أمين العاصي
تواصلت أمس السبت، المواجهات بين “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، مدعومة من التحالف الدولي، وبين عناصر من تنظيم “داعش”، في مدينة الحسكة في شمال شرق سورية، مسفرة عن مقتل العشرات من الطرفين، وذلك بعدما تمكّن التنظيم من مهاجمة سجن الصناعة (غويران) المحصّن في حي غويران، الذي يُحتجز فيه آلاف من “داعش”، بينهم قادة من الصف الأول للتنظيم، وإخراج العشرات من عناصره منه، ما أثار علامات استفهام وأسئلة عدة بشأن هذا الاختراق وحجمه.
وفيما أكد محمود حبيب، الناطق الرسمي باسم “لواء الشمال الديمقراطي” التابع لـ”قسد”، لـ”العربي الجديد” أن القوات الأمنية والعسكرية العاملة في (قسد) وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) تمكنت، بالاشتراك مع قوات التحالف الدولي، من السيطرة أمس على سجن غويران (الصناعة) ضمن مدينة الحسكة”، لفت إلى أنه “تم إلقاء القبض على أكثر الفارين من السجن، الذين يقدر عددهم بحدود 80 سجيناً”.
وأكد القيادي في “قسد” أن عمليات البحث عن بقية الفارين من السجن ما زالت مستمرة، لافتاً إلى أنه “تم تطهير الأحياء التي كانت قد أُغلقت بسبب الوضع الأمني، وعاد أكثر المواطنين إلى بيوتهم بعد موجة نزوح حدثت بسبب الاشتباكات”.
ملاحقة سجناء “داعش” متواصلة في أحياء الحسكة
في السياق، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن الاشتباكات تواصلت أمس في المنطقة المحيطة بالسجن، بين عناصر من التنظيم و”قوات سورية الديمقراطية” التي كانت تحاول تضييق الخناق على سجناء فارين يتحصنون في مواقع داخل المدينة.
وجاء ذلك فيما كانت طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة تحلّق على علو منخفض فوق حي غويران، بعد أن دمرت، أول من أمس الجمعة، بعض المنشآت في المدينة مثل مبنى المعهد التقني، بحجة أن عناصر داعش الفارين لجأوا إليها.
ونشرت شبكات إخبارية محلية مقطع فيديو يظهر جثث عدد من السجناء بالقرب من مبنى كلية الاقتصاد والمعهد الفني في الحسكة، قتلوا أثناء المواجهات ليل الجمعة-السبت.
بدوره، ذكر موقع “الخابور” المحلي أن “قسد” لم تتمكن من سحب عدد كبير من الجثث من محيط السجن الذي كان لا يزال يشهد، أمس، استعصاء عناصر تنظيم “داعش” بداخله، مشيراً إلى أن “قسد” أعدمت ميدانياً عدداً من سجناء التنظيم.
وكان تنظيم “داعش” شنّ، ليل الخميس-الجمعة، هجوماً هو الأكبر منذ إعلان القضاء عليه في منطقة شرقي نهر الفرات مطلع عام 2019، حيث استهدف بسيارتين مفخختين بوابات سجن “غويران”، قبل أن يشن العشرات من العناصر هجوماً لفتح هذه البوابات وإخراج السجناء منه.
ويبدو أن الهجوم المباغت أربك القوات التي تحرس السجن، وهو ما سمح لعدد كبير من السجناء بالهروب، قبل أن تتدارك “قسد” الموقف وتلقي القبض على هاربين.
وكان الرئيس المشترك لمكتب الدفاع في “الإدارة الذاتية”، زيدان العاصي، ذكر، في وقت متأخر الجمعة، أنه “تمت إعادة السيطرة على السجن وعلى حي غويران بالكامل”.
ونقلت وكالة “هاوار” الكردية عن العاصي قوله، إنه “لم يتبق سوى بعض الأفراد الفارين، حيث تدور معهم اشتباكات متقطعة”.
وطالب العاصي، المجتمع الدولي، بـ”خطوات أكثر فاعلية للقضاء على تنظيم داعش الذي يحاول إعادة نشاطه في سورية والعراق”. كما طالب بدعم “قسد”؛ لأنها “الأكثر فاعلية في مواجهة الإرهاب”، على حد قوله.
لكن مدير المركز الإعلامي لـ”قسد”، فرهاد شامي، قال في تصريحات أمس، إن “الوضع الاستثنائي مستمر في السجن ومحيطه، وحالياً هناك اشتباكات في الجهة الشمالية لمحيط السجن”.
عشرات القتلى جراء الاشتباكات
وأعلنت قوات سورية الديمقراطية (قسد)، أمس السبت، مقتل وإصابة 40 عنصراً من قواتها وقوى الأمن الداخلي “الأسايش” والمتطوعين، منذ بداية هجوم “داعش” على سجن الحسكة.
وقالت “قسد”، في بيان نشره مركزها الإعلامي، إن 17 قتيلاً “في القوات العسكرية وقوى الأمن الداخلي وكذلك المتطوعين في المؤسسات الخدمية ارتقوا منذ الساعات الأولى وجرح 23 آخرون حتى اللحظة أثناء تصديهم لهجمات الإرهابيين ومنع فرار المرتزقة من سجن الصناعة في الحسكة”.
وعلم “العربي الجديد” أن من بين قتلى “قسد” مدير سجن الصناعة الذي هاجمه “داعش” والمعروف باسم جمال كوباني.
من جهته، ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أن عدد القتلى جراء هذه الأحداث ارتفع، حتى مساء أمس، إلى 89 شخصاً، هم 56 من عناصر التنظيم و5 مدنيين، و28 من الأسايش (قوى الأمن الداخلي التابعة لقسد) وحراس السجن وقوات مكافحة الإرهاب (تابعة لقسد)”.
وأشار إلى أن طائرة حربية أميركية شنّت غارتين، مساء أول من أمس الجمعة، على مواقع يتحصن فيها خلايا وسجناء “داعش”، في حي الزهور ومحيط سجن الصناعة بمدينة الحسكة، قبل أن تجدد، أمس السبت، قصف المنطقة.
وأكد المرصد أن عدد الفارين الذين ألقي القبض عليهم وصل، حتى مساء أمس، إلى 136 سجيناً من “داعش”، بينما لا يزال العشرات فارين، فيما لا يُعرف العدد الحقيقي والدقيق للسجناء الذين تمكنوا من الهرب، وفق المرصد، إذ فر المئات ليل الخميس الجمعة، ولايزال مصير العديد منهم مجهولاً.
وتبنى تنظيم “داعش”، عبر حساب وكالة “أعماق” التابعة له على تطبيق تليغرام “الهجوم الواسع” على السجن بهدف “تحرير الأسرى المحتجزين بداخله”، مشيراً إلى أن “الاشتباكات لا تزال جارية في محيط السجن وأحياء أخرى”.
تواطؤ مع “داعش”؟
من جهته، اتهم المتحدث باسم الإدارة الذاتية الكردية، لقمان آحمي، في تصريحات صحافية، أطرافا عدة، من بينها النظام السوري، بـ”بتهيئة الأرضية لهجوم عناصر داعش على سجن الصناعة، عن طريق هجومهم الإعلامي على قوات سورية الديمقراطية”.
وقال “السلطة في دمشق شريكٌ في الهجوم على قسد من خلال الترويج للخلايا الإرهابية، ووصفها لهذه الخلايا بأنها مجموعات المقاومة الشعبية ودعمها لها إعلامياً ولوجستياً”.
من جانبه، أشار مصدر مطلع في محافظة الحسكة، فضّل عدم كشف اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن التنظيم “لا يمكنه اختراق المدينة والوصول إلى بوابات السجن من دون وجود متواطئين معه”.
وأضاف متسائلاً “أليس من المستغرب أيضاً عدم قدرة قسد، ليس فقط على حماية المدينة، بل كذلك على التعامل مع خلايا التنظيم والقضاء عليها، على الرغم من مرور أكثر من 24 ساعة على وجودها في المدينة؟”.
ورأى أن “ما حدث في الحسكة يؤكد عدم صوابية الإجراءات التي اتخذها التحالف الدولي في محاربة داعش”، معتبراً أن “كل الجهات اللاعبة اليوم لها مصلحة في بقاء التنظيم كي تستمد منه شرعية وجودها، ونحن بحاجة إلى طرف وطني خالص للقضاء على داعش”.
وأوضح المصدر أن الهجوم من قبل التنظيم “كان منظماً ومن أكثر من محور على السجن، والسجناء كما يبدو كانوا على علم بالهجوم”، متسائلاً “كيف تدخل هذه الخلايا ومعها أسلحة وسيارات ودراجات مفخخة إلى مكان من المفترض أن يكون شديد التحصين”.
وتابع “هناك أكثر من 100 عنصر هاجموا السجن من الخارج، وهناك جهات كثيرة اشتركت في ما جرى، فالنظام له مصلحة في إظهار قوات قسد عاجزة، وهذه القوات لها مصلحة في بقاء التنظيم كمصدر تهديد، كي لا ينقطع الدعم الدولي عنها”.
وبحسب المصدر، فإنّ “طول فترة سيطرة التنظيم على شرقي وشمال شرقي سورية، سمح له بإنشاء خلايا نائمة تستيقظ عند اللزوم”.
ورأى أن “على التحالف مراجعة خططه في محاربة التنظيم، والتي أثبت بعد ما جرى في الحسكة عدم جدواها. كما على التحالف حل معضلة هؤلاء السجناء، من خلال إجبار الدول التي ينتمون إليها على استلامهم”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها سجن الصناعة في حي غويران بالحسكة تمرداً من قبل سجناء تنظيم “داعش”، إذ شهد محاولات عصيان عدة سابقاً.
وكانت آخر محاولات العصيان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقب محاولة “قسد”، نقل نحو 40 سجيناً من جنسيات أجنبية وبينهم عراقيون، من سجن غويران إلى سجن مدينة الشدادي الواقع ضمن قاعدة جنوبي الحسكة، خاضعة لسيطرة قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
ويضم سجن الصناعة آلاف العناصر من تنظيم “داعش” من خمسين جنسية، كانوا قد استسلموا إلى “قسد” خلال الحملة العسكرية التي قامت بها بمساندة من التحالف الدولي للقضاء على “داعش”، في منطقة شرقي نهر الفرات.
ولكن الهجوم الأخير الذي شنه التنظيم على السجن من خارجه، يطرح أسئلة كثيرة وخاصة لجهة قدرة هذا التنظيم على اختراق المربعات الأمنية في مدينة الحسكة المتوسطة المساحة، والوصول إلى بوابات السجن وتفجير سيارتين مفخختين.
في السياق، رأى المحلل العسكري، العميد مصطفى فرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تنظيم داعش مخترق من جهات إقليمية ودولية عدة”.
وأشار إلى أن “هناك مجموعات داخل التنظيم مرتبطة بالجانب الإيراني، ومن مصلحة الإيرانيين إبقاء الشمال الشرقي من سورية في حالة عدم استقرار أمني”.
واعتبر الفرحات أن التنظيم “لا تزال لديه القدرة على تنفيذ هجمات”، مشيراً إلى أن “هناك قادة لداعش داخل سجن الصناعة في الحسكة يريد إخراجهم”.
إلى ذلك، كان لافتاً التزامن بين الهجوم على سجن الحسكة وبين هجوم مماثل على مقر للجيش العراقي في محافظة ديالى، أدى إلى مقتل ضابط و10 جنود، أول من أمس.
وفي السياق، رأى مدير مركز “الشرق نيوز”، فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن حجم العملية التي جرت في الحسكة “يؤكد أن هناك تخطيطاً لها منذ فترة طويلة”.
وأضاف “دعم الاستعصاء من الخارج يشير إلى فساد في الإدارة الذاتية، وهو ما يفسر التواصل بين السجناء وخلايا التنظيم في الخارج”.
وأشار إلى أن التحالف الدولي “لديه فشل استخباراتي، وإلا كيف وصل المهاجمون إلى حي غويران في الحسكة؟”، معرباً عن اعتقاده بأن “العملية تخدم كل الأطراف”.
وأوضح “العملية تخدم الإيرانيين، لإبقاء المليشيات الطائفية في العراق وسورية، كما أن النظام يستفيد من خلال تقديم نفسه كشريك في محاربة الإرهاب”.
ورأى أن “قسد” هي الأخرى “طرف مستفيد، كي تطلب دعماً أكبر من الغرب”، خاتماً بالقول “هذه العملية ليست مفاجئة، بل متوقعة، وأتوقع عمليات أكبر على القواعد الأميركية في سورية، وهي هدف إيراني معلن”.
المصدر: العربي الجديد