أمين العاصي
في وقت ما تزال فيه الإدارة الأميركية تلتزم الصمت تجاه تصريحات مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، عن أن إعداد دستور جديد لسورية يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في البلاد، فإن موسكو، في المقابل، غضت من جديد الطرف عن قصف إسرائيلي ثانٍ خلال شهر لميناء اللاذقية السوري.
هذه المعطيات وغيرها تشير بحسب مراقبين، إلى وجود تفاهمات بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، غايتها الحد من النفوذ الإيراني في سورية، من خلال القصف الجوي من قبل المقاتلات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في جنوب البلاد وغربها ووسطها، مقابل إطلاق يد الروس في العملية السياسية، لفرض رؤيتهم للحل القائمة على إبقاء بشار الأسد في السلطة بشتى السبل.
وعلى الرغم من مرور نحو عام على تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، لم يُبد جو بايدن اهتماماً بالقضية السورية. واكتفى بسياسة سلفيه باراك أوباما، ودونالد ترامب، القائمة على استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على النظام السوري وأركانه من عسكريين وسياسيين.
ولم تمارس ثلاث إدارات أميركية تعاقبت خلال سنوات الثورة السورية أي ضغوط عسكرية ناجعة، من أجل إجبار النظام على الجلوس حول طاولة التفاوض، على الرغم من تصريحات المسؤولين المتكررة عن أن أيام الأسد في السلطة “باتت معدودة”.
صمت روسي عن الضربات الإسرائيلية
في المقابل، تلتزم موسكو الصمت عن الضربات الإسرائيلية في سورية، وآخرها يوم الإثنين الماضي على ميناء اللاذقية، الذي لا يبعد كثيراً عن قاعدة حميميم الروسية، التي تعد مركز القيادة والتحكم بمجمل الأوضاع في سورية.
وخلال الشهر الحالي ضربت المقاتلات الإسرائيلية مرتين ما يُعتقد أنها شحنات أسلحة إيرانية وصلت للتو ميناء اللاذقية. وهو ما يؤكد وجود تنسيق عالي المستوى بين موسكو وتل أبيب، قد يكون ثمرة لقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في سوتشي الروسية، منح الجيش الإسرائيلي الحق بالعمل بحرية في سورية.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر “تويتر”، الثلاثاء الماضي، إنه جرى استهداف عشرات الأهداف على الجبهة السورية، إلى جانب إحباط محاولة واحدة للتسلل من الأراضي السورية نحو إسرائيل.
وفي السياق ذاته، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، في تصريحات صحافية الثلاثاء، إن الضربات الإسرائيلية على سورية خلال 2021، أسهمت في تقويض أنشطة إيران المتعلقة بتهريب الأسلحة إلى سورية.
وأشار إلى “انخفاض في مستوى تهريب الأسلحة من إيران إلى سورية، نتيجة ارتفاع العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية”. وأضاف أن “الزيادة في نطاق العمليات خلال العام الماضي أدت إلى تعطيل كبير لجميع طرق التهريب إلى الساحات المختلفة من قبل أعدائنا”، في إشارة منه إلى إيران.
ضربات إسرائيلية متواصلة منذ 2015
ومنذ التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية أواخر 2015، لم تنقطع الضربات الإسرائيلية لأهداف إيرانية على طول الجغرافيا السورية وعرضها، خصوصاً في ريف دمشق، حيث يُعتقد أن الحرس الثوري الإيراني بات يملك قواعد داخل مقرات الفرق العسكرية التابعة للنظام السوري.
وكانت موسكو قد أعلنت في أكتوبر أنها سلمت النظام السوري 4 منصات من طراز “أس – 300″، بعد أن أسقطت الدفاعات الجوية في قوات النظام طائرة روسية بالخطأ قبالة السواحل في ذلك الحين، أثناء تصديها لمقاتلات إسرائيلية. إلا أن المعطيات الميدانية تؤكد أن هذه المنظومة من الصواريخ المتطورة لم تفعّل من قبل الروس بشكل يردع الإسرائيليين.
وعن ذلك، قال المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “لا يمكن استخدام المجال الجوي في بقعة جغرافية ضيقة، مثل سورية، من دون التنسيق بين الأطراف الفاعلة، إلا إذا كانت هذه الأطراف في حالة حرب”.
وأضاف: “عندما توجه تل أبيب ضربات من الطبيعي أن تُعلم الأطراف الشاغلة للمنطقة، ومنها الجانب الروسي. وعندما تستهدف الولايات المتحدة أي أهداف إيرانية في شرق سورية تُعلم الأطراف، بما فيها تركيا، وذلك لمنع الاحتكاك أو الإصابة بالخطأ”.
التنسيق بين موسكو وواشنطن “جارٍ في سورية”
وأعرب فرحات عن اعتقاده أن التنسيق بين موسكو وواشنطن “جارٍ في سورية”. وقال: “هناك مجموعات عمل مشتركة بين الطرفين، نتجت عن لقاء القمة الذي جمع بوتين وبايدن منتصف العام الحالي في مدينة جنيف”.
وأوضح الفرحات أنه “لم يعد بمقدور إيران نقل الأسلحة إلى سورية عبر مطار دمشق، لأن هذه الشحنات مرصودة من الجانب الإسرائيلي”. وأضاف: وجدت طهران أن البحر وسيلة بديلة على الرغم من التكاليف العالية. ورأى الفرحات أن “هناك رضا روسيا على الضربات الإسرائيلية لميناء اللاذقية، لأن هناك منافسة كبيرة بين الروس والإيرانيين في سورية”.
من جهته، رأى المحلل السياسي درويش خليفة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التنسيق الروسي الأميركي في سورية بدأ في 2015، حين التقى باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة”.
وأضاف: هذا اللقاء سمح لروسيا بالتدخل بشكل مباشر في سورية، وتقديم دعم لا محدود لنظام الأسد. وأشار إلى أن “الأمر نفسه ينطبق على الرئيس السابق دونالد ترامب”، معتبراً أنه أبرم مع الروس اتفاقية الجنوب السوري، التي سمحت للنظام بالتوغل في المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل الثوار، تبعتها في عهد الإدارة الحالية العملية العسكرية، التي أدت لتسليم المنطقة بالكامل للنظام والمليشيات الحليفة له.
ورأى خليفة أنه “ليس لدى الأميركيين استراتيجية معلنة عن سورية”، مشيراً إلى أن الإدارة الحالية تطبق سياسة “خطوة بخطوة” مع الجانب الروسي، للتوصل لحلول وسط للحالة السورية المستعصية.
وبيّن أن هناك تنسيقاً بين روسيا والولايات المتحدة “على أعلى المستويات، سواء بين الفرق الفنية، أو على مستوى وزارتي الخارجية والدفاع”. وقال: “نتج عن هذا التنسيق، القرار الدولي رقم 2585 (صدر منتصف العام الحالي)، بخصوص دخول المساعدات إلى الشمال الغربي من سورية عبر الحدود والخطوط، في مقابل رفع وزارة الخزانة الأميركية بعضاً من العقوبات على المنظمات العاملة في مناطق سيطرة النظام”.
المصدر: العربي الجديد