميركية.
المصدر: اشراق