في تزامن قدري وبعيداً، لكن ليس كثيراً، عن نظرية المؤامرة، الملجأ العربي الوحيد في كل الزنقات الرسمية: القاهرة تغرق، نعم، تغرق، تغرق.. كما غرق عبد الحليم من أجل رسالة. كذلك غرق شعب مصر.. وبقي الريس جافاً.
ودمشق تغرق، تغرق، تغرق.. مثلما غرق نزار في سبيل رسالة حليم، ومثلما وقع لشعب سورية.. وبقي المعلم جافاً.
رسائل الاستغاثة بعثت من تحت الماء وفوقه، فيما تيارات الطين و المجاري تنادي الشعبين نحو الأعمق. ما سمع الصوتَ القادمَ من أعماق الطفح أحدٌ من المسؤولَيْنِ، فليس منهما من عنده تجربة في الغوص، أو عنده زورق !.
مشهد لم نره منذ سنين للعاصمتين السجينتين السجانتين. بل ربما لم نره ابداً، نحن الأجيال ذات الذاكرة السمكية. لكن، يبدو أننا سنراه كثيراً في القادم من الأيام. سيصبح منظر الغرق مألوفاً، مألوفاً جداً، و بنكهات مختلفة.
هل تعتقدون، أيها المبلولون، أن الأمر يتوقف هنا، عند البلل و الغرق؟. لا. فالمدينتان، و قيادتاهما، تتشاطران، منذ سنوات، ثنائيات قل أن تجود بها السخريتان، سخرية القدر و سخرية الناس.
في سياحة بانورامية للغوص في التاريخ الضحل جداً لسلطتي البلدين، سنكتشف توأمة غريبة، تصل حد القرصنة، في الطبيعة والفكر والمعالجة .. و في التعويم الفني، و التكرير الإعلامي، و التدوير المشيخي.
من سخرية القدر أن تصدى الفن، بصدري رغدة و إلهام العاريين، للمؤامرة الكون-إسلاموية على الزعيمين .. فخرجت الواحدة منهما فجأة من تحت طحالب الإهمال وفطور النسيان، كالعنقاء المستحيلة، لتخلع الغبار الذي تجمع فوق ذكراها الصدئة، وتتصدى لما يحاك ضد “قايدها” المسمسم، أبو عيون جريئة. لا يهمها شيء، لا الوطن ولا الشعب ولا الحرية. المهم أن واحدتهما أضحت جان دارك نظامها، ولتذهب مجسمات الجزيرة، و تمثيليات المجازر، و عواصف الغبار، و رابعة و ساحة الساعة، و الكيماوي و التاريخي و غيرها من المفتريات إلى الجحيم. و لا ضرورة لذكر باقي عراة الوجدان، فهم كثر على شطآن البجاحة.
وأدلى الإعلام بدلوه، ليزكم الأدمغة و الآذان بروائح العهر. مسوخ مصابة بخلل في مورثات الضمير، تتسافد كلماتها، وتتناسل أفكارها. تحتل يومياً المستطيل الفضي، ومساءاتنا، خوّة، لتفرد عليها بضاعتها “المعفشة”. يدوّرون المواقف والأحاديث والرسائل فيما بينهم، كتدوير الآلات للنفايات الصلبة.
لا فائدة من تغيير القنوات، فرائحتهم مقيمة، و ما تجاوزته قرفاً من حديث شادي يكمله لك حديث الحسيني، و ما قطعته مغصاً من شهادة رانية توصله لك شهادة كندة، فملة الرويبضة واحدة. المهم من كل هذرهم، يحيا المنقذ، يحيا المخلص، و ليمت من دونه، بالطريقة التي يهوى، غرقاً، برداً، لا يهم. ديمقراطية الاستبداد تتيح رفاهية انتقاء الميتة السائلة.
ولإتمام الصورة الثلاثية الأبعاد لثنائيات السقوط الرسمي، كان لا بد للمشيخات الدينية من دور يضفي القداسة على خساسة الأفعال و الضمائر. فكانت عمادة الانقلاب، و قبله إسراء الرئاسة. و بدا رجال الدين كممثلين هزليين على منصة إعدام شعب بأكمله، كي يبقى نعل الريس، أو المعلم، لا فرق، على قيد الرقاب، و يبقوا هم وجهه اللاهوتي الذي لا يتغير.
ولما فار التنور، وكبّت السماء سطولها على الأرضين الحزينتين، وهشيم الشعبين، كلحت الوجوه التي لا تتغير، وذاب كحل الابتسامات الكاذبة، و تطايرت اللحى، فصار مستحيلاً تمييز القس من الشيخ. و طافت القلنسوات و العمائم فما عاد أحد يعرف أيها لبطرس و من للحسون. بات كل شيء في المشهد يعبر عن المعنى الحرفي للحمة الوطنية، في أرطب حالاتها، بغض النظر عما علق بأثوابهم من مخلفات الشعب نتيجة لعبثية الطوفان.
ثم بلعت الأرض ماءها وأقلعت السماء، وانكشف المستور. فكان لزاماً، بعد هذا الفتق الرسمي، إيجاد الرقع المناسبة للرتق، عبر البحث بين سلة الأسباب المتاحة مسبقاً، لانتشال الأخرس الأعمى الأطرش من دركه حيث استقر. لا عليكم، فالمشجب جاهز: الإسلاميون الإرهابيون، الذين يريدون إيقاف عجلة التقدم التي يقودها الريس. كما يريدون إيقاف عجلة الانتصارات التي يقودها المعلم. هم من سدوا البلاعات في القاهرة، بشهادة العدول في كل مصر، ليغرقوها و يخرجوا الريس، الذي وعد ببناء شبكة لا تخترق خلال سنة، من كذا سنة، بمظهر الكاذب. و فلولهم هي من سدت المجاري في دمشق، ليمنعوا جنود الله المقدسين من مداهمة أتباعهم من حيث لا يتوقعون، و ستشهد على صدقية الكلام كل الأشلاء التي طفت على سطح هذا التمرد المائي الجبان.
وغيض الماء، واستوى الخسران على رؤوس الشعوب البائسة. لكن، ربنا يديم الرياسة والمعلمة، وقضي الأمر عند هذا الحد. المهم بقي الريس والمعلم بعيدين عن البلل، فهما، في النهاية المستهدفان من عملية إغراق المدينتين برمتها، وطفح المجارير.
وبعد هذا الفاصل المائي، ستدور العجلة بثوريها من جديد. بيوع الأرض مزدهرة، وتأجير الثروات الوطنية متواصل، والتنازل عن الكرامة لا يهم مادام في سبيل الرز، والبلدين بخير وبأيدي “أمينة”.
بناء عليه، مشروع العصر الاستراتيجي في سيناء قائم على ساق بهمة الريس. ومشروع الفوضى الخلاقة التكتيكي في الشام قائم على ساق أخرى بهمة المعلم. وبهذا الشكل يثبت المشروع الصهيوني في وقفته في المنطقة، كعملاق رودس، ويتحقق الحلم بثنائية الحدود المائية المرسومة على علم صهيون الكبرى، الممتدة من مجارير دمشق إلى مجاري القاهرة.
سري القدوة حزرت تقارير دولية من صعوبة الأوضاع التي يعيشها السكان في قطاع غزة وقالت عبر بيانات نشرت مؤخرا ان...
Read more