سمير صالحة
تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو في طريقه إلى جدة في أواخر شهر نيسان المنصرم عن مؤشرات جديدة في العلاقات التركية السعودية باتجاه ترجمة الإرادة المشتركة لبدء مرحلة أخرى من التعاون بين دولتين شقيقتين. وقناعتنا في مطلع أيار المنصرم تحت عنوان ” أنقرة – الرياض: صباح اليوم التالي” كانت باتجاه أن “الابتسامة الساحرة تحتاج إلى بعض الوقت المصحوب بترجمات عملية لبعض المواقف والسياسات الخلافية التي ما زالت قائمة حتى اليوم. هناك ضرورات ومتطلبات وتحولات لا يمكن تجاهلها أو إغفالها”.
في اليوم التالي لعودة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، طالعتنا وسائل الإعلام التركية والعربية بجملة من الأخبار:
– مسؤول سعودي بارز يقول لمجموعة من رجال الأعمال الأتراك والسعوديين في أنقرة، إن السعودية رفعت الحظر غير الرسمي المفروض على الصادرات التركية.
– وزير التجارة السعودي ماجد بن عبد الله القصبي يقول “دعونا نجتمع ونبدأ من جديد”.
– صحيفة “صباح” التركية كشفت النقاب عن عروض قدمها الجانب السعودي بهدف تعزيز التعاون التجاري، وهي القيام باستثمارات مشتركة في دول ثالثة، وإنشاء معرض تركي دائم في السعودية، ومشاركة شركات تركية في مشاريع البنى التحتية في المملكة. الصحيفة تتحدث عن تنسيق وتعاون واستثمارات بقيمة 3.3 تريليون دولار.
– الإعلام التركي يردد أن البضائع التركية ستدخل السعودية من دون انتظار في الجمارك. وسيتم إصدار تأشيرات العمل والتجارة على الفور. مع انتهاء معضلة مشاركة الشركات التركية في المناقصات السعودية.
– وفي اليوم التالي لمغادرة ولي العهد السعودي وصل أمير قطر إلى القاهرة بشكل مفاجئ كما وصل إلى أنقرة وفي زيارة خاطفة لساعات فقط وزير الخارجية الإسرائيلي لائير لابيد.
الملفات الإقليمية الساخنة وزيارة بايدن إلى المنطقة وسياسة إيران الإقليمية على ضوء التقارب الحاصل بين أنقرة والعديد من الدول العربية والأزمة الأوكرانية وارتداداتها السياسية والاقتصادية والأمنية التي بدأت تظهر إلى العلن في المنطقة هي محور الكثير من التحركات التي نرصدها جميعا.
” أنقرة – الرياض صباح اليوم التالي” بنسختها الأولى نشرت في مطلع شهر أيار المنصرم وبعد عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من زيارة المملكة العربية السعودية على رأس وفد سياسي وأمني واقتصادي رفيع واجتماعه في جدة بالعاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
يتحدث البعض عن صفقة مسيرات تركية للسعودية وتنسيق صناعي عسكري. هذا بين الاحتمالات طبعا لكن أهداف التقارب والتعاون التركي السعودي ستكون أبعد وأهم من ذلك بكثير. مضمون البيان الختامي التركي السعودي بعد زيارة ولي العهد الأمير بن سلمان إلى أنقرة والتركيز على مواصلة التعاون على أساس الأخوة التاريخية لخدمة المصالح المشتركة للبلدين والشعبين ومصالح المنطقة أهم بكثير من صفقات عسكرية ومالية ثنائية في هذه المرحلة.
الحوار التركي السعودي سبقه وواكبه تفاهمات تركية إماراتية. حوار تركي مصري. تقارب تركي إسرائيلي. توتر تركي إيراني في ملفات ثنائية وإقليمية عديدة. كيف سيكون شكل ردود فعل المنزعجين من التقارب التركي السعودي وأين ستكون عملية الرد؟ هل من علاقة بين التقارب التركي السعودي وبين ما ذكر حول تقارب يتقدم بين حماس والنظام في دمشق؟ وبين التقارب التركي السعودي بشقه الإقليمي المحتمل وبين التصعيد التركي الإسرائيلي الأخير ضد إيران وتحركات خلاياها في الداخل التركي؟ هل من علاقة بين الزيارة وبين ما بدأنا نقرؤه ونسمعه حول التحضير لولادة منظومة إقليمية جديدة تثبت انتهاء مشروع ثورات الربيع العربي؟
بين أهداف حزب العدالة والتنمية في تركيا، تجيير لعبة التوازنات الإقليمية الجديدة لصالح إخراج البلاد بأسرع ما يكون من أزماتها الاقتصادية والماليّة وتحويل استراتيجيات المصالحة مع الإقليم إلى فرصة لإبقاء الحزب على رأس هرم القيادة وهو في الطريق إلى انتخابات برلمانية ورئاسية بعد عام. استطلاعات الرأي في الداخل التركي تجلس تكتل المعارضة على رأس الحكم في المرحلة المقبلة، لكن العقبة أمام ذلك ستبقى تجارب الائتلافات الحكومية التي عانت منها تركيا لعقود ولا تريد العودة إليها وهي فرصة ذهبية بيد أردوغان وحزبه لن يفرط بها.
تريد تركيا أن ترسم سياستها العربية والإقليمية الجديدة على ضوء المتغيرات المرتقبة في ملفات استراتيجية عديدة يتقدمها الملف النووي الإيراني وسياسة طهران في الإقليم والتقارب الأخير بين تل أبيب والعديد من العواصم العربية والانفتاح التركي الإسرائيلي الجديد. لكن العقبات ما زالت كثيرة وأهمها التباعد التركي المصري الذي لم ينته بعد رغم العديد من الاتصالات والاجتماعات السياسية والأمنية.
في الحوار التركي السعودي الأخير كانت إيران غائبة عن المشهد في العلن وفي البيانات الرسمية المشتركة. لكنها كانت حاضرة بقوة في المؤتمر الصحفي المشترك بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الإسرائيلي لابيد خلال زيارة الأخير لأنقرة بعد ظهر الخميس المنصرم رغم كل همومه ومشكلاته السياسية والحزبية والحكومية في الداخل الإسرائيلي.
التحسن في العلاقات التركية السعودية سينعكس بشكل إيجابي على ملفات توتر وخلاف إقليمية عربية تركية متداخلة تجاوزت شؤون المنطقة وأزماتها في سوريا والعراق وشرق المتوسط، بل ما وصل منها إلى السواحل الأفريقية في ليبيا والسودان والصومال وأثيوبيا. والتردد المصري حيال أنقرة قد يكون سببه أكثر من موضوع الإخوان وفضائياتهم ومصير قياداتهم المتبقية في تركيا وتجنيس بعضهم، بل حصول انفراج حقيقي في هذه الملفات الإقليمية الاستراتيجية التي تعني القاهرة بشكل مباشر.
يحضر بايدن إلى المنطقة لكنه لا يعرج على أنقرة. يريد مصالحة العديد من العواصم العربية والخليجية والإصغاء إلى ما تقوله وتريده إسرائيل، لكنه سيتجاهل وهو يعبر الأجواء التركية ربما الهبوط في أنقرة ولو لساعات. الكثير من العواصم العربية والإقليمية لم تقلد الرئيس الأميركي في سياسته التركية التي هدد الحزب الحاكم فيها بأنه سيسقطه.
زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة تتحول يوما بعد آخر ومن دون علمه كما يبدو إلى فرصة إضافية لتنقية الأجواء بين عواصم ودول الإقليم قبل وصوله. دول المنطقة تريد أن تكون هي من يتحدث أكثر هذه المرة بحضور الرئيس بايدن وهو الذي عليه أن يصغي لأن واشنطن هي من يتحمل قبل غيرها مسؤولية إيصال العديد من الملفات إلى طريق مسدود سهل لإيران أن تتحرك كما تشاء. عامل الرئيس الأميركي وسياساته الإقليمية وتصريحاته حول رؤية إدارته في التعامل مع عديد من الملفات الإقليمية وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني وسياسة طهران الإقليمية وانعكاسات الحرب في أوكرانيا على دول المنطقة. بايدن الذي يستعد لزيارة المنطقة لحمل الكثير من المطالب والاقتراحات سيجد أمامه مواقف عربية وإقليمية تصدمه أكثر مما قد ترضيه. هناك استعدادات عربية وتركية وإسرائيلية تعكسها الاتصالات والتحركات المكثفة في الآونة الاخيرة، وأزمة الغاز والغذاء المرتبطة بتطورات الحرب في أوكرانيا وارتداداتها على المنطقة هي في صلب كل هذا الحراك السياسي والدبلوماسي الإقليمي.
لا استغراب إذن سيناريو إقليمي قد يبرز في كل لحظة يذكر الإدارة الأميركية بتعهداتها والتزاماتها التي ينبغي أن تكون أبعد من هدف مشروع “الشرق الأوسط الجديد” أو “ناتو شرق أوسطي”، أو تتويج نهاية “ثورات الربيع العربي”. هناك قلق إقليمي حيال “الغموض الواضح” في سياسة أميركا الإيرانية وهو الذي يقوي طهران أكثر فأكثر ويدفعها نحو مواقف تصعيدية وعدوانية في ملفات سياسية وأمنية واقتصادية في المنطقة والرسالة هنا تعني واشنطن قبل غيرها.
من الصعب الحديث عن احتمال تحول الانفتاح التركي السعودي إلى تفاهم ثنائي على إنشاء محور اصطفاف إقليمي في مواجهة إيران وسياساتها ربما. لكن ما يجري سيتحول حتما إلى نواة لتكتل أوسع ولعبة توازنات جديدة في المنطقة باتجاه استقلالية قرارها وبناء هيكلية حماية مصالحها والدفاع عنها بهدف إبعاد إقحامها في نفق أزمات أمنية وسياسية واقتصادية لا فائدة لأحد فيها. وهي قد تجمع العديد من العواصم العربية وتركيا وإسرائيل أمام طاولة إقليمية واحدة.
عندما بدأنا طرح مطلب أن يواكب التقارب التركي السعودي مبادرة سياسية ننتظرها في أنقرة من الرياض بهذا الخصوص، همس أحدهم يتساءل ولماذا لا تقول إن القاهرة هي التي كانت تنتظر التقارب التركي السعودي لتفتح الطريق على وسعها أمام تقارب تركي مصري حقيقي وسريع؟ أمير قطر في القاهرة للمرة الأولى منذ سنوات. زيارة ولي العهد السعودي إلى أنقرة قد تكون مقدمة للطاولة الخماسية مع الإمارات ربما.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا