أحمد محمود
تناولت وسائل الإعلام الهولندية وضع اللاجئين السوريين الذين تم سحب إقامتهم في الدنمارك لا سيما الذين توجهوا إلى دول أوروبية كهولندا طلباً للإقامة والأمان وخوفاً من إعادتهم إلى سوريا.
وقالت صحيفة “تراو” الهولندية في تقرير لها إنه على الرغم من أن المنظمات غير الحكومية تذكر بانتظام أن اللاجئين السوريين العائدين معرضون لخطر التعذيب أو الاختفاء، قررت الدنمارك في عام 2019 أن دمشق والمنطقة المحيطة بها يمكن اعتبارها “منطقة آمنة”.
إعادة تقييم مئات طلبات اللجوء
وصرحت الحكومة الاشتراكية الديمقراطية في الدنمارك أنه سيتم إعادة تقييم جميع السوريين الذين قدموا من تلك المنطقة ولديهم تصاريح إقامة مؤقتة وهم قرابة 1250.
وروت الصحيفة قصة امرأة سورية فرت من الدنمارك إلى هولندا بعد أن تم سحب تصريح إقامتها، وبحسب الصحيفة أدى التغيير في السياسة الدنماركية إلى تمزيق عائلة رنا، شقيقاها مسموح لهما بالبقاء في الدنمارك لأنهما في خطر حقيقي لأنهم سيُضطرون للانضمام إلى جيش النظام عند عودتهم إلى سوريا.
وبحسب الصحيفة، طُلب من رنا ووالديها مغادرة الدنمارك لكنهم يخشون العودة إلى مناطق النظام خصوصاً أن العديد من أفراد العائلة تم اعتقالهم في السجون سيئة السمعة منذ سنوات بسبب مشاركتهم في المظاهرات ضد الأسد.
وفي ربيع عام 2021، فرت رنا مع ابنها البالغ من العمر 5 أعوام إلى هولندا، حيث تعيش أختها، وقضية رنا حالياً قيد الدراسة، وفقاً للصحيفة الهولندية.
وتنص دائرة الهجرة والتجنيس (IND) على أنه بناءً على اتفاقية دبلن الثانية، فإن الدولة الأولى التي تقدمت فيها بطلب للحصول على اللجوء مسؤولة عنك، وبالتالي فإن الدنمارك هي المسؤولة عنها.
الدنمارك.. “صفر طالبي لجوء”
وتسعى الحكومة الدنماركية إلى تطبيق سياسة “صفر طالبي لجوء”، لهذا السبب شددت البلاد إجراءاتها.
وفي عام 2016، اختصرت الدنمارك مدة وضع اللاجئ من خمس سنوات إلى سنتين، كما تم تشديد الحق في لم شمل الأسرة حيث لم يعد ممكناً إلا بعد ثلاث سنوات.
وفي مايو الماضي، صوت البرلمان الدنماركي لصالح تشريع يتيح للسلطات ترحيل طالبي اللجوء بالانتقال إلى دولة أخرى خارج أوروبا في أثناء معالجة طلباتهم، وتتعارض كل هذه الإجراءات مع الإرشادات الأوروبية بشأن الهجرة، لكن الدنمارك “قاعدة استثناء” في أوروبا، الأمر الذي لاقى انتقادات واسعة من منظمات حقوقية.
وبحسب الصحيفة الهولندية فإن جميع الخبراء الذين ساهموا في التقرير الذي استخدمته دائرة الهجرة الدنماركية للإعلان عن “أمان” دمشق والمنطقة المحيطة بها، تجاهلوا ما قالته المنظمات الحقوقية عن الوضع في سوريا، لا سيما التقارير التي صدرت في سبتمبر وأكتوبر الماضيين عن منظمات حقوقية، منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والتي ذكرت بأن عشرات اللاجئين العائدين إلى مناطق الحكومة بما في ذلك دمشق والمنطقة المحيطة بها قد تم اعتقالهم وتعذيبهم بعد وصولهم إلى سوريا.
كما أكد مكتب دعم اللجوء الأوروبي (EASO) الذي يقدم المشورة للدول الأوروبية بشأن سياسة اللجوء أن “مجرد فرار شخص ما من سوريا يجعله مشبوهاً لدى النظام السوري”.
السوريون ما زالوا في خطر
وفي السياق، تحدث آخر تقرير رسمي هولندي في عام 2021 عن “العديد من العقبات والتهديدات التي ما تزال تواجه عودة النازحين داخلياً واللاجئين، ولا سيما التجنيد الإجباري والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجسدي والجنسي والتمييز في الحصول على السكن والأرض والممتلكات بالإضافة إلى الخدمات الأساسية السيئة أو غير الموجودة”، لذلك فإن هولندا لا تعيد اللاجئين إلى سوريا، الأمر الذي يعني أن السياسة الهولندية تتماشى مع مواقف الاتحاد الأوروبي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ومع ذلك، فإن الدنمارك مستمرة بنهجها الجديد، وحتى الآن أعادت السلطات الدنماركية تقييم 850 تصريح إقامة وألغت أكثر من 300 تصريح، وفي ثلث الحالات تم تأكيد هذا القرار بعد الاستئناف.
ولا تستطيع الدنمارك إبعاد أي شخص في الوقت الحالي لأن الحكومة الدنماركية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع نظام الأسد.
وبالعودة إلى اللاجئة السورية رنا فقد عُرض عليها من قبل السلطات الدنماركية 18 ألف يورو للعودة إلى سوريا “طواعية”، وتضيف الصحيفة الهولندية أنه عندما يرفض اللاجئون السوريون ذلك تتم ممارسة المزيد من الضغط عليهم، وبالتالي على اللاجئ الذي سُحب تصريح إقامته أن يذهب إلى “مركز الترحيل”، ولا يُسمح له بالعمل هناك ولا يوجد تعليم له ولأطفاله ولا آفاق مستقبلية، ويرسل السوريون لبعضهم بعضا مقاطع فيديو عن الظروف غير الصحية في مركز الترحيل.
وكثير من اللاجئين السوريين يرفضون ذلك ويجربون حظهم في أماكن أخرى في أوروبا.
كم أعداد السوريين الهاربين من الدنمارك؟
وبحسب البحث الذي أجرتها “تراو” والعديد من وسائل الإعلام الأوروبية بالتعاون مع منظمة “Lighthouse Reports” البحثية فإن هناك عدداً من السوريين قد غادروا الدنمارك منذ عام 2019 حيث غادر ما لا يقل عن 400 سوري إلى أربع دول على الأقل هي بلجيكا وهولندا والسويد وألمانيا، حيث فر ما لا يقل عن أربعين سورياً من الدنمارك إلى هولندا، ويتعلق ذلك فقط بطالبي اللجوء السوريين الذين تم أخذ بصمات أصابعهم في أثناء تقديمهم في الدنمارك عدا القاصرين أو الذين قدموا إلى الدنمارك كجزء من لم شمل الأسرة.
وفي نوفمبر الماضي، نقل مقال في صحيفة “Jyllands Posten” الدنماركية عن دائرة الهجرة الدنماركية أنه في الأشهر الأخيرة وحدها غادر خمسة عشر سورياً إلى هولندا.
كما غادر 265 شخصاً آخر إلى ألمانيا، و54 إلى بلجيكا و44 إلى السويد، وذلك وفقاً للمعلومات التي ذكرتها “تراو” والمجلتان البلجيكيتان “كناك” و”لوفيف” و”دير شبيجل” الألمانية ، والصحيفة السويدية “Sysdsvenskan” ومصادر صحفية أخرى.
ومن المرجح أن يكون العدد الإجمالي للسوريين الذين غادروا الدنمارك أعلى لأن هذا البحث يتعلق بأربع دول أوروبية فقط.
“موقف صعب”
وتضع السياسة الدنماركية البلدان الأوروبية الأخرى في “موقف صعب” لأنه بموجب “اتفاقية دبلن” فإن الدنمارك مسؤولة عن أولئك السوريين، كما أنه بموجب اتفاقيات جنيف، هناك حظر على إعادة اللاجئين إلى بلد يتعرضون فيه للخطر، كما يعد إرسال شخص ما مرة أخرى إلى دولة تعيد إرساله إلى منطقة غير آمنة “انتهاكاً للاتفاقية” وربما ينتهك القانون الدولي أيضاً.
وقضت محكمة في برلين العام الماضي بأن الدنمارك لم تعد مكاناً آمناً للاجئين السوريين، ومنح القاضي تصريح إقامة لعائلة سورية منهم.
وهذا هو بالضبط سبب تقديم محامي رنا، “مارك ويجنجاردين”، اعتراضاً إلى “مجلس الدولة”، أعلى محكمة لشؤون الأجانب، ويقول إنه لا يوافق على قرار دائرة الهجرة والتجنيس الهولندية “IND” بأن رنا يجب أن تعود إلى الدنمارك، معرباً عن اعتقاده أن الدنمارك لا تمتثل لالتزاماتها الدولية.
ووفقاً للمحامي، هناك “أوجه قصور منهجية في استقبال طالبي اللجوء والحماية القانونية لأن الدنمارك من حيث المبدأ تطرد إلى سوريا، لكنها لا تفعل ذلك لأن هناك “عقبة عملية” وهي أنه ليس لديها علاقات دبلوماسية في الوقت الحالي مع نظام الأسد ولكن في اللحظة التي يذهب فيها سفير من الدنمارك إلى سوريا، يمكن لجميع السوريين الذين رُفض طلبهم للجوء بالدنمارك الانضمام إليه!”.
ومن المتوقع أن تنتظر رنا حتى سبتمبر 2022 لتحصل على القرار، ويقول المحامي إنه “بالنسبة للسوري الذي يفر من الدنمارك إلى هولندا، يعتمد الأمر حالياً كلياً على المحكمة التي ستقرر فيما إذا كان مسموحاً لك بالبقاء في هولندا في الوقت الحالي أم لا”.
“الجميع يبتسم لنا”
في غضون ذلك، يواصل السوريون القدوم إلى هولندا حيث تم نقل اللاجئ السوري وائل مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى هولندا بواسطة أصدقاء له في أكتوبر 2021.
وغادر اللاجئ السوري قبل أيام قليلة من انتهاء صلاحية تصريح إقامته في الدنمارك، وأنهى أول مقابلة له مع IND.
وعبر اللاجئ السوري الذي كان يعمل كمصمم جرافيك عن إعجابه بـ”التنوع” الذي يراه في شوارع هولندا، وقال “إنه شعور مختلف حقاً هنا، من الطقس إلى الناس.. الجو هنا أكثر دفئاً، وهناك العديد من الأشخاص المختلفين، ويتم التحدث بالعديد من اللغات وهنا في نيميخن يبتسم الجميع لنا”.
كما يضيف اللاجئ السوري وهو يأخذ رشفة من الشاي “أخيراً يمكنني الاسترخاء.. كان العامان الماضيان في الدنمارك مرهقين للغاية، الدنمارك ليست مكاناً يسيراً للعيش فيه، غالباً ما يكون الناس لطيفين ولكن الحكومة والسياسيون يقولون: أنت شخص ليس مرغوباً بك (..) اذهب”.
أما فيما يخص قضية رنا فوفقاً للصحيفة الهولندية، تستطيع البقاء في هولندا على أي حال حتى صدور قرار من مجلس الدولة، ويذهب ابنها إلى المدرسة المحلية ويتعلم اللغة الهولندية بسرعة.
وتشعر رنا بالتوتر في منزل أختها حيث تتقاسم سريراً واحداً مع ابنة أختها منذ تسعة أشهر، وتقول إنها “كانت تحلم بامتلاك صالون لتصفيف الشعر الخاص بها، والآن أصبحت أمنياتها أبسط “كل ما أريده هو السماح لي بالبقاء.. حلمي هو أن أحصل على تصريح إقامة!”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا