منهل باريش
دان المبعوث الألماني إلى سوريا ستيفان سشنيك تهديد قوات النظام باقتحام مدينة جاسم شمال محافظة درعا جنوب سوريا، وقال في تغريدة على حسابه في تويتر باللغة العربية، إن حكومة بلاده تتابع بقلق التقارير التي تتحدث عن هجوم للنظام على مدينة جاسم في محافظة درعا، مؤكدًا على أن اتفاقيات المصالحة -جرت برعاية روسية صيف 2018 – لم تحقق السلام للسوريين، كما شدد على أن الحل السياسي هو الخيار الوحيد الذي يحقق السلام في سوريا، وتوعد المبعوث الألماني في ختام التغريدة بمحاسبة من وصفهم بـ«الجناة».
ويعتبر تعليق المبعوث الألماني أبرز ردود الأفعال الدولية حول المسألة، وجاء تصريحه على خلفية استقدام قوات النظام السوري تعزيزات عسكرية ضخمة إلى محيط مدينة جاسم شمال درعا، بهدف حصارها واقتحامها إن لم تنفذ شروط قوات النظام بتسليم المطلوبين وإخراج من تصفهم بـ «الغرباء» عن المدينة والذين تتهمهم بالانتماء إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» تارة وإلى «حراس الدين» الموالي لتنظيم «القاعدة» تارة أخرى.
وفي السياق، انتهى مساء الأربعاء، اجتماع ضَم ممثلين عن أهالي ووجهاء مدينة جاسم مع وفد من اللجنة الأمنية التابعة للنظام تحت ذريعة تجنيب المدينة حملة عسكرية وشيكة، وكعادة الاجتماعات التي تجري منذ فَرض الروس إرادتهم على جنوب سوريا، لم يثمر الاجتماع عن أي نتائج بسبب إصرار ممثلي النظام على شرط إخراج «الغرباء» ونفي وجهاء المدينة وجودهم في البلدة، ويشترط وفد النظام إخراج قائدين عسكريين من المطلوبين من المدينة، حسب ما قال مصدر من الوجهاء لـ«القدس العربي» اشترط عدم ذكر اسمه أو اسم القياديين.
وعن الترتيبات التي سبقت الاجتماع نشر موقع «تجمع أحرار حوران» المحلي، خبرا مفاده أن الاجتماع عقد في المركز الثقافي في جاسم وجمع عددا من وجهاء المدينة وقياديين سابقين من المعارضة المسلحة مع محافظ درعا لؤي خريطة، ورئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية العميد لؤي العلي.
وقال الناطق باسم تجمع أحرار حوران، أبو محمود الحوراني في اتصال مع «القدس العربي» إن الاجتماع عقد في جاسم «بسبب رفض شخصيات عسكرية سابقة الذهاب إلى مقر الأمن العسكري بمدينة درعا، عقب اغتيال القيادي البارز خلدون الزعبي وأربعة من مرافقيه بعد خروجه من لقاء جمعه مع العلي» في وقت سابق.
بالمقابل، أصدر أهالي جاسم عقب الاجتماع بيانًا قالوا فيه إنهم «لا يمانعون من الدخول في عملية التفاوض مع الجهات التي طلبت ذلك، توخيًا لما فيه الخير» وأوضح البيان أن الفريق المفاوض الذي ذهب إلى الاجتماع «يمثل المدينة بأكملها» وهم يقفون معهم، «وقفة رجل واحد» واصفينهم بـ «الممثلين الأمناء لأهلهم».
الجدير بالذكر، أن قوات النظام دفعت مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري بتعزيزات عسكرية من تل الجابية غربي مدينة نوى، إلى محيط مدينة جاسم، شملت سيارات عسكرية من نوع «زيل» محملة بأكثر من 100 عنصر من قوات النظام، إضافة إلى آليات عسكرية تمركزت شمال المدينة، كما تمركزت في وقت سابقٍ للتعزيزات قوات عسكرية تابعة للنظام في منطقة الصيرة شمال جاسم وفي بعض المزارع الواقعة غرب المدينة، بعد أن أجرت عمليات تفتيش دقيقة استخدمت خلالها طائرات مسيرة صغيرة الحجم من نوع «فانتوم» للرصد في محيط النقاط العسكرية الجديدة.
ميدانيا، اقتحمت قوات النظام السوري، صباح الإثنين الماضي، بلدة اليادودة في الريف الغربي لمحافظة درعا، حيث اندلعت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة بين الأهالي وقوات الأمن العسكري المقتحمة انتهت باعتقال محمد العقرباوي الملقب بـ«أبو القاسم العقرباوي» وهو عنصر سابق في الجيش السوري الحر. وعقب الاقتحام قطع مجموعة من المعارضين طريق اليادودة- درعا احتجاجا على المداهمة التي قامت بها قوات الأمن العسكري. وفي محيط جاسم، أغلقت قوات النظام الطرق أمام المزارعين ومنعتهم من التنقل بحرية أو الوصول إلى الأراضي القريبة من النقاط العسكرية المنشأة حديثا، كما منعت المزارعين المتواجدين في المزارع المحيطة بنقاطهم من مغادرتها بدون إبداء أي أسباب.
كما بدأت قوات النظام مع بداية الشهر الجاري، بنشر قواتها العسكرية على طريق جاسم- سلمين وأنشأت نقطة للتفتيش وأجبرت المدنيين على إخلاء مزارعهم على مفرق سلمين، كما استقدمت قوات النظام عددا من الضباط إلى حاجز «السهم مئة» على طريق منطقة العالية بالقرب من جاسم، وتتمركز في الحاجز قوات تابعة لفرع الأمن العسكري وعناصر من «اللواء 62» تم استقدامهم من مقر اللواء في تل المحص المجاور للمدينة.
وتعتبر مدينة جاسم أكثر المدن استراتيجية في ما يعرف محليا باسم منطقة الجيدور والتي تضم أيضا بلدتي إنخل والحارة، وتعتبر المنطقة الخاصرة الخلفية لمنطقة انتشار الميليشيات الإيرانية في منطقة مثلث الموت، ويسعى «حزب الله» لتأمين ظهره بشكل كامل في محافظة درعا في المناطق التي ينشط بها في جوار الحدود مع إسرائيل وخاصة في المنطقة القريبة على الجولان السوري المحتل.
وشهدت المدينة هدوءا نسبيا بشكل عام، تخللته اشتباكات بين مقاتلين من أبنائها، مع دورية أمنية تتبع لفرع أمن الدولة في السويداء حاولت الدخول إلى مشارف الطرف الغربي، ما أسفر عن مقتل عناصر الدورية وحرق سيارتين كان يستقلها العناصر. ومع توتر الأوضاع تدخل «اللواء الثامن» الذي كان يقوده أحمد العودة، المحسوب على القوات الروسية لنزع فتيل التوتر في المنطقة.
وعاد التوتر إلى الجنوب السوري مطلع آب (أغسطس) الماضي بعد محاصرة الفرقة 15 قوات خاصة التابعة لجيش النظام السوري مدينة طفس، وهي واحدة من أبرز حواضن عناصر الجيش الحر في درعا، وقامت الفرقة المذكورة بإنشاء نقطة عسكرية جديدة جنوب المدينة، بدأت باستهداف الأحياء والمزارع المحيطة بالمدينة بقذائف الدبابات والرشاشات الثقيلة، ما تسبب بنزوح عشرات من الأهالي إلى أحياء أخرى وإلى البلدات المجاورة.
وانتهت المفاوضات بين وجهاء مدينة طفس واللجنة الأمنية في درعا وعلى رأسها رئيس فرع الأمن العسكري، العميد لؤي العلي باتفاق الطرفين على خروج عدد من المطلوبين من المدينة، بينما تنسحب قوات النظام والميليشيات الإيرانية من محيط المدينة.
وصدر على إثر الاتفاق في الثامن من الشهر الماضي بيان عن القيادي السابق في طفس، خلدون الزعبي- الذي تم اغتياله مؤخرا من قبل مجموعة تابعة للأمن العسكري- يقول فيه أنه تم التوافق في طفس على خروج عدد من الأشخاص من المدينة، والذين تتخذهم حكومة دمشق ذريعة من أجل التصعيد في المنطقة.
من الواضح أن لدى حزب الله اللبناني سياسة ممنهجة للضغط على فصائل الجيش الحر السابقة في جنوب سوريا، ورغم أن اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري هي التي تفاوض الوجهاء إلا أن يد «الحزب» طويلة في الجنوب، وما الانتقال من الشريط الحدودي مع الأردن إلى فرض واقع سياسي وأمني في مدينة درعا ومن ثم الانتقال إلى ريف درعا الغربي ومنطقة الجيدور إلا دلالة على أن حزب الله لا يأمن على نفسه في الريف الغربي خصوصا مع تصاعد عمليات الاغتيال ضد أزلامه والمتعاونين معه، ويرغب بفرض واقع أمني جديد من خلال ادخال النظام على المستوى الأمني إلى مراكز مدن وبلدات الريف الغربي.
المصدر: القدس العربي