أحمد العربي
محمد خليفة صحفي سوري عروبي عريق، له العديد من الكتابات منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى وفاته – رحمه الله – قبل سنة ونيف، كان نموذج المنتمي العروبي القومي الديمقراطي الحر، يقدم رؤاه في كل المستجدات العالمية، وخاصة التي لها علاقة بالعرب والعروبة، وفي القلب منها سورية وما حصل فيها في عقود الاستبداد، وما تلاها من ثورة الشعب السوري المطالب بإسقاط الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل التي بدأت في ربيع ٢٠١١م ومازالت تبعياتها مستمرة للآن.
الكتاب بين يدينا هو رصد تفصيلي لحظي لمستجدات الحال السورية من تبعات الثورة حيث اعتمد النظام العنف الإجرامي ضد الشعب السوري وثورته، مركزًا على الدور الروسي في الحرب على الشعب السوري الذي دخل بقوة وبكل الإمكانات العسكرية ضد الشعب السوري وثورته الى جانب النظام منذ بداية الثورة، وزاد التدخل مع ما صاحبه من العنف والقتل والتدمير بدءً من عام ٢٠١٥م. حيث تابع كل المستجدات على الأرض ونشرها متتابعة في مجلة الشراع اللبنانية لمدة عام كامل.
- الكتاب ونشره.
في تقديم الكتاب ومن باب الوفاء لأخيه المرحوم محمد خليفة الذي نشر هذه المقالات سابقًا، أعاد عبد الرحيم خليفة نشر هذه المقالات في كتاب ليكون مرجعًا في موضوعه. ولأهمية المتابعة للغزو الروسي لسورية. حيث قدم للكتاب الصحفي حسن صبرا رئيس تحرير مجلة الشراع التي نشر بها محمد خليفة مقالاته. كذلك قدم للكتاب محمد حمود رئيس تحرير موقع المدار نت اللبناني الذي شارك أيضًا في نشر هذه المقالات، مشيدين بالكاتب والكتاب، بما هو أهله.
يقسم الكتاب المقالات الى فصول تتناول موضوعات الغزو الروسي لسورية من كل الجوانب:
- أسباب الغزو والتطورات الميدانية.
يتوسع محمد خليفة في التحدث عن علاقة روسيا مع النظام السوري بالعودة الى عقود سابقة منذ أيام الاتحاد السوفياتي. وأن روسيا في عهد بوتين أرادت أن تعيد الهيمنة والسيطرة على امتدادها الذي خسرته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ١٩٩١م. حيث كانت تعتبر سورية امتدادًا لمصالحها العسكرية، وشرفة لها على البحر الأبيض المتوسط، وأحد مراكز نفوذها.
لم تكن روسيا راضية عن الربيع العربي عمومًا، وخاصة الربيع السوري، فقد تكلم وزير الخارجية الروسي لافروف منذ بداية الثورة السورية أنهم لن يسمحوا بإسقاط الحكم العلوي في سورية وبناء حكم سني بديل. بهذا الوضوح والبجاحة. لقد كان للروس الموقف التاريخي المعادي للإسلام والمسلمين منذ صراع القياصرة الروس مع العثمانيين. وفي العصر الحديث عانى الروس من إسلامية الحرب عليهم في أفغانستان حيث خرجوا منها منهزمين. وكذلك العنف الإجرامي الذي واجه به الروس أيام بوتين الثورات الشعبية الاسلامية في جمهوريات القوقاز والتي أسست به روسيا للقتل والتدمير والتهجير والاعتقال للثوار وحاضنتهم الشعبية.
من زاوية أخرى وفي وقت سابق ٢٠١٤م قرر بوتين إعادة مجد روسيا السابق فبدأ باحتلال القرم في أوكرانيا وأعلن ضمها إلى روسيا. ومن ثم قرر التدخل في سورية ليحمي نفوذه ومصالحه، ودعم النظام الاستبدادي الطائفي المجرم. روسيا التي خسرت موقعها في ليبيا بسقوط القذافي وقبل ذلك خسرت العراق منذ سقوط صدام حسين والاحتلال الأميركي له.
صنع الروس تحالفًا استراتيجيًا مع إيران عندما قرروا دعم النظام السوري منذ بدايات الحراك الثوري الشعبي. وقدموا له المال والسلاح والرجال ليمنعوا سقوطه ويصنعون أكبر مأساة إنسانية في القرن العشرين بعنفهم الوحشي مع النظام وإيران والميليشيات الطائفية ضد الشعب السوري.
لقد تحرك الشعب الثوري بشكل سلمي مطالبًا بحقوقه المشروعة المهدورة، لكن النظام اعتمد الرد العسكري العنيف، مما استدعى انتقال الثورة إلى العنف والصراع مع النظام. اقترن ذلك مع انشقاقات كثيرة من الجيش وبداية انهزام النظام أمام الثوار وحاضنتهم الشعبية وبمساعدة بعض القوى الدولية والاقليمية، والأهم شعبيًا كان الإيمان بعدالة قضية الثورة ومشروعيتها.
واجه النظام الإنهزام بطلب النجدة من داعميه الاستراتيجيين. إيران التي ترى النظام السوري الطائفي امتدادًا لها، والتي أوعزت لحزب الله الشيعي اللبناني ليشارك في الحرب ضد الشعب السوري، وكذلك استحضار الميليشيات العراقية والأفغانية الشيعية لتكون القوى الرديفة للنظام في قتل الشعب السوري. كذلك روسيا التي بدأت بإرسال الجنود والخبراء وفتحت مخازن سلاحها في جسر جوي لدعم النظام السوري. كل ذلك الدعم لم يجعل النظام عبر سنوات الثورة الأولى قادرًا أن ينتصر على الثوار، وتبين أن النظام آيلًا للسقوط. حيث أصبح الثوار قريبين من القصر الجمهوري، وبدؤوا يتمددون ليصلوا إلى مناطق حاضنة النظام في الساحل. ووصلوا إلى مدينة حلب وبدؤوا بتحريرها. هذا غير سيطرتهم الفعلية على بلدات ومدن مثل الرقة ودير الزور…الخ.
عندها تداعت القوى الدولية المتحكمة وحصلت لقاءات سرية وعلنية بين روسيا و”اسرائيل” وأميركا. وكان قرارهم عدم السماح بإسقاط النظام السوري الذي مازال يخدم هذه الأطراف، والعمل لأن تعيش سورية حالة لا غالب ولا مغلوب، حيث يفيد تدميرها وتقسيمها الكيان الصهيوني، وأن يدفع شعبها مزيدًا من الأثمان بسبب تمرده وثورته. وأن يكون السوريين وسورية الدولة هم الخاسرون. لذلك تم الايعاز لروسيا للدخول في الحرب ضد الشعب السوري بكل قوتها العسكرية وخاصة الجويه لتعديل ميزان القوى لصالح النظام. ولوكان الثمن تدمير سورية وتقتيل وتشريد شعبها وهكذا كان منذ عام ٢٠١٥م.
- روسيا على أبواب حلب.
لقد كان توقيت التدخل الروسي العسكري المباشر عام ٢٠١٥م عبر الطيران والقصف والتدمير، مؤشرًا عن تغير نوعي للحضور الروسي في دعمه للنظام. حيث كان النظام قبل ذلك مهزومًا في كل الجبهات، رغم وجود القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها.
فقد بدأ الروس في حملة عسكرية استئصالية للشعب في كل المناطق الثائرة، تدمير البلدات والمدن والأبنية والمستشفيات والمدارس والمخابز وأي موقع خدمي وقتل الناس دون تمييز بين طفل وامرأة وعجوز، بل بالتركيز على هؤلاء ليحصل ذعر جماعي يؤدي للنزوح الجماعي بالملايين داخل سورية وخارجها.
اقترن ذلك مع إحياء القاعدة وولادة داعش وتقديم المبرر للقوى الدولية لتحويل اهتمامها من الصراع مع النظام للصراع مع الإرهاب متمثلًا في داعش والقاعدة وجزئيًا جبهة النصرة. هذا المبرر الذي تذرعت به روسيا المخولة دوليًا أن تسقط الثورة السورية ولو صاحب ذلك قتل السوريين وتشريدهم وتدمير سورية على رؤوسهم. هذا ما ذكره الكاتب في رصد الدور الروسي التدميري في مدينة حلب، عاصمة الاقتصاد السوري، والتي تصرف معها النظام والروس والإيرانيين ومرتزقتهم بمنطق الانتقام والتدمير والإفناء.
صحيح أنه لم يتضح ماذا حصل في حلب بعد ذلك في تدوين المقالات التي أكتب عنها. لكن واقع الحال أن حلب كما أغلب البلدات السورية الثائرة ستعود لسيطرة النظام مع ما يصاحب ذلك من اعتقال وبطش وتشبيح ونهب وسرقة، وما رافقه على مستوى سورية كلها من استشهاد حوالي مليون إنسان وإصابة وإعاقة أكثر من مليون آخرين ومن هروب جماعي وصل إلى نصف الشعب السوري حوالي ١٣ مليون إنسان نزحوا داخل سورية وخارجها. مع ما يصاحب ذلك من فقدان الأملاك والمدخرات ودمار المساكن والبيوت، وفرار الناس بأرواحهم تاركين وراءهم كل شيء.
هذا هو الحساب الختامي للتدخل الروسي في سورية بعد مضي كل تلك السنوات. إنهم أعداء الشعب السوري.
- الغزو الروسي الدبلوماسي والدولي.
نعم إنه الغزو الروسي على الصعيد الدبلوماسي والدولي مع كل ما في مضمون كلمة غزو من عنف واستباحة الحقوق وهدر للكرامة الإنسانية وغياب للعدالة واغتيالها. هذا ما فعله التدخل الروسي في المسار السياسي للقضية السورية بعد الثورة.
لقد انبرت الدول العربية المؤثرة وكذلك القوى الدولية أميركا وأوربا وروسيا في التدخل بحثًا عن مسار سياسي لحل “المشكل” السوري. وبدأت تشكل مؤتمرات وتجمعات وتوافقات كان أهمها توافق أكثر من ١٢٠ دولة على نصرة الشعب السوري وحقوقه في عصبة الأمم. لكنها لم تستطع أن تحول إجماعها إلى فعالية سياسية تؤدي لإسقاط نظام الاستبداد وبناء نظام ديمقراطي في سورية. فقد كان العنف العسكري والقصف الجوي والتدخل الإيراني على الأرض لحماية النظام وإسقاط الثورة وقتل السوريين. مصاحبًا من الفيتو الروسي لخمس مرات متتالية منعًا لأي موقف دولي جدي فاعل ضد النظام السوري. وتُرك يقتل الشعب السوري بالمشاركة مع روسيا وإيران.
وعندما بدأ العمل على مسار دبلوماسي للقضية السورية منذ مؤتمر جنيف ١ كان الحضور الروسي مؤثرًا بحيث يعدل بالنصوص ويمنع الحديث عن إسقاط النظام المستبد السوري أو حتى تغييره. وإن بدا النص واضحًا كما في جنيف ١ يتم التلاعب في التفسير. كما تم ترحيل البحث في الحل السياسي حتى يتم النصر للنظام وحلفائه على الأرض، وتطلب ذلك سنوات بين جنيف ١ وجنيف ٢ وبعد ذلك الوصول إلى قرار مجلس الأمن٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥م ، الذي اعتبر نصرًا للشعب السوري. حيث تم التحدث عن انتقال ديمقراطي وانتخابات و.. الخ. لكنه وقع أيضًا ضحية مماطلة روسية وغياب للجدية الغربية خاصة بعد تحول الأجندة الغربية في سورية. من إسقاط النظام وبناء الديمقراطية إلى محاربة الإرهاب. بعد ظهور داعش والقاعدة في سورية والعراق. وترك المسرح السياسي للحضور الروسي الطاغي. وتم تجميد مسار جنيف عمليًا. وخلق مسار فيينّا الذي جعل القضية السورية مشكلة سورية يحاورها أطراف سوريين من بينهم النظام السوري “الشرعي” حسب الموقف الروسي. الذي حول المؤتمرات إلى مهاترات ومزايدات وتخوين، ولم تستطع هذه المؤتمرات أن تقدم أي حل للمسألة السورية. بل اصطدمت كل الوقت بتعنت النظام وخلفه روسيا وعدم استعداده لتقديم أي تنازل.
وفي هذا المسار أيضًا جنيف ومن ثم أستانا وغيرها وما بعد تاريخ تدوين هذه المقالات قبل سنوات سبعة. مازال المسار السياسي للقضية السورية يتراجع ويتقزّم ليصبح البحث غير جدي وجزئي في دستور قائم وبعض التعديلات. فلا تغيير للنظام ولا اقتراب من الرئيس وصلاحياته. وظهور بداية تطبيع علاقات دولية وإقليمية مع النظام. وإعلان وفاة للربيع العربي والسوري وتحويله إلى النسيان.
- التفاهمات الروسية الأميركية.
أهمية هذا الفصل تكمن في الجواب عن تساؤل يطال كل سوري: لماذا تم بيعنا كسوريين إلى النظام المجرم والإيرانيين والروس بأبخس الأثمان؟!.
الجواب يكمن في التوافق الروسي الأميركي “الإسرائيلي” حيث تم اللقاء بين قادة هؤلاء الدول أو ممثليهم على أعلى المستويات واتفاقهم على دعم نظام الاستبداد في سورية، ومنع إسقاطه، وتوكيل روسيا وإيران بذلك. وقاموا بدورهم فعلاً على الأرض.
إيران التي كانت تحارب والميليشيا التابعة لها الشعب السوري. كانت تخوض معركة دبلوماسية مع أميركا والغرب على برنامجها النووي، حيث ضحت أميركا والغرب بسورية ولبنان والعراق وحتى اليمن وتركتهم غنائم حرب لصالح إيران بعد توافقهم معها على برنامجها النووي.
ونحن نتساءل هنا هل تخلت أميركا لإيران عن هذه الدول أم كانت ترى أن ذلك يخدم مصلحتها قبل مصلحة إيران؟!. نتساءل أين أصبح العراق بعد إسقاط صدام حسين والاحتلال الأميركي وخروج الأميركان بعد ذلك ؟!. من هيمن عليه ؟! ، ولصالح من يعمل حكّامه ؟!، و بالتوافق مع من؟!. إن العراق يقع تحت الهيمنة الأميركية الإيرانية ويخدم مصلحتهما المشتركة منذ خروج الأميركان من العراق عام ٢٠٠٦م إلى الآن. وكذلك الحال في لبنان والتوافق على حماية حدود الكيان الصهيوني التي يرعاها حزب الله. وكذلك سورية حيث الحكم الطائفي الاستبدادي الذي حمى حدود الجولان المحتل لأربعة عقود. نقول ذلك -طبعًا- دون أن نقع ضحية الادعاءات عن الصمود والمقاومة والعداء للكيان الصهيوني المعلن من إيران وأذنابها والنظام السوري كل الوقت في إعلامهم دومًا.
كذلك روسيا التي أرادت اختبار أسلحتها على الشعب السوري. وبنت قاعدتها البحرية في الساحل السوري. وأصبحت مع إيران القيادة الفعلية لسورية في كل المجالات وأهمها العسكري والسياسي. وأصبحت روسيا دولة عظمى في سورية التي اأعادتها لدورها العالمي الذي تتوق أن تقوم به.
- مراجعات الكاتب.
في هذا الفصل بأجزائه المتتابعة يعيد الكاتب إجمال محتوى مقالاته السابقة بتركيز شديد عبر نظرة شمولية لمسار الغزو الروسي لسورية. وما هي حصيلته عبر سنة ٢٠١٥ م وما هي الاحتمالات بعد ذلك مركزًا على أن الغزو سيستمر وسيستمر الصراع وأن روسيا والنظام وإيران والميليشيا التابعة لها مستمرة في الصراع، وأن الثوار مستمرون في حربهم ضد النظام وحلفائه مع إقرار بضعف الثورة وتشتتها وارتباكها من حضور القاعدة وداعش والنصرة. وأن الغرب بدأ ينظر إلى سورية من خلفية محاربة الإرهاب فصمت عن النظام وأفعاله. وأن روسيا والنظام وإيران وحلفاؤهم يريدون النصر المطلق ولو قتلوا وشردوا الشعب السوري ولو دمروا سورية كلها.
- ماذا عن أوكرانيا.
التقط محمد خليفة مؤشرًا مهمًا في مقالاته عن النظرة التوسعية لروسيا بوتين التي بدأت بقضم القرم من أوكرانيا. وإن معارك بوتين القادمة هي مع أوكرانيا وباقي الدول المحاذية لروسيا ليعيد نفوذ روسيا الذي خسرته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ها نحن الآن وبعد مضي سبع سنوات على تدوين هذه المقالات نرى الحرب الروسية على أوكرانيا. في زمن قياسي. روسيا تهاجم أوكرانيا تدمر بناها التحتية تقتل الكثير من أهلها. تشرد الملايين منها، تحتل مقاطعات ومدن، تعترف ببعضها كدول منفصلة عن أوكرانيا. تريد منها أن تخضع لها.
أميركا والغرب لم يستسلموا، لذلك تم فتح حنفية السلاح والمال لدعم مقاومة أوكرانيا. وحضنوا النازحين وقدموا لهم المأوى والمساعدات. وهذا ما لم يحصل للسوريين للأسف.
في أوكرانيا لا توافق بين روسيا وغيرها من القوى الدولية الحاكمة. عكس ما حصل في سورية حيث التوافق الغربي الأميركي “الإسرائيلي” على التدخل في سورية. لذلك فالمعركة في أوكرانيا. هي معركة تحجيم روسيا أو فرض نفسها قوة دولية. لذلك نحن أمام معركة طويلة الأمد وقد تتوسع وتصبح نووية.
لقد كان للحرب الروسية الأوكرانية منعكسات اقتصادية وسياسية على الغذاء والطاقة، طالت العالم وجعلت كل دول العالم أمام أزمة على كل المستويات.
القضية الأوكرانية الروسية في حالة سيولة ويصعب الحزم إلى أين ستصل.
- ختامًا.
نحن أمام كتاب مهم متميز ضروري، يتابع الحدث السوري بكل مصداقية وتوثيق وعمق وجدية في لحظة تاريخية فارقة. كتاب مهم في زمانه وفي المستقبل، كوثيقة للذاكرة.