سونيا العلي
يخلف قصف نظام الأسد وحليفه الروسي على إدلب والمعارك المشتعلة والنزاع بين جهات مختلفة انتشار ﺁﻻﻑ الذﺧﺎﺋﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﻔﺠﺮﺓ التي ﺗﻬﺪﺩ حياة ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، وتشكل ﺍﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﺍﻟﻌﻨﻘﻮﺩﻳﺔ وﺍﻷﻟﻐﺎﻡ الخطر الأكبر في ظل ﻏﻴﺎﺏ ﺃﻱ خريطة ﻻﻧﺘﺸﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﻔﺠﺮﺍﺕ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺍلإﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ في ﺇﺯﺍﻟﺘﻬﺎ، مما يزيد من ﻣﺨﺎﻃﺮها، ويعد الأطفال أكبر المعرضين للإصابة بهذه الذخائر، فهم يندفعون بعفويتهم للعب بأي جسم غريب يعثرون عليه، فيسقطون قتلى أو جرحى، نتيجة نقص الوعي، والجهل بطريقة التعامل مع هذه الأجسام، فضلاً عن انتشارها بشكل كبير .
الطفل وليد الصبوح (10 سنوات) من بلدة البارة، فقد حياته مطلع شهر حزيران/يونيو من العام الحالي، نتيجة انفجار قنبلة عنقودية وجدها على جانب الطريق أثناء لعبه، وعن ذلك يتحدث والده لإشراق بالقول: “كنت أرعى الأغنام على أطراف البلدة، وكان ولدي برفقتي حين وجد قنبلة عنقودية، فطلبت منه أن يتركها بهدوء، فأصابه الذعر ورماها جانباً قبل أن تنفجر، ما أدى إلى موت ولدي متأثراً بجراحه .”
بتاريخ 24 آب /أغسطس من العام الجاري، وجد الطفلان مصطفى وعمار أبناء محمود الياسين، جسماً غريباً في أرض زراعية مجاورة لمنزلهما الكائن في محيط قرية الصواغية شمالي شرقي إدلب، ونقلوه إلى غرفة صغيرة قرب غرفة العائلة، وأثناء اللعب فيه، انفجر بهما، ففارقا الحياة، وأصيبت شقيقتيهما الطفلتين بجروحٍ خطيرة.
وتزداد ﻣﺨﺎﻃﺮ ﻭﺟﻮﺩ القناﺑﻞ ﻏﻴﺮ المنفجرة في الأراضي الزراعية القريبة من مناطق الاشتباك، وبين الصخور والغابات ﻭﻣﻜﺒّﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺣﺎﺿﻨﺎً ﻣﻤﺘﺎﺯﺍً ﻟﻤﺨﻠﻔﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﺏ، وقد تكررت في الشمال السوري حوادث إصابة مدنيين أو موتهم جراء انفجار تلك الذخائر أثناء عملهم في حصاد المواسم أو جني الثمار التي تعتبر مصدر الرزق الوحيد للكثيرين .
عمار المصطفى (41 عاماً) من بلدة سرمين هو أحد ضحايا مخلفات الحرب، حيث فقد ساقه نتيجة انفجار لغم أرضي وعن ذلك يقول بحزن: “أرضي هي مصدر الرزق الوحيد بالنسبة لي، لذلك خاطرت بالذهاب إلى أرضي الواقعة على أطراف البلدة لتفقدها وجني ثمار التين، وبينما كنت أسير انفجر بي لغم، فغبت عن الوعي، وحين صحوت في المشفى علمت أنني فقدت ساقي اليمنى .”
وأضاف: “أحمد الله أن ولدي كان برفقتي، حيث أبلغ الناس لإسعافي، وأتمنى من الجميع أن يتجنب تلك الذخائر، لذلك أعمل على نقل ما جرى معي لتوعية الآخرين بمخاطرها، ويبدو أننا سنظل نعاني منها لسنوات طويلة بعد انتهاء الحرب .”
من جهته جمال اليوسف (36 عاماً) متطوع في الدفاع المدني يتحدث لإشراق عن مخاطر مخلفات الحرب بالقول: “مخلفات الحرب القابلة للانفجار هي الأجسام المتفجرة أو غير المتفجرة التي تبقى متروكة في مناطق معينة بعد انتهاء العمليات العسكرية فيها، وتشمل هذه الأجسام القذائف المدفعية والقنابل اليدوية وقذائف الهاون والذخائر الصغيرة والصواريخ والألغام وغيرها .”
ﻭﺃﺷﺎﺭ اليوسف ﺇﻟﻰ وجود بعض الأنواع التي تنفجر بالحرارة أو اللمس عند الإقتراب منها سواء من قبل الأفراد أو الآليات، وبعضها مغناطيسي ينجذب للعربات والسيارات، ومنها تنفجر بالإهتزاز، إضافة إلى وجود أنواع تنفجر عند الاصطدام بالأرض، محذراً أن القنابل العنقودية تبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة.
ويؤكد أن فرق الدفاع المدني تنشر التوعية من هذه المخلفات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوزيع بروشورات تعريفية تضم صوراً للقنابل العنقودية ليتمكن الأهالي من معرفتها في حال مصادفتهم لها، كما تتضمن شرحاً وافياً للإشارات التحذيرية التي يتم وضعها حول الذخائر التي لم يتم التعامل معها، إضافة لوضع أرقام للتواصل مع مكتب إزالة الذخائر في حالة الشك بأي جسم غريب أو مشابه للصور المعروضة على الأهالي، كما ﺗﻌﻤﻞ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻮﺍﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻘﺪ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻘﺼﻒ ﻭﻧﺰﻉ ﺍﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺭﻳﺦ ﻭﺍﻷﻟﻐﺎﻡ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﻔﺠﺮﺓ، ﻭﺟﻤﻌﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻭﺗﻔﺠﻴﺮﻫﺎ ﻟﻠﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘﻬﻢ، لكن مواجهة هذه الكارثة قد تستلزم عقوداً طويلة من الجهود المنظمة، وتضافر كل الجهود لتأمين المناطق التي أصابها القصف العنقودي، ونزع كل القنابل والألغام الموجودة فيها .
ووثقت فرق “الدفاع المدني السوري” خلال شهر أغسطس/ آب الفائت، 4 حوادث انفجار ألغام في “جبل الزاوية” أدت لمقتل مدنيين اثنين بينهم طفل، وإصابة ستة آخرين.
ومنذ مطلع العام الحالي وحتى آذار/ مارس الماضي، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 101مدنياً، بينهم 20 امرأة و34 طفلاً، نتيجة انفجار ألغام من مخلفات الحرب في مناطق سورية متفرقة.
تشكل مخلفات الحرب خطراً كبيراً على ملايين السوريين، نتيجة انتشارها الواسع، بين البيوت والمزارع والأراضي الزراعية لتكون قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، وتودي بحياة المدنيين الأبرياء وخاصة الأطفال .
المصدر: إشراق