عدنان عبد الرزاق
زاد حجم الفساد الذي يمارسه تجار الحرب المرتبطون بنظام بشار الأسد بشكل هائل، خلال الفترة الأخيرة، إذ كشفت مصادر لـ”العربي الجديد” عن تعميق أمراء الحرب لسيطرتهم على قطاعات الطاقة والمال والصناعة، كما يديرون شبكات التهريب واقتصاد الظل الأسود.
وفي حين تحتل سورية ولأعوام متتالية، المركز الأخير عربياً بمؤشرات الفساد، آخرها العام الماضي في المؤشر الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، لم يعترف نظام الأسد عام 2021 سوى بـ14 جريمة غسل أموال داخل البلاد، بحسب تصريح القاضي المالي التابع للنظام، فؤاد سكر.
وفي هذا السياق، يقدر الاقتصادي السوري أسامة القاضي، في حديثه لـ”العربي الجديد” حجم الفساد وغسل الأموال بسورية بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، إذ إن “تجارة النفط التي تتم مع “المنظمات الكردية” والخارج، لا تقل قيمتها عن 3 مليارات سنوياً، جلها غير مشروع وبأثمانٍ مرتفعة، يجني الفارق السعري لها تجار الحرب، كما لا تقل تجارة المواد الغذائية، والقمح والأرز والسكر، عن 4 مليارات دولار سنوياً”.
كما ينشط قطاع العقارات “الأسود” بسورية وبحجم كبير يتعدى مئات ملايين الدولارات سنوياً، خاصة بعد الاستيلاء على أموال المغتربين وسطو أمراء الحرب على العقارات والتحكم بسوق البناء، حتى المناطق الأثرية، ومنها محيط قلعة حلب والممتلكات العامة كشواطئ البحر، التي دخلت ضمن صفقات فساد العقارات، فضلاً عن الاستيلاء على طرق بأكملها، حسب القاضي.
ويضيف أن روسيا الاتحادية وبعض الدول الأوروبية، إضافة إلى الإمارات، أهم ملاذات الأموال الفاسدة في سورية، سواء لنظام الأسد “مباشرة” أو للمتعاملين معه أو الذين يشتغلون لحسابه.
وحسب القاضي، تتنامى ثروة النظام بالخارج، معتبراً أن ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية، مؤخراً عن ثروة بشار الأسد بين 1 و2 مليار دولار هو رقم هزيل وثروة الأسد أضعاف هذا الرقم.
وتختلف بنية طبقة تجار وأمراء الحرب بسورية، برأي الصناعي السوري، محمد طيب العلو، عن غيرها من الدول، لأن جميع مستغلي الشعب والمتلاعبين بأمنه وقوته، إنما يعملون برعاية النظام، وممنوع على أي تاجر أو صناعي أو حاجز على الطرقات، أن يخرج عمّا وصفه العلو بـ”شبكة الأسد”.
ويشير الصناعي السوري إلى أن تجار الحرب في مختلف القطاعات مرتبطون، بشكل مباشر أو عبر وسيط، مع يسار إبراهيم الذي وصفه برامي مخلوف المرحلة الراهنة، والذي يدير أموال وممتلكات “الأسد” عبر تعليمات وأوامر مباشرة من زوجة رئيس النظام “أسماء الأسد”.
ويضيف الصناعي السوري لـ”العربي الجديد” أن يسار إبراهيم أهلته أسماء منذ الاتفاق على إبعاد رامي مخلوف عام 2018، حين أسند له مهام مكتب “الشهداء” التابع لوزارة الدفاع ويفرض إتاوات على التجار والصناعيين، قبل أن يسوقوه ليتحكم بشركتي الاتصال “سيرتيل وام تي ان” ولاحقاً بشركة “وفا” العتيدة التي ستظهر كمشغل ثالث للخلوي بسورية “بديل رامي مخلوف” ومن ثم مديرا للمكتب المالي والاقتصادي في رئاسة الجمهورية.
وظهرت طبقة تجار الحرب بسورية، منذ بدأ نظام الأسد، عام 2012 فرض الحصار على المناطق الثائرة، بغوطة دمشق وداريا والزبداني، ما أفسح المجال لتمرير المواد الغذائية والخدمات، وحتى الأسلحة والمخدرات إلى المناطق المحاصرة، عبر متنفذين أو شركاء مع نظام الأسد، ضاعفوا الأسعار، وذلك قبل العقوبات العربية أو الدولية التي تم تطبيقها على سورية.
ويرى الاقتصادي السوري، محمود حسين، أن تجار الحرب بعد العقوبات الغربية، توسع عملهم عبر “إدخال السلع للمناطق المحاصرة وتهريب السيارات إلى الخارج”، ليخترق نظام الأسد عبرهم، العقوبات الدولية، فيدخلون السلع والمنتجات من الخارج، ويتابعون عبر شركات منظمة، جني الأرباح بالداخل.
ويضيف حسين لـ”العربي الجديد” أن قطاع الفساد الذي يديره ويشرف عليه نظام بشار الأسد، مقسم حسب المدن والقطاعات، فقطاع الصيرفة على سبيل المثال، من أهم مصادر الربح، بعد أن ألزمت الحكومة التجار، تصريف عائدات التصدير والاستيراد عبر الشركات المرخصة المرتبطة بها، وأغلقت كبريا الشركات التي خرجت عن عصابات النظام الاقتصادية.
وحول القطاعات والأسماء بالمدن، يقول حسين: “أجرينا دراسة أخيراً حول تجار الحرب” وصلنا من خلالها إلى أهم الأسماء “كلهم يتبعون ليسار إبراهيم وينسقون عملهم مع المكتب الاقتصادي بالقصر الرئاسي” فهناك تجار حرب لقطاع العقارات، مثل وسيم قطان وعامر خيتي وحسام القاطرجي وفارس جنيدان وحسين يازجي وهؤلاء يتعدى عملهم العبث بالتخطيط العقاري والتنسيق مع النظام للاستيلاء على ممتلكات المعارضين والتلاعب بعرض وأسعار المواد الأولية “إسمنت، حديد” بل ينسق النظام عبرهم مع شركات خارجية لمنح تجمعات سكنية وأبراج وربما لاحقاً عقود إعادة الإعمار.
يرى الاقتصادي السوري، محمود حسين، أن تجار الحرب بعد العقوبات الغربية، توسع عملهم عبر “إدخال السلع للمناطق المحاصرة وتهريب السيارات إلى الخارج”
وكذلك بالنسبة لبقية القطاعات، التي يأتي بمقدمتها، الغذاء الذي تقوده أسماء كبيرة تعمل بالتنسيق مع النظام، مثل لبيب الإخوان رئيس غرفة صناعة وتجارة حمص، وعصام أنبوبا وطريف الأخرس اللذيّن يتحكمان بقطاعات الزيوت والسكر واستيراد الحبوب، ومازن حماد رئيس غرفة تجارة وصناعة طرطوس إلى جانب عمران شعبان بالمدينة نفسها، ومن حلب إضافة للأخوة قاطرجي “حسام وبراء ومحمد آغا ” يوجد سامر أوبري وحمود بري وآل الشويحنة.
وحول قطاع النفط، يضيف حسين أن الأخوة قاطرجي هم “أمراء القطاع” بالتنسيق المباشر مع النظام، وخاصة ما يخص الاستجرار من “المليشيات الكردية” المسيطرة على الآبار، شمال شرق سورية، وبالسابق مع تنظيم “داعش”.
ولا يقل قطاع المنافذ الحدودية والمعابر أهمية، سواء بين النظام والمعارضة أو بين النظام و”قوات سورية الديمقراطية” التي تسيطر على شمال شرق سورية، لأنه “دجاجة تبيض ذهباً” بحسب المفتش المالي السابق، إبراهيم محمد.
وحول أهم أسماء أمراء الحرب بهذا القطاع، يشير محمد إلى أن “أبو علي خضر” هو رأس هرم فساد هذا القطاع، إلى جانب “حواجز الغوار” التابعة للفرقة الرابعة العسكرية، كما لا تخلو مناطق المعارضة من تجار الحرب.
المصدر: العربي الجديد