أمين العاصي
تشي التطورات الميدانية المتلاحقة في شمال سورية بأن الأوضاع تتجه إلى تصعيد عسكري بين الجيش التركي وفصائل المعارضة المرتبطة به، وبين “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي يُعتقد أنها وراء القصف الذي استهدف عربة عسكرية تركية، أول من أمس الجمعة.
وكشفت وزارة الدفاع التركية مساء الجمعة، أن ضابطاً في جهاز الشرطة قُتل في المنطقة التي تسمى “درع الفرات” بريف حلب، من دون ذكر تفاصيل إضافية. فيما أكّدت مصادر لـ”العربي الجديد” أن الضابط قُتل بقصف مدفعي نفذته “قسد” على مدرعة تركية قرب بلدة مارع، بريف حلب الشمالي، ما أدى أيضاً إلى إصابة ستة عناصر آخرين.
وأوضحت المصادر أن العناصر الأتراك نقلوا إلى مستشفى مدينة كيليس، جنوبي تركيا لتلقي العلاج، قبل أن يفارق الضابط الحياة بعد محاولات حثيثة لإنعاشه.
من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان أمس “تحييد ما لا يقل عن 50 إرهابياً من تنظيم العمال الكردستاني، رداً على استشهاد شرطي في منطقة عملية درع الفرات شمالي حلب”.
لكن مدير المركز الإعلامي لـ”قسد”، فرهاد شامي، نفى على حسابه في “تويتر”، مسؤولية قواته عن القصف الذي استهدف المدرعة التركية الجمعة. وقال: “ليست لدينا معلومات بخصوص عدد قتلى وجرحى العملية التي استهدفت مدرعة للاحتلال التركي في مدينة مارع السورية، كما لا نملك معلومات عن الجهة الفاعلة”.
من جهته، اعتبر القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، في تغريدة له أمس السبت، استهداف تركيا لمدينة عين العرب “وقصف السكان الأبرياء وقتل الشخصيات الإدارية بطائرات مسيّرة استفزازات تهدد الأمن والسلام وتعيق العمليات المناهضة لتنظيم داعش”.
أحداث سابقة بين الأتراك و”قسد”
وتشير المعطيات إلى أن هذا الاستهداف جاء رداً على هجمات تركية بطيران مسيّر خلال الشهر الحالي، أدت إلى مقتل عدة قياديين في “قسد”. وأكدت “وحدات حماية المرأة” التابعة لـ”قسد”، مقتل ثلاثة عناصر في صفوفها بقصف لطيران مسيّر تركي استهدف سيارة كانت تقلهن قرب مدينة عين العرب، بريف حلب الشمالي الشرقي، الأربعاء الماضي.
ومن بين القتيلات القيادية رودين عبد القادر محمد، واسمها الحركي “روناهي كوباني”، وكانت تشغل رئيسة هيئة الدفاع في “الإدارة الذاتية” في عين العرب.
كما أعلنت قوى الأمن الداخلي “الأسايش” منذ أيام، عن تعرّض مجمّع عسكري يتبع لها، لغارة من طائرة تركية مسيّرة في مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من سورية، أسفرت عن إصابة عدد من عناصرها.
وكان قد قُتل مسؤول الأنفاق في “قسد” في 9 إبريل/نيسان الحالي بقصف من طائرة تركية مسيّرة استهدف موقعاً عسكرياً بالقرب من قرية القنيطرة، غربي بلدة الدرباسية في محافظة الحسكة على الحدود السورية – التركية.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه أحصى 9 هجمات تركية بطائرات مسيّرة ضد أهداف في الشمال السوري خلال الشهر الحالي، أدت إلى مقتل 9 عسكريين وإصابة 17 عنصراً، مشيراً إلى أن الجيش التركي شنّ 24 هجوماً بطائرات مسيّرة خلال العام الحالي على مناطق تقع تحت سيطرة قوات “قسد”.
وأكد المتحدث باسم “الجيش الوطني” السوري الذي يضم فصائل المعارضة في شمال سورية، الرائد يوسف حمود، أن الهجوم الذي استهدف المدرعة التركية “جاء من خط الجبهة المقابل الذي توجد فيه مجموعات حزب الاتحاد الديمقراطي، المهيمن على قوات قسد من خلال ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية)”.
ولم يعزل حمود، في حديث مع “العربي الجديد”، التطورات في شمال سورية عما يجري في شمال العراق، حيث أطلق الجيش التركي أخيراً عملية ضد حزب العمال الكردستاني، مضيفاً: هذا يفسر الاستهداف الذي جرى ضد مدرعة تركية على جبهة مارع شمال حلب.
كما أشار إلى أن الهجمات التركية بطائرات مسيرة والتي “تستهدف غرف العمليات وقياديين في الاتحاد الديمقراطي، وهو الشق السوري لحزب العمال الكردستاني، هي التي تدفع هذا الحزب لاستغلال أي فرصة للرد”، مضيفاً: “ليس هناك تصعيد في ريف حلب الشمالي. ما يجري يحدث باستمرار”.
انطلاق “حرب المسيّرات” العام الماضي
وكان الجيش التركي قد بدأ العام الماضي “حرب مسيّرات” ضد “قسد” في شمال سورية لـ”تحييد” أكبر عدد من قياديي هذه القوات خصوصاً المنتمين لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة مصدر قلق وتهديد للأمن القومي التركي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الجيش التركي لهجمات في ريف حلب الشمالي تفضي إلى مقتل وإصابة جنود، إذ تعرض لعدة هجمات خلال العام الماضي، أدت إلى مقتل عدد من جنوده.
وتنتشر وحدات من الجيش التركي في منطقة “درع الفرات” في ريف حلب الشمالي منذ عام 2016، وله قاعدة كبيرة في جبل الشيخ عقيل قرب مدينة الباب.
وسبق للجيش التركي أن شنّ عمليتين عسكريتين ضد “قسد”، الأولى في غرب الفرات في مطلع عام 2018، دافعاً “قسد” إلى مغادرة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، باتجاه تل رفعت.
أما العملية الثانية، فشنّها في أواخر عام 2019 في شرق الفرات، مُبعداً “قسد” عن شريط حدودي بين تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي بطول 100 كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً.
وبيّن المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن العمليات العسكرية التركية في شمال سورية والعراق ضد حزب العمال الكردستاني “اعتيادية للجيش التركي مع بداية فصل الربيع للقضاء على وحدات إرهابية”.
وأضاف: حزب العمال ونسخته السورية (الاتحاد الديمقراطي) هدف طبيعي للجيش التركي الذي يستبق أي عملية لهذه التنظيمات الإرهابية ويضربها في أماكن تمركزها.
وأشار إلى أن الجيش التركي “يستخدم المسيّرات لقصف هذه التنظيمات بدقة أكثر”، مضيفاً: القواعد التركية المؤقتة في شمال سورية والعراق جعلت الهجمات ضد هذه التنظيمات دقيقة أكثر من عمليات سابقة.
المصدر: العربي الجديد