أحمد العربي
عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول صدرت رواية لاموغ – عشق وموت للكاتبة السورية ايمان مسلماني ، هذا أول عمل روائي اقرؤه لها.
لاموغ … رواية تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم على لسان الراوية شمس والتي هي أيضا واحدة من شخصيات الرواية، ولو أن حضورها كشاهد على حياة باقي شخصيات الرواية أكثر من حديثها حول نفسها…
تبدأ الرواية من حوار نفسي داخلي في ذات شمس حول الحياة وأنها لم تكن كما كانت تتمنى وتحلو… فهي لم تتزوج للآن، لها رؤيتها الخاصة عن الحياة الزوجية والرجل الشريك وانها للآن لم تتقاطع بأقدارها مع من تحب وتصنع معه حياة زوجية ناجحة…
تتوسع شمس بالحديث عن المرأة في سياق الرواية، المرأة التي يُنظر إليها بصفتها مكملة لحياة الرجل، وأنها ضرورية لصناعة الاسرة، وانها الأساس فيها فهي الأم منجبة الاولاد. لكن المجتمع لا ينظر إليها بصفتها انسان كامل الحقوق والمشاعر والحاجات النفسية والجسدية. تموت الزوجة في عائلة ما مثلا ويسارع الجميع لاختيار زوجة اخرى للزوج تعوض غياب الزوجة المتوفاة للقيام بكل واجبات المرأة تجاه الرجل بدء من الجنس الى كل واجبات البيت والحياة، إنما موت الزوج يدفع المرأة الى الصبر على حالها والاهتمام بأطفالها. وكأن بقية حاجاتها الخاصة بما فيها حاجاتها الجنسية تصبح خارج الاهتمام، وان صرحت بحقها هذا تتهم بانها منحلة ومستهترة ولا تمتلك مشاعر الأمومة… بالمختصر المرأة مازالت في مجتمعاتنا تابعة للرجل للعائلة للاهل للشروط المجتمعية وليست كائنا له وجوده وحقوقه الخاصة اولا وكل الاعتبارات والواجبات تأتي لاحقا بعد ذلك…
تتحدث شمس عن صديقتها طبيبة الأسنان شجون، المرأة التي وصلت إلى العقد السادس من عمرها، والتي كانت قد تزوجت عن حب وأنجبت عددا من الاولاد. كشفت لها الحياة إن زوجها لم يكن يعطيها الاهتمام والحب الكافي بحيث تحولت حياتها معه الى وظيفة خدمة منزلية وجنسية حين يحتاج الى ذلك. لذلك انفصلت عنه وعاشت مع أولادها وتابعت عملها كطبيبة أسنان مكتفية اقتصاديا. كانت تتابع اهتماماتها في المراكز الثقافية في مدينة حلب حيث تسكن، وتعرفت هناك على الشاعر وحيد الذي أعطاها اهتماما زائدا أصاب في نفسها استجابة، وهكذا ومع الوقت حصل بينهما حوارات ولقاءات تتوجت باعتراف من الشاعر وحيد بأنه يحبها ويهتم بها وأنها رغم بلوغها عقدها السادس في العمر مازالت المرأة التي يراها الاجمل ويحبها ويحتاج التواصل معها…
حلب في ذلك الوقت بعد مضي سنوات على الثورة السورية التي حصلت في ربيع عام ٢٠١١م. بعض أحيائها تحرر من قبضة النظام. الصراع على أشده و النظام وحلفاؤه يركزون هجومهم على مناطق حلب المحررة…
لم تكن شجون مرتاحة في حياتها ابدا، فهي ابنة لأب سني وام علوية كانوا يحملون فكرا يساريا ولذلك لم يقفوا عند اختلافهم الطائفي، رغم كون الأم من طائفة النظام والاب من السنة الذين يحس اغلبهم مظلوميتهم الطائفية والمجتمعية من النظام بصبغته الطائفية العلوية، مع ذلك تزوجوا وكانت شجون ابنتهم الوحيدة، وبعد ذلك انفصلوا رغما عنهم نتيجة العداء والضغط عليهم من اسرة الزوج واسرة الزوجة. لذلك نشأت شجون متوزعة المشاعر بين امها وابيها، وكانت اقرب لان تصنع مستقبلها بعيدا عن هذا التجاذب، وعندما كبرت وتزوجت واكتشفت سوء حياتها الزوجية انفصلت عن زوجها وقررت التفرغ لعملها كطبيبة أسنان ولاولادها. استمرت أمها تهتم بها بعدما تزوجت من ضابط كبير من النظام. لكن حصول التظاهرات في حلب وقريب من عيادتها، ومواجهة إحداها من قبل الامن واطلاق النار على المظاهرة حيث قتل البعض وجرح البعض واعتقل البعض وفر الباقين من مواجهة النظام والشبيحة، وجدت شجون بالصدفة هناك اسعفت احد المصابين واخفته عن الأمن الذي يلاحقه. لكن الأمن اعتقلها والشاب لاحقا. تابعت شمس موضوع اعتقال شجون و اخبروها انها بخير وان واسطة زوج امها الضابط قد خفف عقوبتها ، حيث وضعت في زنزانة منفردة في الفرع الأمني الذي اعتقلها، لم يعذبوها لكنها شاهدت التعذيب بكل الوسائل والأساليب للنساء، الضرب الشبح الاغتصاب والقتل دون أي رادع. خرجت بعد فترة وقد يئست من كل ما يحيط بها…
تتابع شمس ايضا حياة دلع الفتاة التي تربت في أجواء عائلية من الحرية، كانت جميلة ومنطلقة، كانت تحظى باحترام والدها ومحبته، لكنه اخطأ عندما قرر تزويجها من أحدهم؛ ثري ويعمل بالخليج. لم تنجح حياتهم اذلّ الفتاة وعذبها، عادت واخبرت والدها، اصطدم مع الزوج وتشاجرا قتل الأب من اثر الشجار. وبعد ذلك ساعدت عائلة دلع على الانتقام من العريس وادت للحكم عليه وعليها بالموت بتهمة الزنا حيث حوكموا في المناطق المحررة حيث كانت قد تقسمت سوريا بعد سنوات بين مناطق النظام والمعارضة وتدخلات إيران وحزب الله وروسيا لمساعدة النظام واصبح الشمال السوري منطقة محررة يلجأ إليها الهاربون من النظام كذلك المجبرون على المغادرة بعد الحصار والقتل والقصف والتدمير الذي اصاب بلدات سورية كثيرة منها أحياء حلب الشرقية…
وبالعودة إلى حكاية شجون فقد يئست من كل شيء بعد سجنها وأدركت ظلم النظام وطائفيته وبطشه بالشعب وقررت ان تغادر الى تركيا، كانت بصحبة شمس، وصلت الى مخيمات السوريين الهاربين من الموت والقتل وظلم النظام، حاولت أن تساعد هناك كطبيبة لكنهم رفضوا مساهمتها مشككين بها طائفيا. ومن هناك غادرت الى تركيا وأرسلت وراء اولادها تحضرهم وتبدأ حياتها من جديد…
تتحدث شمس عن السوريين في تركيا وعن احتضان الدولة والشعب التركي لهم، ومع ذلك كانت المأساة أكبر من تمر دون انكسارات ومصائب على حياة السوريين خاصة الاطفال الذين فقدوا بعض ذويهم أو بدؤوا العمل ليعيلوا اهلهم وكيف تركوا التعلم وانخرطوا في تأمين لقمة عيشهم…
كذلك توقفت شمس عند ليلة ١٥ تموز ١٩١٦ حيث تمت محاولة انقلاب فاشلة، كانت ليلة مؤلمة على الأتراك والسوريين الذين خافوا من تبعات الانقلاب عليهم لو نجح حيث كان المعارضين للرئيس أردوغان يتلاعبون بالسوريين كورقة سياسية. ومازالوا…
الحمد لله سقط الانقلاب واستمر احتضان السوريين…
تعود شمس لتتحدث عن انتصار حب شجون للحبيب الذي التقت به أخيرا ولتبني معه حياة جميلة بعد عمر من الالم…
تنتهي الرواية عند ربط الحب بين دمشقية وبغدادي لعلها الكاتبة أو شمس لتقول لنا ان حبا آخر حصل يربط بين دمشق وبغداد كما كان عبر التاريخ…
هنا تنتهي الرواية.
وفي التعقيب عليها اقول:
لقد كانت تقسيمات الرواية على شكل مقاطع تبدأ نثريات أقرب للشعر، وكذلك تنقلات الكاتبة بين شخصياتها التي تتابعها، شمس وشجون ودلع وام شجون وغيرهم… وكذلك التنقل في الزمان والمكان دون ضابط إلا في ذات الكاتبة، جعلني اتعب في التقاط خيوط الحدث وعمّن يتم الحديث وماذا بعد…؟.
لكن ذلك لم يمنع من استمرار الاحساس اننا امام نص مشغول بشغف وحب ولذلك وصل إلينا بكل عمقه وعنفوانه ومصداقيته…
كذلك مثل أغلب الروايات التي تكتبها نساء سوريات، يبقى الهاجس النسوي حاضر… انتصار للمرأة وحقوقها. كشف مظلوميتها، رفض كل المبررات المجتمعية التي تجعل المرأة في موق الدون او تابع او ضحية نزوات الرجال وغوايتهم ومصالحهم..
تنتصر الرواية لحق المرأة أن تعيش انسانيتها وان يُعترف بأنوثتها وحقوقها كاملة…
وأن يتم فك الربط بين الشرف والكرامة بعرض المرأة ، الشرف والكرامة ترتبط بالبعد الإنساني العام والحقوق المتساوية للرجال والنساء…وان يتم محاسبة الرجال على اخطائهم بحق النساء وليس معاقبة النساء فقط…الخ.
الثورة السورية حاضرة بقوة في الرواية، التظاهر خروج الناس رافضة الظلم والاستبداد، ردة فعل النظام، القتل والاعتقال والتهجير وتدمير البلدات والمدن واستجلاب المستعمر الخارجي للحفاظ على الحكم ولو على حساب حياة السوريين جميعا. الذين اصبحوا بين قتيل ومعتقل ومهجر وصامت وخانع وانتهازي…
السوريين الذين خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية… دفعوا الثمن الاغلى ومازالوا يدفعون.