أثار بيان المجلس الإسلامي السوري بخصوص مشاهدة المسلسلات الرمضانية التي تنشرها قنوات موالية للنظام السوري، جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ عبّر البعض عن رفض تدخل المجلس في مثل هكذا مواضيع، أو وصايته على السوريين وما يجب أن يشاهدونه، في حين رأى آخرون أن البيان يأتي ضمن مهام المجلس، المتمثلة بالتحذير من “المنكرات”.
بيان المجلس الإسلامي
قال المجلس الإسلامي، في بيانه، إنه بعد الاطلاع على التقارير الموثّقة عن أكثر المسلسلات التي تنشرها قنوات النظام المجرم فإنّ يُبيّن ما يلي:
أولاً: يستعمل النظام المجرم هذه القوّة الناعمة لنشر الفاحشة وتزيينها؛ نقضاً لقيم الأمّة وثقافتها وهوّيتها، بمشاهد مثيرة خادشة للحياء، بما يشجع التمرّد على قيم المجتمع والخروج عن العلاقة الفطريّة المشروعة بين الجنسين، ويهدم ثوابت مجتمعنا السوري كلّه، مصداقاً لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
ثانياً: تحاول هذه الأذرع الإعلامية للنظام المجرم إبراز شخصيّات تافهةٍ على أنّها قدواتٍ مجتمعيّة: فتصوّر السكير رمزاً للمعرفة والحكمة وحبّ الخير للناس، واستلهام مخبّئات الغيب، وتظهِر آخرَ غارقاً في المجون وتبذير المال على المتع الرخيصة؛ بما يحرف تطلعات الشباب في السعي إلى مستقبل زاهر يحرصون فيه على ما ينفعهم ومجتمعهم.
ثالثاً: يوظّف النظام وسائل الإعلام لتشويه التاريخ القديم والحديث، وتزييف شخصياته، فيشيطنُ كثيراً من القادة المصلحين، ويزيّن صورة كثير من المارقين، ويزيّف أحداث ثورتنا المباركة؛ مع أنّ شهودها ما زالوا حاضرين.
رابعاً: تجتهد هذه المسلسلات في قصر مهمة الدين وعلمائِه على طقوسٍ وشعائر، وصبغه بالكهنوتية، وعزله عن إصلاح الحياة، وتشويه صورة المتدينين خاصة العلماء، بإظهارهم بسطاء سذّجا بعيدين عن العصر، أو وسمهم بالإرهاب وإلصاق تهمة العمالة بهم!
خامساً: يستغلّ النظام السلطة الإعلامية بما يخدم (أجندته السياسيّة)؛ تنفيساً عن الشعوب المقهورة، فيشرعن بواسطتها الظلم والرضوخ، ويصرف الأنظار عن أجهزة الرعب ودوائر القرار، وهم المسؤولون عمّا آلت إليه الأوضاع، ويقرّر مقصّ الرقيب وأوامره ما يتخلّل هذه المسلسلات من ذلك.
وجاء في ختام البيان: إن المجلس يحذّر من متابعة هذه المسلسلات، فإنّ ذلك قد يوقع في أحابيل المكر ومصائد التضليل التي نصبها النظام لمن يتابعها، ويضيّع فرصة هذا الشهر المبارك، ويدعو الباحثين المتابعين إلى بيان زيفِ ما يُعرَض على الجمهور تفصيلاً، وبيان خطره على بناء الوعي الحقيقيّ لأبناء الأمّة، ويثمّن كلّ جهدٍ إعلاميٍّ يسعى لتقديم بدائل نافعةٍ فيحافظ على قيمِ الأمّة وهويّتها الدينية والثقافية والاجتماعيّة.
جدل ورفض لـ “وصاية المجلس على السوريين”
اعتبر بعض السوريين، أن بيان المجلس الإسلامي السوري غير مناسب كونه يأتي في إطار الوصاية على السوريين، وأنه من باب أولى، إصدار بيانات حول الاشتباكات المتكررة بين فصائل الجيش الوطني السوري، ووقوع قتلى من المدنيين، فضلاً عما يعانيه اللاجئون في تركيا من تضييق وعنصرية، وضرورة أن يكون للمجلس كلمة بهذا الشأن.
الصحفي نجم الدين النجم، وصف بيان المجلس حول المسلسلات، بأنه “متهافت ويخلط الحابل بالنابل”، مضيفاً أن “المسلسلات العربية بالعموم رديئة فنياً مع وجود استثناءات، وكل ما يقال عنها يجب أن يبقى في دائرة النقد الفني، أما مخاطبة الناس بشأن ماذا يشاهدون في بيوتهم بهذه الطريقة، فهذه تسمى وصاية وقحة”، حسب وصفه.
وتابع: تقرأ في بيان المجلس الإسلامي السوري مفردات من قبيل (المعاصي، والمنكرات، والفاحشة، والقيم، والفطرة، والثوابت، والمجون، والمتع الرخيصة، والمارقين، والأحابيل، والأمة، والهوية، والتشويه، والعلماء)، موضحاً أن “الكهنوت الإسلامي لا يقبل الفنون بجميع أشكالها بغض النظر عن مدى جودتها وجماليتها، ويدعم ذلك بكثير من النصوص “المقدسة”، لكنه أصبح مهتماً جداً بتأثيرها اليوم لأنها باتت تتناول الكهنة وتأثيرهم المدمر في المجتمعات بشكل مباشر.
بدوره ذكر الكاتب والإعلامي محمد علي صابوني، أنه “كان الأجدى والأحرى بالمجلس أن يفتي بحرمة استغلال الفصائل للمهجرين السوريين وابتزازهم على الحواجز في الشمال السوري، وبحرمة التلاعب بقوت المهجرين واستغلال حاجتهم للمسكن بطلب إيجارات باهظة”.
ولفت إلى أن المجلس مطالب بالتكلم عن “حرمة الاقتتال بين الفصائل وإزهاق الأرواح على حاجز هنا أو معبر هناك، وحرمة اعتقال الناشطين وأصحاب الرأي المخالف لسياسة الفصائل تعسفياً وتغييبهم بأساليب فاقت بشاعتها أساليب النظام”، وفق وصفه.
من جهته طلب الإعلامي ماهر كساب من أعضاء المجلس الإسلامي، “التشاور فيما بينهم وأن يفتوا بحرمانية اقتتال الفصائل فيما بينها، وحرمانية سرقة الناس ونهبها في الشمال السوري، وحرمانية تعدد الكيانات العسكرية وتفرقها وبعدها عن الأهداف الوطنية، ووجود فصائل وقادة لا يقاتلون عدونا وإنما هدفهم ملء الجيوب والارتزاق”، بحسب وصفه.
“البيان يضعف دور المجلس الإسلامي”
أشارت الباحثة والمحاضرة السياسية، الدكتورة رهف الدغلي، إلى أن بيان المجلس الإسلامي يضعف من دور المجلس كمؤسسة ثورية قامت بالأساس لمواجهة عنف نظام البعث.
وأفادت الدغلي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأن البيان جاء مكملاً لأدوار سابقة مختزلة وضعيفة لعبها المجلس، حيث تحول من مؤسسة قد تساهم في تطوير الخطاب الديني فلسفياً وعقائدياً إلى أداة وصائية مشابهة إلى حد بعيد “وصائية أجهزة المخابرات في النظام السوري”.
وأضافت: “البيان يُكاشف مدى تأثر المؤسسات والأجسام السياسية، وإن كانت مناهضة لحكم البعث، بالفكرة الشمولية والأبوية والتي تسعى للسيطرة بأسماء وأدوات مختلفة”، موضحة أن هذه الرؤية الأبوية والشمولية تختزل في خطابها “الآخر” وتعتبره غير مؤهل ومنقوص الرشد.
وتابعت: “مثل هكذا بيانات توحي لنا بأننا فاقدين للأهلية العقلية في تمييز ما يناسب أو لا يناسب، ويختزل قدراتنا على التفكيك والتحليل”.
“من صلب مهام المجلس”
وقال الباحث الأكاديمي أسامة حوى، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: “مما لا يُختلَفُ عليه أن من صلب مهمة المجلس الإسلامي السوري التوجيه والإرشاد ومناقشة الأمور التي تتعلق بحياة الناس وأخلاقهم مما جاءت به الشريعة، وكذلك فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي من أهم واجبات الدعاة في المجتمعات الإسلامية على أن يقوم بذلك من يفقه أصول الدعوة وعنده دراية بالمجتمع الذي يدعو فيه”.
وشدد على أن “بيان المجلس الإسلامي الخاص بالدراما الموجهة من قبل نظام الأسد إلى المجتمع السوري لم يخرج عن كونه تحذير من محاولات تشويه تاريخنا بشكل عام وتاريخ الثورة بشكل خاص، وتوضيح لما يقوم به نظام الأسد من تزييف الوعي واستخدام سلاح الدراما الموجهة كأداة لهذا التزييف المتعمَّد”.
المجلس جهة إرشادية لا تفرض الوصاية على الناس
وأردف “حوى” أنه “لا يُفهَم البيان بحال من الأحوال على أنه فرض وصاية على الناس، فالمجلس ليس جهة تنفيذية تتمتع بالنفوذ ليسمح ويمنع، بل هو جهة إرشادية من واجبها نقد ما تراه خطأ من منظورها في المسائل التي تتعلق بالحياة العامة، وهذه المهمة كانت مختطفة من قبل المؤسسات الدينية الرسمية التي دجّنها نظام الأسد وما زالت إلى اليوم تتلقى تعليماتها من قبل الأفرع الأمنية، فالمجتمع الحر المنفتح ينبغي أن يتسع لجميع الآراء دون أن يصادر أحد على أحد رأيه”.
ويعتقد حوى أن المجلس الإسلامي قام بما يمليه عليه واجبه تجاه المجتمع السوري في التوقيت المناسب، فلا يُعقل أن يُنتقَد الحدث بعد مضيِّه وخاصة أن نظام الأسد كغيره من الأنظمة المستبدة استغل شهر رمضان كموسم يجتمع فيه الناس حول الشاشات ليبثّ الرسائل التي تخدم سياساته، فكان لزاما على المجلس الإسلامي كمؤسسة شرعية أن تنتقد هذا الاستغلال وتنبه إلى ما يسوقه من مغالطات كبيرة تستهدف أخلاق المجتمع السوري وثوابته وتشيطن ثورته.
وتابع: “بما أنه ليس هناك قنوات تواصل بين المجلس الإسلامي ومؤسسات النظام التي تنتج وتبث تلك المسلسلات فمن الطبيعي أن يكون النقد وتسجيل الموقف عبر البيانات، بينما هناك تواصلات تجري من قبل المجلس الإسلامي -بحسب تصريحات بعض أعضائه- مع الجانب التركي والمسؤولين الأتراك فيما يخص الأزمة الراهنة التي يمر بها السوريون المقيمون في تركيا، وقد تم تجنب وسائل الإعلام عمدا أملاً في إثمار الجهود في هذا المنحى”.
وختم بأن المجلس الإسلامي السوري هو جهة توجيهية إرشادية ثورية معنية بكل ما يدور في المجتمع السوري سواء في الداخل أو في تجمعات السوريين في المهجر يكرّس جهوده في إبداء النظرة الشرعية إزاء كل النوازل والحوادث والمتغيرات التي تعتري الحالة السورية ولم يخرج البيان الذي يدور الحديث عنه عن مهام المجلس.
غابت الفتوى عن البيان
يُشار إلى أن الفتوى غابت عن بيان المجلس الإسلامي، حول ما إن كانت مشاهدة المسلسلات في رمضان حلال أم حرام، هل تبطل الصيام أم هي مجرد منكر من المنكرات؟، وبالتالي ابتعد المجلس عن مهمته الأولى، وهي تصدير الفتوى للناس.
وهناك توقع سائد، أن غياب الفتوى كان مقصوداً وليس تهرباً، حيث يريد المجلس الإسلامي إظهار أن المؤسسة الإسلامية ليست كهنوتية تُعنى بإطلاق الفتاوى وتعليم العبادات، والحض على التقوى.
ويؤكد البعض، أن الجميع على دراية بما تعانيه الدراما السورية سابقاً وحالياً، ولا ينكر أحد أنها أسيرة النظام وسياساته وأداة لتلويث التاريخ وزرع أفكار لا تخدم سوريا بقدر ما تخدم النظام الحاكم؛ لكن المجلس الإسلامي ينكر على السوريين حق مشاهدة الدراما والفن حتى وإن كانت لا تتماهى مع النظام، مستنكرين تدخل المجلس في مواضيع متعددة، وأنه لا يدع حادثة لها صداها إلا وأنزل فيها بياناً، فيخوض في السياسة والمجتمع والهوية والاقتصاد والعلاقات الدولية.
المجلس الإسلامي: لم نصدر فتوى
في رده على الجدل الذي حصل عقب صدور بيان المجلس الإسلامي السوري، أوضح المتحدث باسم المجلس مطيع البطين، أن ما أصدره المجلس ليس فتوى، بل بيان، والفتوى مختلفة كونها تتعلق بحكم شرعي، والبيان يتعلق بشأن عام، وتوضيح موقف، ويصدر للإرشاد والتوجيه.
وأفاد “البطين” في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأن المجلس بيّن موقفه وحذر من “أحابيل النظام” وخطورة تزييف التاريخ، وهذا بعيد كل البعد عن الوصاية، إنما قيام بالدور والواجب المنوط بأهل العلم والدعوة والفكر، مضيفاً: “إذا سكت أهل العلم، يجب أن يُطرح سؤال، لماذا يسكتون؟ وليس أن يتم سؤالهم لماذا قاموا بالواجب؟”.
وعن توقيت البيان، ذكر المتحدث باسم المجلس الإسلامي أن المسلسلات تُعرض في شهر رمضان، ولذلك صدر البيان الآن، والأصل أن يكون البيان في وقت الحاجة.
لماذا يصمت المجلس عن أحداث معينة؟
اتهم سوريون المجلس الإسلامي بالصمت عن أحداث ومواقف معينة تتعلق بهم، مثل حملات العنصرية في تركيا، لكن “البطين” أكد أن الحديث عن هذه المواضيع هو واجب أيضاً على المجلس الإسلامي، وهو مطالب بالدور الذي ينبغي أن يقوم به، مضيفاً أن المعترض يجب أن يراجع مواقف وبيانات المجلس بهذا الشأن، متسائلاً: “لو لم يكن هذا هو دور المجلس، ما دوره إذاً؟”.
ولفت إلى أن المجلس أصدر حتى الآن 255 بياناً، تتعلق بمواضيع مختلفة، خاصة عن حاجات السوريين وآلامهم ومعاناتهم، والقضايا الاستراتيجية مثل هوية البلد، فضلاً عمّا يخص جرائم النظام وقضايا المعتقلين والمهجرين والمخيمات والتعليم والأيتام.
وتشكل المجلس الإسلامي السوري في شهر نيسان 2014، ويضم 40 رابطة وهيئة شرعية، وفي أواخر العام الماضي، أعلن المجلس عن انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية، ويرى مراقبون أن المجلس لم يستثمر جيداً في القبول الشعبي الواسع لقرار تعيين الشيخ الرفاعي مفتياً عاماً، وذلك عبر إلغاء المجلس الإسلامي، والإبقاء على منصب المفتي ودعمه.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا