حسام المحمود
بحكم العلاقة الوثيقة بين النظام السوري وإيران، هذه العلاقة التي أخرجها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مقابلته مع “روسيا اليوم”، في حزيران الماضي، من قابلية مناقشتها، فلا بد من ارتدادات وانعكاسات لتطورات الاتفاق النووي المستقبلي، الذي تدور المفاوضات حوله حاليًا، على النظام السوري أيضًا.
شكّل ملف المشروع النووي الإيراني عامل قلق بالنسبة للدول الكبرى، ما دفع بإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، لعقد اتفاق نووي مع إيران، بالشراكة مع كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا.
وبموجب الاتفاق الموقّع في فيينا عام 2015، رُفعت العقوبات الاقتصادية عن طهران، مقابل تقييد نشاطها النووي، لكن دون أن تستمر الحال كذلك طويلًا، إذ أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في أيار من عام 2018، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية مشددة على طهران، باعتبار أن الاتفاقية كما يراها ترامب “بشعة، وأحادية الجانب، وما كان ينبغي أبدًا التوصل إليها”، وفق تعبيره.
من جانبها، ردت إيران بالانسحاب من التزاماتها النووية بموجب الاتفاق بشكل تدريجي، فاتحة بذلك باب مدّ وجذر سياسي حمل الملف النووي على أجندة ثلاث إدارات أمريكية تعاقبت عليه حتى 2022.
وخلال سنوات الثورة السورية، وقفت إيران إلى جانب النظام مستخدمة كل السبل السياسية والعسكرية والاقتصادية لإبقائه في السلطة، ورغم فشل الاتفاق النووي والعودة إلى مسلسل العقوبات الأمريكية على طهران، لا تزال الأخيرة تمد النظام السوري بتسهيلات مالية وقروض ذات فوائد ميسرة، تمنحها البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية في دولة ما، للعملاء في بلد آخر، تحت مسمى “الخط الائتماني”، الذي تصدّر محادثات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال زيارته الأخيرة إلى إيران في أيار الماضي.
النظام مستفيد؟
أمام الحراك السياسي المكثّف، وفشل مسار محادثات فيينا، أعلن المستشار الإعلامي للفريق النووي الإيراني، محمد مراندي، في 27 من حزيران الماضي، أن قطر ستستضيف المحادثات، بناء على اختيار إيران لقطر “لأنها صديقتنا”، وفق مراندي.
واختتمت جولة المحادثات غير المباشرة في قطر بين إيران والولايات المتحدة، التي استمرت ليومين أواخر نيسان الماضي، أعمالها بخيبة أمل أوروبية، عبّر عنها المنسق الأوروبي للمحادثات، إنريكي مورا، عبر “تويتر”، في 29 من حزيران الماضي، حين قال، “يومان مكثفان من المحادثات غير المباشرة في الدوحة. لسوء الحظ، التقدم الذي كان يأمله فريق الاتحاد الأوروبي كمنسق لم يحصل بعد”.
لكن ما الذي سيتغير في حال الاتفاق، بالنسبة لإيران أولًا، ثم لحليفها في دمشق ثانيًا بالضرورة؟
رئيس تحرير صحيفة “إشراق” السورية نصف الشهرية، الصحفي السوري المختص بالشأن الإيراني، أحمد مظهر سعدو، أكد في حديث لعنب بلدي، أن إنجاز الاتفاق في نهاية المطاف أمر لا بد منه، وأن المستفيد الأكبر من ذلك سيكون إيران، وكذلك الخط الائتماني الإيراني باتجاه دمشق، باعتبار أن خزينة النظام ليست بأفضل حالاتها اليوم، فإلغاء العقوبات يعني إلغاء تجميد أرصدة إيرانية ضخمة في البنوك الغربية.
وأضاف سعدو أن الحلحلة الاقتصادية ستترك آثارها النسبية على أوضاع حلفاء إيران بالمنطقة، ومنها ميليشيا “حزب الله” اللبناني، وكذلك النظام السوري بالضرورة.
وبالنظر إلى مدى إمكانية خلق تواصل قطري مع النظام السوري عبر البوابة الإيرانية القريبة من الجانبين، يرى سعدو أن حالة قطر التي ترحب بكونها أرضية لقاءات دولية ووسيطًا سياسيًا في نزاعات دولية، لن تدفعها لعلاقات طبيعية مع النظام السوري في الوقت الراهن، رغم قرب إيران من الجانبين، واختيارها قطر مسرحًا للمفاوضات على المشروع النووي.
أما المحلل السياسي العراقي الدكتور عمر عبد الستار، فلا يرى، في حديث إلى عنب بلدي، انعكاسات سريعة ومُرضية للنظام السوري جراء الاتفاق النووي المحتمل، باعتبار أن “الأسد وإيران، بالاتفاق أو من دونه، في وضع لا يسر”، ولفت عبد الستار إلى أن تحسين وضع النظام السوري ليس أولوية على الأقل منذ “الغزو” الروسي لأوكرانيا في شباط الماضي.
كما أشار إلى تركيز إيران المنصب على “الحرس الثوري”، ومحاولة إزلته عن لوائح العقوبات الأمريكية خلال الاتفاق، وهو أمر لا ترحب به إسرائيل مطلقًا، خاصة في ظل الحديث عن تحالف شرق أوسطي لمواجهة طهران، ما يعني أن هناك ما يشغل الإيرانيين أكثر من النظام السوري.
مراوحة دون جدوى
إيران المتمسكة بطموحاتها النووية رفعت، في تشرين الثاني 2020، تخصيب اليورانيوم إلى 20%، بعد تصديق البرلمان الإيراني على مشروع قانون للانسحاب من الاتفاق النووي ورفع نسبة التخصيب رسميًا.
وفي نيسان 2021، رفعت إيران نسبة التخصيب إلى 60%، وفق ما أعلنه مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، وكبير الوفد الإيراني المفاوض، سعيد عباس عراقجي.
ومن شأن التخصيب بنسبة 60% أن يجعل إيران قادرة على الانتقال بسرعة إلى نسبة 90% وأكثر، وهي المعدّلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية. ولطالما نفت إيران عزمها على حيازة السلاح النووي، متحدثة عن محظور أخلاقي وديني.
وجرى تخفيض مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 98% إلى 300 كيلوغرام، وهي كمية لا يجب تجاوزها حتى عام 2031، كما يجب الحفاظ على مستوى تخصيب المخزون بدرجة 3.67%، بحسب الاتفاق الذي لخّصته هيئة الإذاعة البريطانية (bbc).
وتمتلك إيران عددًا من المنشآت والمواقع النووية الداخلة في تنفيذ برنامجها النووي الطموح، منها مفاعل “أراك” لإنتاج الماء الثقيل، ومحطة “بوشهر” النووية، ومنجم “غاشين” لليورانيوم، ومحطة “أصفهان” لمعالجة اليورانيوم، ومنشأة “فوردو” لتخصيب اليورانيوم، وموقع “بارشين” العسكري، ومنشأة “نطنز” لتخصيب اليورانيوم.
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، رد، في آب 2021، على إعلان “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حول وضع طهران آلية جديدة لتسريع إنتاج اليورانيوم بأن برنامج بلاده والإجراءات النووية “مطابقة تمامًا” لمعاهدة حظر الانتشار النووي والتزاماتها في إطار اتفاقية الضمان، حسب وكالة “فارس” الإيرانية شبه الرسمية.
وفي 29 من تشرين الثاني 2021، استأنفت دول أوروبية المحادثات بهدف العودة للاتفاق النووي الإيراني، وفي سبيل ذلك، عُقدت ما لا يقل عن سبع جولات من المفاوضات، لكن دون التوصل إلى نتيجة، ليتصدّر الجمود المشهد مجددًا، لا سيما بعد إعلان الاتحاد الأوروبي الذي يتولى تنسيق المباحثات تعليق التفاوض في فيينا، “نظرًا إلى عوامل خارجية”، مشيرًا إلى أن الأطراف المعنيين سيواصلون التباحث بشأن الاتفاق، وذلك في 11 من آذار الماضي.
وفي 14 من الشهر نفسه، أكد خطيب زاده أن توقف المحادثات في فيينا مؤقت، ولا يعني وصولها إلى طريق مسدود، معتبرًا أن توقف المفاوضات للاستراحة جاء بناء على طلب منسق اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، موضحًا، “سنعود إلى فیینا ونعقد الجولة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق جيد”، لكن المفاوضات سلكت منحى جديدًا بعودتها من البوابة القطرية، دون إحراز تقدم حقيقي ملموس بعد.
المصدر: عنب بلدي