هبة محمد
استعرضت «القدس العربي» نصوص العفو الذي أصدره رأس النظام السوري، قبل أيام، تحت الرقم 7 لعام 2022 القاضي بمنح عفو عام عن «الجرائم الإرهابية» المرتكبة قبل تاريخ 30/4/2022 على حقوقيين ومختصين بالقانون السوري.
وتبين وفق الخبراء، أن المرسوم التشريعي، نسخة طبق الأصل لقوانين العفو السابقة التي أصدرها النظام، والتي تشمل الجرائم نفسها وتستثني الجرائم نفسها، وهو ما أثار جملة من الاستفسارات، تكشف الإجابة عليها أهداف النظام من وراء إصدار المرسوم، مع الأخذ بعين الاعتبار توقيت إصداره الذي تزامن مع نشر تقرير عن مجزرة حي التضامن.
وقال الخبير القانوني السوري المحامي عبد الناصر حوشان، في حديث مع «القدس العربي» إن هدف النظام السوري «الخبيث» من إصدار المرسوم، في هذا التوقيت بالذات هو لتغطية الضجة الكبير التي أحدثتها مجزرة التضامن، والتي تعتبر جريمة حرب تم تصويرها لحظة ارتكابها على يد أحد المتنفذين لدى النظام السوري المعروفين بسوء صيتهم.
ودلل على ذلك بـ»تعثر محكمة الإرهاب في عملها، فهي ليس لديها معلومات بموضوع المرسوم، بدليل البطء الواضح في تنفيذ عمليات تشميل الجرائم وإطلاق سراح المعتقلين، فقد كنا سابقاً باليوم الواحد نشمل كل المعتقلين الموجودين في المحكمة، أي أنه في غضون 24 ساعة كان يتم تشميل 90 في المئة من الملفات بالمحكمة في سوريا، أما في الحالة التي أمامنا، فإنه بعد 6 أيام من صدور القانون، لم يتجاوز عدد المفرج عنهم حتى اليوم 277 شخصاً، وهذا يدل على أن الأمر لم يكن مدروساً ولم يكن مهيأ، بالطريقة المعروفة لدينا، لا على مستوى أعداد المعتقلين ولا نوعية الجرائم التي تشمل، ولا حتى الدراسة القانونية التي يفترض أن تكون معدة سابقاً، وهذا يدل قطعياً على أن القانون صدر للتغطية على مجزرة التضامن».
مقاربة خاطئة
واعتبر الخبير القانوني أن التعاطي مع القانون رقم 7 على أنه قانون عفو عام «مقاربة خاطئة ومغالطة لا يجوز تمريرها» عازياً السبب إلى أن هذا القانون ليس عفواً عاماً أبداً «فقد وقع منا الكثير في خطأ قانوني عندما أطلقوا عليه، أو تماهوا مع النظام بأنه قانون عفو عام، وهذا غير صحيح فقوانين العفو العام تكون شاملة وتكون مفصّلة، بينما القانون رقم 7 جاء بصيغة العموم ولم يفصِّل الجرائم والمواد المشمولة به، وإنما اكتفى بعبارة جرائم الإرهاب المنصوص عنها في قانون الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وقانون العقوبات العام». وأضاف «بعد دراستنا للنصوص وجدنا أنه يشمل 6 جرائم من أصل 8 المنصوص عنها بقانون الإرهاب رقم 19، الأمر الذي ينفي صفة العموم عنه ويجعله قانوناً محدّداً» وفق قوله.
وأضاف: إذا كان مازال هناك معتقلون بجرائم مشمولة في هذا القانون فهذا يعني أن المراسيم السابقة لم تُنفّذ ولم تشملهم بسبب تلاعب قضاة النيابة وأجهزة المخابرات المكلفة بتطبيقه عبر تغيير الوصف القانوني أو المادة القانونية، وإن كان حقّاً أن المراسيم السابقة شملت المعتقلين على خلفية تلك «الجرائم» فهذا يعني أنه من المفترض ألّا يبقى معتقل ليشمله هذا القانون ويعني وجوب إطلاق سرحهم وهذا لم يحصل مطلقاً، ويبقى مفعول هذا العفو سارياً على الجرائم المرتكبة في الفترة ما بين آخر عفو وهو القانون رقم 6 لعام 2022 وبين تاريخ نفاذ هذا العفو.
فخ خطير
واعتبر حوشان أن النظام السوري، يدعي بأن المرسوم سيسقط العقوبة بشكل كامل عن أصحابها دون مراجعتهم لأي مكان، مشيراً إلى أن ذلك «فخّ خطير سيؤدي الى تورّط الكثيرين ممن يظنون أنهم مشمولون بالعفو، بالعودة ليتبيّن عكس ذلك ويتم زجّهم في زنازين النظام».
وقال: النصوص القانونية المتعلقة بجرائم الإرهاب المنصوص عنها في القانون العقوبات العام تم إلغاؤها بنص المادة «14» من قانون الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وأحال القضايا المنظورة به أمام المحاكم العادية إلى محاكم الإرهاب وذلك بموجب نص المادة «8» من قانون تشكيل محكمة الإرهاب رقم « 22 « لعام 2012 ورغم ذلك ضمّنها قانون العفو. وهذا الإجمال في الألفاظ يعطي النظام ومخابراته وقضاته إمكانية التحايل والتلاعب بملفات المعتقلين، وهنا لا بد من التفصيل التالي حتى يمكن فهم سبب إطلاق سراح بعض المعتقلين الذين مضى على اعتقالهم أكثر من 10 سنوات، وهو أن هناك معتقلين تم ملاحقتهم وفق المواد « 304 إلى 306 « من قانون العقوبات العام الملغاة وهم المعتقلين منذ بداية الثورة حتى تاريخ نفاذ قانون الإرهاب رقم « 19 « أي حتى تاريخ / 2 / 7 /2012.
حكمان قانونيان
وهؤلاء ينطبق عليهم حكمان قانونيان: – الأول: تطبيق قانون العقوبات العام وهو يشمل من صدر بحقهم احكام قضائية قطعية ومبرمة فقط وهؤلاء من شملتهم قوانين العفو السابقة وهذا القانون الأخير حيث تم تخفيض مدد عقوباتهم من المؤبد إلى « 10 « أو « 15 « سنة وهذا يعني أن أغلبهم خرج بسبب انقضاء مدة محكومياتهم.
– الثاني : أما الفئة الأخرى منهم فيطبق عليهم قانون الإرهاب وتنتقل ملفاتهم إلى محاكم الإرهاب وهم الذين لم تجرِ محاكمتهم أو التي جرت ولم تنتهِ إلى أحكام قطعية فيطبق عليهم قانون الإرهاب رقم « 19 « ، وحيث أن هناك استثناء كل جريمة من جرائم الإرهاب أدت إلى قتل شخص الأمر الذي يفسّر أعداد المُفرج عنهم والتي تبين من خلال رصدها أنها تشمل معتقلين على خلفية عمليات التسويات وأن أغلبهم اعتقلوا قبل 4 أو 5 سنوات بينما الأعداد التي تكاد تكون محدودة هي لمعتقلين مضى على اعتقالهم أكثر من ذلك و التي كما نوهنا أنها غالباً لأشخاص انتهت مدة محكوميتهم تقريباً.
ذر الرماد في العيون
وحول الرأي القانوني بهذا العفو، أبدى الخبير الحقوقي اعتقاده بأن ما يجري «لا يعدو أن يكون مجرد كذبة من أكاذيب النظام ومحاولة من محاولاته لذر الرماد في العيون الأمر الذي يقتضي منا جميعا الوقوف في وجهه والتصدي لها وإفشالها وعدم التماهي معه ومع شبيحته، فهذه المهزلة لا تصلح لأن تكون بادرة حسن نية للمعارضة حتى لو أرادها النظام أو قبلتها المعارضة أو المجتمع الدولي، ولا تصلح لأن تكون بادرة من بوادر المصالحة الوطنية وإنما هي جريمة كبرى لأنها خديعة كبرى وفخ خطير يستهدف السوريين، لاسيما أن هناك مئات الآلاف منهم مازال مطلوباً بموجب مذكرات بحث من قبل أجهزة المخابرات التي لا تطالها يد القضاء أو قوانين العفو مما يجعل الملاحقات الأمنية قائمة ويعطي هذه الأجهزة إمكانية الاعتقال والتعذيب وانتزاع اعترافات بجرائم لا تشملها قوانين العفو».
وقال «لا يمكن أو لا يجوز تمرير أي مقاربة تؤدي إلى تكريس هدف النظام من هذه المهزلة وتفسيرها أو تأويلها على غير حقيقتها، وعلينا ألّا ننسى أيضاً أن كثيراً من السوريين ملاحقون أو محكوم عليهم غيابياً بالملفات نفسها بناءً على اعترافات كثير من رفاقهم أو إخوانهم أو أصدقائهم أو أقاربهم الذين ما زالوا معتقلين بجرائم غير مشمولة بقوانين العفو السابقة ولا بالعفو الحالي وهذا يعني أن مصيرهم الحتمي هو الاعتقال والزجّ بهم إلى جانبهم لا سيما أن الأحكام الغيابية الصادرة عن محاكم الإرهاب غير قابلة لإعادة المحاكمة إلا بتسليم النفس طواعية وفق المادة « 6 « من قانون تشكيل محاكم الإرهاب رقم « 22 « لعام 2012».
وحول التهم الموجهة للمفرج عنهم، ومدة اعتقالهم قال حوشان لـ «القدس العربي» أن أعداد المفرج عنهم لم تتجاوز الـ 277 حتى هذه اللحظة وغالبيتهم العظمى من معتقلي التسويات أي ممن تم اعتقالهم في الفترة ما بين عام 2017 حتى هذا العام، ومنهم محكومون بجرائم جنائية عادية.
وحذّر المحامي من أن سفارة النظام اشترطت على كل سوري غادر القطر بصورة غير شرعية إجراء تسوية أمنية حتى يمكنه العودة الى سوريا وهذا ينطبق على أكثر من 99 في المئة من النازحين والمهجّرين في الدول المجاورة، مما يدلّ دلالة واضحة وقطعية على عدم جدّية العفو ويؤكد بأنه مجرد فخّ ومكيدة لهم، ولو كان العفو حقيقياً كما يروج له وزير العدل وأنه لا يحتاج الى مراجعة لأي جهة رسمية وان الجرائم تسقط بدون ذلك لما اشترط التسوية، وفق الخبير القانوني.
المصدر:«القدس العربي»