رياض الزين
تشكل الحالة الأمنية والاقتصادية المتردية في محافظات جنوب سوريا، (درعا والقنيطرة والسويداء) بيئة ملائمة لتعزيز حالة عدم الاستقرار، رغم تكرار التسويات وسحب السلاح المزعوم، وباتت المنطقة ساحة مراهنات بين الدول، وموضوعا لتفاهمات حتى لأمور خارج المنطقة وخارج سوريا.
ومنذ بداية اتفاق التسوية جنوب سوريا عام 2018 الناتج حينها عن تفاهمات روسية أميركية إسرائيلية، وقام على مبدأ إخلاء المنطقة من الوجود العسكري الإيراني وحزب الله، مقابل إعادة سيطرة النظام السوري على المنطقة الجنوبية برعاية روسية، ودفع طهران إلى القبول، لحاجتها في تلك الفترة إلى الفيتو الروسي لإبعاد المزيد من العقوبات عليها بسبب برنامجها النووي.
يقول أحد أعضاء لجان التفاوض في درعا لـ«الشرق الأوسط» والذي رفض الكشف عن اسمه الصريح لضرورات أمنية، إنه من الطبيعي التفكير بأن إيران التي دفعت القوة البشرية والمالية لمساندة النظام السوري في الحرب، لم تكن راضية ضمنياً عن الاتفاق الروسي مع الدول الإقليمية في الجنوب وترك تلك الساحة لتستفرد فيه روسيا وحدها، ولكنها كانت على المحك الروسي، وتظاهرت بالانسحاب أو انسحبت فعلاً من المنطقة في تلك الفترة لتعود إليها، عبر إضفاء تعديلات على استراتيجيتها وفق غياب العلنية واعتماد أساليب ناعمة لا تغضب روسيا، كوضع أذرع عسكرية لها داخل أجهزة النظام السوري نفسه، للتدخل في القرارات العسكرية في المنطقة الجنوبية، أو الانتشار تحت أي مظلة عسكرية سورية، والسير في نهج المنفعة والمصلحة مع أبناء المنطقة الذين وجدوا أنفسهم بعد اتفاقات التسوية تحت بند الملاحقات من الأجهزة الأمنية السورية، وهذا ما يفسر تكرار الجانب الروسي للتسويات في المنطقة، حتى لا تكون لشباب المنطقة ذريعة الانضمام أو تشكيل مجموعات موالية لإيران خوفاً من الملاحقات الأمنية.
ومع ذلك، استمرت إيران في هذا النهج ولعبت على وتر الوضع الاقتصادي المتردي في عموم سوريا وجنوبها، في ظل الفقر الذي يعيشه المجتمع السوري، واستغلال هذا الأمر لتجنيد مجموعات موالية لها بإغراءات مالية. وهناك مخاوف من استغلال الوضع الأمني وتجنيد شباب بميزات سلطوية وسيطرة وتسليح، خصوصاً أن سلطة مجموعات إيران وحزب الله نافذة في سوريا، والوضع الاقتصادي المتردي كان عاملاً في زيادة عمليات تهريب وترويج المخدرات، بالنظر إلى المردود المالي الذي يتحقق منها.
وتحاول إيران ووكلاؤها في المنطقة، استغلال أي حدث يسهل تموضعها جنوب سوريا بعيداً عن روسيا المنشغلة بالحرب الأوكرانية وبنقل جنودها من سوريا إلى أوكرانيا، فسعت الفرقة الرابعة، مؤخراً، لإعادة تشكيل مجموعات أو متطوعين لها جنوب سوريا من المطلوبين، أو الطامعين بالسلطة العسكرية. وبحسب تقرير نشره «تجمع أحرار حوران» فإن الفرقة الرابعة المدعومة من قبل إيران، عادت لتجنيد المزيد من أبناء المنطقة في صفوف قواتها، وأوعزت إلى قادة المجموعات من أبناء المنطقة بفتح باب الانتساب للمطلوبين للخدمة الإلزامية، بالإضافة للأسماء المدرجة على قوائم المطلوبين للأجهزة الأمنية. وإن الهدف من عملية التجنيد، إعادة نشاط الفرقة الرابعة إلى المنطقة، وإقامة مراكز تدريب فيها، ما يعني أن المكتب الأمني للفرقة، سيعود للعمل بقوة على الأرض في المنطقة، بحسب التجمع.
أما ردود الفعل الروسية على التوجه الإيراني في المنطقة، فبدأت مؤخراً، بتسيير دوريات من الشرطة العسكرية الروسية في حوض اليرموك والشريط الحدودي مع الأردن، برفقة عناصر محلية من المتطوعين مع الأمن العسكري واللواء الثامن في الفيلق الخامس. وقد أعطت خلال جولاتها، تطمينات للأهالي بأنها مستمرة بالبقاء في المنطقة، وتعليمات لقوات حرس الحدود بمكافحة عمليات التهريب والمهربين، كما طالب الجانب الروسي، بجمع أسماء الأشخاص الذين ما زالوا مطلوبين ولم تسقط عنهم المطالب الأمنية، وإجراء تسويات جديدة لهم.
كما قدم عناصر تلك الدوريات الروسية، المساعدات الإنسانية لبعض المناطق في بصرى الشام وبلدة ذيبين جنوب السويداء، وأجروا جولة داخل معبر نصيب الحدودي مع الأردن. وعقد اجتماع في مدينة بصرى الشام مع قيادات في اللواء الثامن الذي شكلته القوات الروسية مع بداية التسويات عام 2018، من فصائل كانت معارضة واحتفظت بسلاحها وعناصرها مقابل ضمها لتشكيل تشرف عليه روسيا.
ويقول ناشطون في درعا، إن هناك مجموعات تنتشر في المحافظة من فصائل كانت معارضة وباتت تعمل لصالح المشروع الروسي، مثل اللواء الثامن في بصرى الشام وبعض قرى ريف درعا الشرقي والغربي، أو منهم مجموعات انضمت للعمل مع الأمن العسكري التابع للنظام السوري، وكلها طرحتها روسيا بدائل عن التقديمات الإيرانية لكسب شباب المنطقة، غير أن غياب الجانب الروسي عن الأحداث الجنوبية بدا واضحاً قبل عام، منذ بدأ النظام السوري اقتحام درعا البلد في يونيو (حزيران) عام 2021، وإجراء تسويات جديدة للمناطق التي طبق فيها اتفاق التسوية عام 2018. وبعد التسويات الثانية، لم يعد الدور الروسي جنوب سوريا كما كان، حتى أنها قلصت من صلاحيات فصائل التسويات التي شكلتها روسيا، وحيدت دورها عن الأحداث التي تشهدها المنطقة، بعد أن كانت في بداية اتفاق التسوية تسمح لها بالتدخل ضد رغبة قوات النظام السوري في تلك المناطق. وكان هذا الغياب الروسي، فرصة لإيران ووكلائها للبحث عن تموضع جديد لها في المنطقة.
المصدر: الشرق الأوسط