عبد الرحمن خضر
يسعى النظام السوري لاستغلال الرضى الأميركي على تصدير الغاز المصري إلى لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية وتحقيق أكبر استفادة ممكنة سياسياً واقتصادياً من هذه الخطوة.
وأعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، في بيان عقب مباحثات أجراها مسؤولون مصريون وآخرون لبنانيون في القاهرة، مؤخراً، أنه تم الاتفاق على مد الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وذلك بعد إعلان حكومة النظام جاهزية خط الإمداد على الأراضي السورية.
وكانت وسائل إعلام لبنانية ذكرت أن فرقاً فنية سورية ستتولى صيانة الوصلة الخاصة بخط الغاز العربي والتي تمتد بين الحدود السورية ومعمل دير عمار في لبنان، بسبب عدم تمكن شركات مصرية من القيام بذلك. وأشارت إلى أن الكشف الأولي أظهر عدم وجود أي ضرر يعيق مرور الغاز وأن عملية الصيانة تحتاج إلى أيام قليلة، فقط وستتولاها فرق فنية محلية من دون مقابل.
يرى وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، عبد الحكيم المصري، في حديث مع “العربي الجديد” أن هناك مكاسب اقتصادية كبيرة للنظام، خاصة أنه يعاني من أزمات في توفير الغاز والكهرباء، إذ سيتمكّن من صيانة محطة “دير علي” الواقعة في ريف دمشق، والتي تعرّضت أخيراً لهجوم تبناه تنظيم “داعش” الإرهابي.
وأشار إلى أن قيمة صيانتها تبلغ أكثر من ستة مليارات ليرة سورية (الدولار يعادل نحو 3500 ليرة)، إضافة إلى الأموال التي سيتلقاها لقاء صيانة الخط الذي يمتد ما بين الأراضي الأردنية واللبنانية وحصة الغاز والكهرباء اللذين سيعبران الأراضي السورية.
وأضاف أن النظام يعاني أزمة في تأمين الغاز والكهرباء ولا يكاد يغطي 25 بالمئة من احتياجات السوريين من الكهرباء ونحو 20 بالمئة من الغاز، وهذه الخطوة سترفع الضغط عنه بشكل كبير، لذا يحاول استغلال التغاضي الأميركي بأسرع وقت، ما دفعه لإجراء صيانة لبعض الأماكن المتضررة من الشبكة حتى قبل أن تبدأ الشركات المصرية بذلك، كونها ما زالت تجري معاملات الاستثناء من عقوبات قانون “قيصر” الأميركي الذي يفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه.
وأشار إلى أن هذه الخطوة جاءت بمثابة تخفيف العبء عن روسيا التي تسعى لإنقاذ النظام من أزماته الاقتصادية دون التعرض لعقوبات “قيصر”، لافتاً إلى أنها صبّت أيضاً في صالح إيران، التي تسعى لتأمين الغاز للنظام، لكن مشروعها بمدّ الغاز إلى سورية لم يلقَ رواجاً، وكانت تتكلّف مبالغ طائلة مقابل نقل شحنات قليلة إليه.
اتفق وزراء الطاقة في مصر وسورية ولبنان والأردن في سبتمبر / أيلول، على أن تتحمل كل دولة تكلفة إصلاح شبكة نقل الغاز ضمن أراضيها
أما رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أسامة قاضي، فقال لـ”العربي الجديد” إن اتفاق نقل الغاز عبر سورية الذي أعطته أميركا المباركة واستثناءً من قانون قيصر يشكل اختراقاً سياسياً للنظام السوري ونجاحاً روسياً وإيرانياً، إضافة إلى أنه سيدرّ دخلاً على حكومة النظام السوري من رسوم العبور واستخدام الأراضي السورية لمرور الكهرباء والغاز المصري، ما سيؤمن دخلاً يسدّ جزءاً بسيطاً من عجز الموازنة المتعثرة.
وأشار إلى أنه ليس من المؤمل أن ينعكس أي دخل إضافي إذا ما دخل الخزينة العامة على رفع مستوى معيشة 90 بالمائة من السوريين الذين هم تحت خط الفقر.
وقال قاضي: “من الغريب الموافقة على تمرير مثل هذا الاتفاق الذي طرحه البنك الدولي في عام 2020 واشترط حينها عدة شروط يجب توفيرها في سورية، منها الحوكمة والاستقرار الأمني والمالي والعناية بالبيئة وأمن الإمدادات”.
ووصف هذه الخطوة بأنها محاولة أميركية للتملّص من قانون عقوبات “قيصر”، ومحاولة للعب بمشاعر الجمهور الأميركي من خلال العزف على وتر حاجة اللبنانيين، وتسليط الضوء على أزمة البلد الاقتصادية، دون الإشارة إلى الفوائد التي سيجنيها نظام الأسد.
وحسب قاضي، فإن الفائدة التي ستعود على النظام سياسية أكبر من كونها اقتصادية، إذ أشعر الأخير العديد من الأطراف الدولية أنها بحاجته كلاعب في المنطقة، وخاصة أن هناك حركة عربية تقودها عدة دول لإعادة تعويمه، وإعادته إلى جامعة الدول العربية والعديد من المحافل الدولية الأخرى، لافتاً إلى أنه قد يتلقى أموالاً من الحكومة اللبنانية مقابل موافقته على عبور الكهرباء والغاز من الأراضي السورية.
الباحث الاقتصادي، كرم شعّار، اعتبر في حديث مع “العربي الجديد” أن أحد المكاسب التي سيحققها النظام هي الظهور أمام سكان المناطق الخاضعة لسيطرته بمظهر المهتم بمصالحهم، من خلال سعيه لتأمين الغاز والكهرباء لهم، وهما من أكبر المواد المفقودة لدى السوريين إضافة إلى الماء.
وأشار إلى أن هناك جانباً آخر يتعلّق بالشركة التي ستعمل على نقل النفط عبر الأراضي السورية إذ تتبع لوزارة النفط، المعاقبة من قبل دول أوروبية وأميركا قبل صدور قانون “قيصر” وهذا يشكّل تجاوزاً لجميع تلك العقوبات على النظام.
وأضاف شعّار أن الاتفاق الأخير سيوفّر الكثير من الأموال على الحكومة الإيرانية، التي كانت تقدّم الغاز للبنان وسورية في مرحلة من المراحل دون مقابل، وحتى في مراحل أخرى كان النفط يصل إلى النظام السوري ويتم تسجيله كديون عبر الخط الائتماني، لذا من المفترض أن تكون هذه الخطوة مرحباً بها وإيجابية بالنسبة لإيران التي حملت على عاتقها مسألة مساندة النظام مالياً واقتصادياً.
الباحث الاقتصادي، كرم شعّار، لـ”العربي الجديد”: أحد المكاسب التي سيحققها النظام هي الظهور أمام سكان المناطق الخاضعة لسيطرته بمظهر المهتم بمصالحهم
وفي أغسطس / آب الفائت تلقى الرئيس اللبناني ميشال عون، تأكيداً من السفيرة الأميركية في بلاده، دوروثي شيا، بأن واشنطن ستسمح بعبور الغاز المصري إلى الأردن ومن ثم سورية فلبنان، وسيتولى البنك الدولي تمويل نقل الغاز إلى البلدان المذكورة، وإصلاح شبكة الكهرباء بين الأردن وسورية ولبنان، وتقويتها بالشكل المطلوب.
لكن لبنان لم يتلقّ أي وعود رسمية من البنك الدولي بتمويل هذا المشروع، ولذا اتفق وزراء الطاقة في كل من مصر وسورية ولبنان والأردن خلال اجتماع سبتمبر / أيلول الماضي، على أن تتحمل كل دولة تكلفة إصلاح شبكة نقل الغاز ضمن أراضيها.
المصدر: العربي الجديد