منهل باريش
شهدت مناطق عدة في شمال سوريا مظاهرات احتجاجية عقب تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو والمتعلقة بأول اتصال سياسي بين تركيا وحكومة نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية في 2011. وشملت المظاهرات مدن وبلدات اعزاز وجرابلس والباب والراعي وسجو وقباسين ومارع في محافظة حلب، وسلقين وأريحا وإدلب وسرمدا ومعرة مصرين في محافظة إدلب، وتجمع المئات من المحتجين عقب صلاة الجمعة أمام معبر جرابلس الحدودي مع تركيا، حيث عمد حراس المعبر من السوريين والجنود الأتراك داخله إلى إطلاق الرصاص بالهواء لتفريق المتظاهرين الغاضبين من تصريحات وزير الخارجية. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الجنود الأتراك المتمركزين في القاعدة التركية ببلدة المسطومة جنوبي إدلب، أطلقوا قنبلة مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الذين تجمهروا أمام القاعدة، وذلك عقب محاولة البعض تسلق أسوارها، ووفقاً للمرصد السوري فإن جميع النقاط والمواقع العسكرية التابعة للقوات التركية في إدلب تشهد استنفاراً على خلفية المظاهرات التي عمت مناطق متفرقة من الريف الإدلبي، تنديداً بتصريحات وزير الخارجية التركي التي أطلقها مساء الخميس.
ونشرت وكالة «الأناضول» الرسمية تصريحات لوزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو كشف من خلالها أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بالعاصمة الصربية بلغراد.
وقال أوغلو خلال مؤتمر صحافي عقده، مساء الخميس، على هامش اجتماعات المؤتمر الـ 13 للسفراء الأتراك المنعقد بالعاصمة التركية أنقرة «أجريت محادثة قصيرة مع وزير الخارجية السوري في اجتماع دول عدم الانحياز في بلغراد» المنعقد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. مضيفا «علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك أي سلام دائم» وتابع الوزير التركي في ذات السياق قائلاً «لمنع تقسيم سوريا يجب أن يكون هناك نظام سياسي قوي» واستبعد الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وبشار الأسد.
تأتي هذه التطورات بعد أيام على لقاء الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، وعقب اللقاء قال اردوغان إن بوتين اقترح عليه «العمل مع النظام السوري» من أجل حل التهديدات الأمنية التي تواجهها تركيا على طول حدودها الجنوبية والمتمثلة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد». وكانت صحيفة «تركيا» المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، قالت في تقرير لها الأسبوع الماضي إن بوتين اقترح على اردوغان عقد لقاء مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حول الملف السوري. ونقلت الصحيفة عن مصادر «مطلعة» أن دولة خليجية وأخرى إسلامية أفريقية (تبين لاحقا انهما الإمارات والجزائر) تجري اتصالات دبلوماسية مع الجانبين، من أجل لقاء اردوغان-الأسد. وأضافت المصادر أن أنقرة تقول إن اللقاء «المبكر جداً» قد يتم عقده عبر الهاتف وليس وجهاً لوجه.
اللافت، ان تصريحات الوزير التركي مساء الخميس جاءت على خلاف ما ورد على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن في حزيران (يونيو) الماضي خلال مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماع رسمي للحكومة حيث أكد أن موقف بلاده من نظام الأسد لم يتغير مشيرا إلى أنه فقد شرعيته ولا دور له في مستقبل سوريا، وذلك تعقيبا على تصريحات الرئيس التركي حول العلاقة مع نظام الأسد. وأوضح كالن حينها أن الاتصالات مع النظام في دمشق أو الحسكة أو القامشلي تتم من أجل سلامة العمليات التركية داخل الأراضي السورية، وهي بين عناصر استخباراتية.
وأضاف «في إطار أمن تركيا، يمكن لأفراد جهاز الاستخبارات التركي أن تتواصل بين الحين والآخر مع مختلف الأطراف بمن فيهم عناصر النظام سواء في دمشق أو الحسكة أو القامشلي، من أجل أمن وسلامة العمليات التي ينفذونها على الأراضي السورية، وهذا ليس بالأمر الذي يستدعي الاستغراب».
وردا على سؤال حول ممارسة موسكو لضغوط على أنقرة لدفعها إلى إجراء اتصالات مع نظام الأسد، قال كالن «لا يمكن لروسيا أو أي جهة أخرى ممارسة ضغوط على تركيا».
بالمقابل، أعلن قياديون في المعارضة المسلحة رفضهم لأي مصالحة مع النظام السوري. وقال القائد العام لـ «حركة ثائرون» إحدى أكبر تشكيلات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، فهيم عيسى، إن بشار الأسد رأس الإرهاب في سوريا ومصدره، و«لا مصالحة مع الأسد، لا مصالحة مع الإرهاب والقتلة، لا مكان للأسد أو النظام في مستقبل سوريا، لن نخون دماء شهدائنا، ولن نخون ثورة البلد».
وقال وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، العميد طيار حسن الحمادة: «عند أول صيحة (الشعب يريد إسقاط النظام) كانت نقطة اللاعودة للوراء. انتهى، لا بديل عن إسقاط الأسد».
من جانبها، قالت إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني السوري، إن «نظام الأسد خطر على الشعب السوري والتركي والمنطقة» وأضافت أن «المصالحة مع نظام الإجرام والإرهاب والطائفية خيانة وهي تدمير للمنطقة وتسليمها للفوضى والتكفير والخراب».
كما استنكرت هيئة تحرير الشام التصريحات وشددت على أن «الثورة السورية ليست ملكاً لجهة أو دولة لتُستخدَم كورقة سياسية».
وبالتوازي مع ذلك، طالب الائتلاف الوطني السوري في بيانٍ بـ «ضرورة العمل الجاد من كل دول العالم الحر من أجل بناء تحالف دولي لمحاسبة نظام الأسد الكيميائي الذي قتل مليون شهيد وهجّر أكثر من نصف الشعب السوري» مؤكداً أن «هذا ما يسعى إليه الائتلاف الوطني وكل القوى الوطنية السورية».
وأوضح البيان أن «الائتلاف الوطني السوري منذ مساء أمس تواصل مع الجهات التركية الرسمية حول تصريحات وزير الخارجية التركي، وأكدوا دعمهم الكامل لتطلعات الشعب السوري المشروعة وتنفيذ القرار 2254».
ودان المجلس الإسلامي السوري المعارض في بيانٍ أصدره الجمعة تصريحات تشاويش أوغلو، واصفاً: «الدعوة للمصالحة مع نظام الأسد تعني المصالحة مع أكبر إرهاب في المنطقة ما يهدد أمن دول الجوار وشعوبها، وتعني مكافأة للمجرم وشرعنته ليستمر في إجرامه، وتناقض كل القرارات الدولية التي صدرت بهذا الشأن» مضيفاً أن «المصالحة مع هذا النظام بنظر الشعب السوري لا تقل عن المصالحة مع المنظمات الإرهابية التي تعاني منها شعوب المنطقة مثل داعش وقسد».
تشير التصريحات التركية المتلاحقة إلى انعطافة كبيرة بخصوص موقفها من القضية السورية، إذ يشكل حزب العمال الكردستاني وذراعه العسكرية والسياسية في شمال سوريا هاجسا متفاقما لدى المسؤولين الأتراك. ولا شك ان الترتيبات الأمنية التي ترعاها موسكو ستؤدي إلى تطبيع العلاقة بين أنقرة ودمشق، وان إعلان الوزير التركي لم يكن زلة لسان مطلقاً، بل يعزز فرضية التفاهمات بين الجانبين وإلا ما الحاجة للإعلان عن لقاء هامشي مضى عليه نحو عشرة شهور وان كان بالفعل هامشيا فلماذا جرى التكتم عليه وعدم التعرض له إعلاميا؟
من الواضح ان أنقرة غَلّبَت أمنها القومي على مصالح ملايين السوريين من اللاجئين لديها أو المقيمين في الشمال السوري حيث تحضر عسكرياً. وعلى المعارضة السورية بمختلف أطيافها إعادة النظر وبشكل عميق في العلاقة التي تربطهم في تركيا خصوصا وانهم سمعوا أصوات عشرات الآلاف في الشمال السوري رفضا لدعوات تشاويش أوغلو من أجل المصالحة مع نظام الأسد.
المصدر: القدس العربي