تتفاقم أزمة المحروقات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، رغم التدابير الحكومية والوعود بانفراجة قريبة للأزمة مع توالي وصول الناقلات المحملة بالنفط إلى موانئ محافظة طرطوس. وتبيّن أن آثار الانفراجة اقتصرت على السوق السوداء التي شهدت وفرة كبيرة في المشتقات النفطية، ما دفع كثيرين لاتهام النافذين والمليشيات المسلحة بالسيطرة على الواردات النفطية والإتجار بها.
وأعلن النظام السوري عن وصول أربع ناقلات إيرانية محملة بالنفط إلى مصفاة بانياس في ريف طرطوس، كان آخرها يوم 30 حزيران/يونيو الماضي، تحمل نحو مليون برميل من النفط الخام، ليرتفع حجم الواردات إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل خلال شهر واحد.
وفرة في السوق السوداء
ورغم وفرة الكميات الواردة من النفط، إلا أنها لم تنعكس على نسب التوزيع ومخصصات القطاعات الحيوية المتأثرة بانقطاع المادة، وفي مقدمها قطاع المواصلات الذي يشهد أزمة خانقة منذ شهر نيسان/ أبريل الماضي، أدت إلى غياب شبه تام لوسائل النقل العامة وارتفاع أجور المواصلات لأضعاف، ما دفع مسؤولي دمشق للتهديد بالملاحقة والغرامات بحق أصحاب السيارات المتوقفة.
وأصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم، تعميماً بتشديد الرقابة على وسائل النقل الداخلية المتوقفة عن تأدية خدماتها للمواطنين وتعمل على بيع مخصصاتها من البنزين والمازوت المدعوم في السوق السوداء، وفرض غرامات مرتفعة وتوقيف مخصصاتهم وإلغاء تراخيصهم.
التلويح بالقبضة الأمنية، لا يشكل حلاً للمشكلة، إنما يعدّ محاولة لتبرير أزمة المحروقات وتحميلها لأصحاب السيارات، حسب ما ذكرت مواقع محلية، خصوصاً بعد الإجراءات التي اتخذتها حكومة النظام من تقنين عمليات التوزيع لمحطات البيع الحر، وتخفيض مخصصات قطاع المواصلات بنسبة 30 في المئة، التي ساهمت بزيادة مدة انتظار التوزيع عبر البطاقة الذكية لأكثر من عشرين يوماً في العاصمة دمشق، وغيابها عن بعض المناطق مثل درعا وحلب واللاذقية.
وفي وقت تتعمق فيه الأزمة وتصيب الحياة بالشلل، سعى النظام لحل المشكلة من خلال رفع أسعار المشتقات النفطية والمحروقات لتقليل الطلب على المادة، ليصل سعر ليتر البنزين غير المدعوم (90 أوكتان) و(95 أوكتان) إلى 3500 ليرة و4500 ليرة، ورفع سعر ليتر المازوت التجاري والصناعي إلى 2500 ليرة، ما أدى إلى توقف الكثير من المنشآت الصناعية عن العمل.
ورأى عضو مجلس غرفة صناعة دمشق وريفها نور الدين سمحا، أن ارتفاع تكاليف الإنتاج جراء الانقطاع الدائم للكهرباء وعدم توافر مادة المازوت منذ أشهر وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، تسبّب بتوقّف بعض معامل تصنيع الألبسة خلال الشهرين الماضيين، كما أثر في تصدير الألبسة وأخرج البضائع السورية من المنافسة الخارجية، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج بنسبة 50 في المئة.
أين الواردات النفطية؟
في المقابل، شهدت السوق السوداء وفرة كبيرة في المحروقات تغطي الطلب على المادة، وذلك بعد أيام فقط من وصول أولى ناقلات النفط الإيرانية منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي، حسب ما نقلت مواقع إعلامية محلية، بينما لا تزال محطات تعبئة الوقود بالسعر المدعوم والحر تعاني نقصاً في المخصصات وضخ المشتقات النفطية حتى بعد وصول الناقلة الرابعة، الأمر الذي دفع كثيرين للحديث عن سيطرة ضباط وقادة في المليشيات الموالية للنظام على واردات النفط وبيعه في السوق السوداء.
ويحصل تجار المحروقات على البنزين والمازوت عادةً من شراء مخصصات أصحاب السيارات أو من قبل ضباط عسكريين وقادة ميليشيات محلية ممن يبيعون مخصصات الآليات، إلا أن توافر المادة أخيراً في السوق السوداء جاء حتى قبل ضخ إمدادات المشتقات النفطية إلى محطات التعبئة.
وفي توضيحه لآلية استيراد النفط، أشار المدير التنفيذي لمنصة “اقتصادي” يونس الكريم في حديث لـ”المدن”، إلى أن الواردات النفطية إلى سوريا توزع على ثلاث جهات وليست خاصة بالنظام وحده، إنما يتشارك فيها مع الإدارة الذاتية التي تدير مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” وتمتلك عقوداً نفطية مع النظام، إضافة إلى إرسال كميات من الحمولة إلى الأراضي اللبنانية.
ويقول: “لم يعد النظام قادراً على استيراد النفط مقابل عقود آجلة، بل أصبح بحاجة لفتح اعتماد ائتماني ودفع ثمن الحمولة نقداً، وهو ما يفسر سبب مقاسمته الكميات الواردة مع جهات متعددة، وهو يحتاج أيضاً لتغطية ثمن حمولته، لذلك زاد اعتماده على السوق السوداء باعتبارها البديل الفعّال لتحصيل الأموال وتغطية قيمة المستوردات، في ظل حالة العجز المالي التي تعاني منها خزينة النظام، وحاجته للقطع الأجنبي لتغطية ثمن حمولته وتغطية نفقات بيع المشتقات النفطية بالسعر المدعوم”.
واضاف الكريم: “لكن هذه المرة، كانت عملية ضخ المحروقات في السوق الموازية ملفتة ولا يمكن تغطيتها، وذلك يعود لمحاولة النظام الاستفادة من التوقيت وحاجة الناس للمادة خلال فترة الأعياد، وبالتالي الحصول على المال لضمان استمرار وصول الشحنات”.
جشع السوق السوداء
ما يؤكد حديث الكريم، ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في السوق السوداء، فقد وصل سعر ليتر البنزين في مدينة حلب إلى نحو 8000 ليرة والمازوت الى نحو 7500 ليرة، بنسبة ارتفاع بلغت 80 في المئة تقريباً عن الأسعار خلال شهر أيار/مايو الماضي، كما بلغ سعر ليتر المازوت في دمشق ودرعا 6500 ليرة والبنزين 7500.
وعن أولويات النظام في التوزيع، يشرح الكريم قائلاً: “أولوية التوزيع بالنسبة إلى النظام تكون لضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة بدءاً من المشافي والمراكز الطبية، ثم القطع العسكرية المهمة ومؤسسات الدولة السيادية، ما يعني أن المدنيين والمؤسسات الخدمية المرتبطة بحياتهم في آخر سلم الأولويات”.
ويعتبر اقتصاديون أن الهدف من توفير المشتقات النفطية في السوق السوداء، لا يتوقف على جمع ثمن الحمولة حيث يُباع بأسعار مرتفعة مقاربة للأسعار العالمية، بل يسعى النظام من خلال هذه الخطوة إلى تهيئة قاطني مناطقه لمرحلة إزالة الدعم الكلي عن المواد النفطية، ضمن برنامج اقتصادي بدأه منذ عام 2017.
المصدر: المدن