أسعد عبود
عقب قمة حلف شمال الأطلسي في مدريد أواخر حزيران (يونيو) الماضي، عاد الحديث بقوة عن احتمال شن أنقرة عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية.
أما لماذا الربط بين القمة الأطلسية والعملية العسكرية التركية المزمعة، فإن مرد ذلك ببساطة إلى اللقاءات التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش القمة، لا سيما مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي أزال بموجبها الزعيم التركي اعتراضاته على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.
صحيح أن أردوغان حصل على تعهدات من هلسنكي واستوكهولم، بتسليمه ناشطين من “حزب العمال الكردستاني” وآخرين تابعين للداعية التركي فتح الله غولن، لكن الجائزة الأكبر التي يبدو أن أردوغان قد حصل عليها، كانت قبولاً ضمنياً أميركياً لشن عملية عسكرية تستولي فيها على مدينتي منبج وتل رفعت في ريف حلب.
وبما أن بايدن يعتبر أن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي يشكل ضربة جيوسياسية كبيرة لروسيا، فإنه لا يجد غضاضة في غض النظر عن توسع تركيا في شمال سوريا.
وهكذا أضحى توسيع حلف شمال الأطلسي ليضم فنلندا والسويد، رافعة بالنسبة إلى تركيا في ما يتعلق بعملية عسكرية في شمال سوريا. وتدرك أنقرة أن هذه فرصة لن تبقى مفتوحة أمامها إلى الأبد.
وفي الوقت نفسه، يعتقد أردوغان أن روسيا المنشغلة بحرب أوكرانيا، ليست في موقع يؤهلها لوضع فيتو على العملية العسكرية التركية الوشيكة. ولم تنجح حتى الآن الجهود التي بذلتها موسكو لإقناع المقاتلين الأكراد بالانسحاب من منبج وتل رفعت وتسليمهما للجيش السوري والقوات الروسية، ما يسحب من تركيا ذريعة شن العملية العسكرية.
ومن المبررات التي يسوقها أردوغان للعملية العسكرية، حاجة أنقرة إلى توسيع المناطق الآمنة في شمال سوريا، والتي يمكن أن يعاد توطين اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية فيها. وسبق لأردوغان أن أعلن عزمه على إعادة مليون لاجئ سوري. وعلى رغم أن هذه العملية تواجه بعض التعقيدات، فإن العملية العسكرية تخدم الوعد الذي أطلقه حزب العدالة والتنمية الحاكم بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2023. وفي هذا المنحى، تساعد العملية العسكرية الحزب الحاكم على تعزيز شعبيته.
فضلاً عن ذلك، تعتبر أنقرة أن توغلها المزمع في منبج وتل رفعت، يأتي في سياق متصل مع مسرح عمليات آخر في شمال العراق، حيث بدأ الجيش التركي عملية “قفل المخلب” ضد “حزب العمال الكردستاني” في المنطقة منذ أواسط نيسان. ولطالما اعتبرت تركيا أن “وحدات حماية الشعب” الكردية، تشكل النسخة السورية لـ”حزب العمال الكردستاني”. ومن هنا، يتأتى الربط بين العمليتين العسكريتين في كل من شمال العراق وشمال سوريا.
ولن يترك أردوغان الفرصة التي يوفرها له المناخ الدولي والجيوسياسي المتغير في أوروبا، من دون أن يستغلها في توطيد مصالح تركيا في الإقليم. كما أن محاولات أنقرة الانفتاح في أكثر من اتجاه إقليمي، تخدم هذا الهدف.
كما أن السعي إلى تعزيز الوجود التركي إقليمياً، هو محاولة من قبل أردوغان للتعويض عن وضع اقتصادي سيئ في الداخل. ومعلوم أن تدهور الليرة في مقابل الدولار، قد انعكس سلباً على شعبية أردوغان والحزب الحاكم.
ولهذه الأسباب، يعتقد أردوغان أن التوسع في شمال سوريا، قد يرفع من شعبيته قبل الانتخابات، ويعوض بعضاً من المعاناة الاقتصادية للأتراك.
إنها سنة مفصلية بالنسبة إلى أردوغان، خصوصاً أن شعبية أحزاب المعارضة آخذة في الارتفاع بسبب تسليطها الضوء على الوضع الاقتصادي السيئ والتركيز عليه في حملاتها الانتخابية.
المصدر: النهار العربي