يعتبر العمل التطوعي الرمز الأهم من رموز تقدم الأمم وازدهارها، فالشعوب كلما ازدادت في التقدم والرقي، ازداد انخراط مواطنيها في أعمال التطوع الخيري. كما يعد الانخراط في العمل التطوعي مطلبًا من متطلبات الحياة المعاصرة التي أتت بالتنمية والتطور السريع في كافة المجالات. إن تعقد الحياة الاجتماعية وتطور الظروف المعاشية، والتغيرات الاجتماعية، والاقتصادية والأمنية والتقنية المتسارعة، تملي علينا أوضاعاً وظروفاً جديدة، تقف الحكومات (أحياناً) عاجزة عن مجاراتها.. مما يستدعي تضافر كافة جهود المجتمع، الرسمية والشعبية، لمواجهة هذا الواقع، وهذه الأوضاع. ومن هنا يأتي دور العمل التطوعي الفاعل في ظل غياب الدولة عن الفعل وتغاضيها عن ذلك.
إن تزايد الطلب على الخدمات الاجتماعية، نوعاً وكمًا، وخاصة في حالة الثورات والحروب أصبح يشكل تحدياً أمام الجميع، مما يتطلب وجود جهات مساندة، خصوصاً وأن الهيئات التطوعية مفضلة عن سواها.
تعريف التطوع:
يعرف التطوع بأنه: الجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل (لمجتمعه) بدافع منه، للإسهام في تحمل مسؤولية المؤسسة التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية. وهو أيضا بذل مالي أو عيني أو بدني أو فكري، يقدمه الفرد عن رضا وقناعة، بدافع إنساني بدون مقابل بقصد الإسهام في مصالح مفيدة للمجتمع، يحتاج إليها قطاع من الناس.
وهو أيضا: خدمة إنسانية وطنية تهدف إلى حماية الوطن وأهله من أي خطر. والمتطوع: هو الشخص الذي يسخر نفسه عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية، لمساعدة الآخرين، بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد القوى في اتجاه واحد.
أهمية العمل التطوعي:
يعتبر التطوع في بعض البلدان إلزاميا للذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية، ممن هم في سن /20-60/ سنة… وتتأتى أهمية العمل التطوعي حسب تصنيفات علمية بحثية من خلال ما يلي:
- تكميل العمل الحكومي وتدعيمه، لصالح المجتمع، عن طريق رفع مستوى الخدمة أو توسيعها.
- توفير خدمات قد يصعب على الإدارة الحكومية تقديمها، لما تتسم به الأجهزة التطوعية، من مرونة وقدرة على الحركة السريعة.
- تطبيق الأسلوب العلمي، من خلال خبراء متطوعين، وصنع قنوات اتصال مع منظمات شبيهة في دول أخرى، من دون حساسية، أو التزام رسمي، والاستفادة من تجاربها الناجعة، القابلة للتطبيق.
- استقدام خبرات أو أموال من خارج الوطن، عبر منظمات مهتمة بالمجال نفسه، بجانب المشاركة في ملتقيات أو مؤتمرات، لتحقيق تبادل الخبرات ومن ثم مزيد من الاستفادة والنجاح.
- التطوع ظاهرة مهمة للدلالة على حيوية الجماهير وايجابيتها، لذلك يؤخذ مؤشراً للحكم على مدى تقدم الشعوب.
- إبراز الصورة الإنسانية للمجتمع، وتدعيم التكامل بين الناس، وتأكيد اللمسة الحانية، المجردة من الصراع والمنافسة.
- ينظر إلى قطاع التطوع على أنه قطاع رائد، والسبب يرجع إلى كونه جهاز مستقل، وصغير الحجم، الأمر الذي يساعده على تجريب أمور جديدة، أو تغيير وتحسين الأمور القائمة. حيث لا يتوفر بالجهاز الحكومي.
- إن العمل التطوعي يزيد من لحمة التماسك الوطني، وهذا دور اجتماعي هام يقوم به العمل التطوعي، يشبه إلى حد كبير موضوع التبرع بالدم.
تصاعد الاهتمام بأخلاقيات العمل التطوعي:
تجدر الإشارة إلى أن الموجهات والأخلاقيات تختلف من مجتمع إلى آخر، كما أن هناك تنوعاً هائلاً للمواثيق الأخلاقية في العمل التطوعي.
وهناك الكثير من القيم والمفاهيم الأساسية في المواثيق الأخلاقية للعمل التطوعي، وان الاهتمام بأخلاقيات العمل التطوعي، هو جزء لا يتجزأ من الاهتمام العالمي بالتحليل الثقافي، وان الرؤية الثقافية للقيم والاتجاهات والأفكار والأخلاقيات مهمة للغاية، لكي تحدد مسارات المجتمع الأهلي المستقبلية.
إن الاهتمام بأخلاقيات العمل التطوعي، هو جزء من كل، يتراكم بقوة، في اتجاه وعي كوني يهتم بمؤشرات تكشف عن قيم تراجعت واندثرت، كالعمل التطوعي لدى الشباب، وأخرى تتسم بالاستمرارية، ومهم الحفاظ عليها.
ولعل البحث في موضوع (الأخلاقيات) ليس بالبساطة التي يبدو عليها الأمر، وهي أمر نسبي يرتبط برؤية مجتمعية.
والحقيقة فان العوامل التي تفسر تصاعد الاهتمام بأخلاقيات العمل التطوعي تكمن في:
- الزيادة الهائلة من المنظور الكمي والنوعي للجمعيات التطوعية، أو مؤسسات المجتمع الأهلي.
- ارتباط هذا التزايد المكثف بعدد المنظمات الدولية غير الحكومية، وخاصة تلك النشطة في مجال الإغاثة.
- تدفق التمويل، حيث لا بد من التأكيد على مبادئ المحاسبية والشفافية.
- العولمة بأبعادها الثقافية والقيمية والتكنولوجية.
المفاهيم والقيم الرئيسية للعمل التطوعي:
- الشفافية واحترام هذا المبدأ في تسيير شؤون الجمعية أو المنظمة.
- المساءلة والمحاسبية.
- عدم تحقيق منفعة شخصية وتجنب تضارب المصالح.
- المصداقية والثقة واحترام المنتفعين.
- احترام استقلالية الجمعيات التطوعية.
- القضاء و الحكم في النزاعات.
- التضامن والتعاون أي الانخراط في الجهود الجماعي للجمعية أو الجمعيات التي ينتمي إليها المتطوع، وذلك في إطار تضامني، ووضع المستفيد في صلب أنشطة الجمعية، خدمة لمصالحه حسب مبادئ الجمعية.
- احترام حقوق الآخرين بكل أشكالها، حقوق الطفل، حقوق المرأة حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وتعزيز احترام حقوق الناس في كل العمليات المنجزة.
- دعم ثقافة المشاركة والتشاور وتدبير الخلافات بشكل ديمقراطي، خدمة للشأن المحلي والحكومي مع احترام نظام الجمعية وطريقة تسييرها.
- التضامن وتحمل المسؤولية لتنمية الجمعية وتطوير مقاربات العمل، مما يضمن مشاركة واستفادة التعاون مع باقي الفاعلين داخل الجمعية، من متطوعين ومسيرين، والعمل لخلق محيط مشجع على العطاء.
- الاستقامة والنزاهة والتشبث بهما، وعدم قبول أي مقابل مادي لمجهودات المتطوع داخل الجمعية.
- احترام مبدأ السرية أثناء مزاولة مهمته، والانخراط في ميثاق أخلاقيات الجمعية والالتزام بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بمهامه داخل الجمعية إلا عند الاقتضاء.
عوامل نجاح العمل التطوعي:
في الواقع فان هناك مقومات وأسباب تأخذ بالعمل التطوعي نحو النجاح، ولذلك من الأهمية بمكان معرفة أسباب النجاح ليتم تفعيلها وتثبيتها. وفي المقابل معرفة الأسباب التي تؤدي إلى الفشل والإخفاق ليتم البعد عنها، وعلاجها في حال الوقوع فيها، أو في بعضها، وبالتالي فان معالجة المعوقات تعد من العوامل الهامة والمساعدة في النجاح. ولعل من أسباب نجاح العمل التطوعي:
- أن يتفهم المتطوع بوضوح رسالة الجمعية وأهدافها.
- أن يوكل بكل متطوع العمل الذي يتناسب مع إمكانياته وقدراته.
- فهم المتطوع للأعمال المكلف بها والمتوقع منها.
- أن يلم المتطوع بأهداف ونظام وبرامج وأنشطة الجمعية وعلاقته بالعاملين فيها.
- أن يجد المتطوع الوقت المطلوب منه قضاؤه في عمله التطوعي بالجمعية.
- الاهتمام بتدريب المتطوعين على الأعمال التي سيكلفون بها حتى يمكن أن يؤدوها بالطريقة التي تريدها الجمعية.
- إيضاح الهيكل الإداري للجمعية والمتطوعين.
- إجراء دراسات تقويمية لأنشطة هؤلاء المتطوعين.
قيم والتزامات وأخلاقيات المتطوعين:
من الأخلاقيات المطلوبة للمتطوعين، والتي لا بد منها في أي عمل تطوعي، بالإضافة إلى ما تحدثنا عنه يمكن التركيز على الآتي:
- يلتزم المتطوع باحترام قيم وأخلاقيات فعله الإداري.
- النشاط التطوعي هو اختيار حر، لا يخضع لروابط التبعية بمفهومها القانوني، بين الجمعية ومتطوعيها، مع احترام قواعد وتوجيهات العمل.
- يلتزم المتطوع ببذل قصارى جهده لإنجاح المهام المسندة إليه.
- يلتزم المتطوع بالمشاركة في كافة البرامج المقترحة من طرف الجمعية، كما يمكن للطرفين إنهاء تعاونهما في أي وقت.
- يلتزم المتطوع بقبول الأنشطة التي تندرج ضمن تخصصه، وتتناسب مع أولوياته ومدى تفرغه.
المبادئ الأساسية للتطوع:
من المبادئ الأساسية للتطوع والمرتبط بالضرورة بالقيم والأخلاقيات بشكل مباشر ومتماسك والذي يدفع باتجاه عمل تطوعي أفضل، وأكثر رقياً ووعياً بآليات العمل:
- التطوع هو اختيار إرادي نابع من دوافع وخيارات شخصية.
- ينبغي أن يكون التطوع في متناول جميع الأشخاص، بغض النظر عن الجنس والسن والجنسية والعرق والخيارات السياسية والفلسفية والدينية، وكذا الشروط الاجتماعية والقدرات البدنية والمادية.
- يتم العمل التطوعي في إطار أخلاقي إنساني، يحفظ كرامة الفرد المتطوع، والأفراد المستفيدين من عمله.
- يحرص العمل التطوعي على الاستجابة لحاجيات المجتمع، من خلال الحث على مشاركة الجماعة والتدبير الديمقراطي للخلافات.
- يعزز العمل التطوعي روح المبادرة والابتكار والمسؤولية، وكذا الإدماج والمشاركة الاجتماعية.
معوقات العمل التطوعي:
هناك معوقات كثيرة منها ما هو متعلق بالمتطوع، ومنها ما هو متعلق بالجمعية الخيرية ذات العلاقة، ومنها ما يتعلق بالمجتمع ذاته، وجميعها تعيق ماهية العمل الإنساني التطوعي بشكل من الأشكال ونحدد ذلك وفق الآتي:
معوقات متعلقة بالتطوع:
- الجهل بأهمية العمل التطوعي.
- عدم القيام بالمسؤوليات التي أسندت إليه في الوقت المحدد، لان المتطوع يشعر بأنه غير ملزم بأدائه في وقت محدد خلال العمل الرسمي.
- السعي وراء الرزق وعدم وجود وقت كاف للتطوع.
- عزوف بعض المتطوعين عن التطوع في جمعيات ليست قريبة من سكنهم.
- تعارض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة، مما يفوت عليه فرصة الاشتراك في العمل التطوعي.
- بعضهم يسعى لتحقيق أقصى استفادة شخصية ممكنة من العمل الخيري وهذا يتعارض مع طبيعة التطوع المبني على الإخلاص.
معوقات متعلقة بالجمعية أو المنظمة:
- عدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين تهتم بشؤونهم وتعينهم على الاختيار المناسب حسب رغبتهم.
- عدم الإعلان الكافي عن أهداف الجمعية وأنشطتها.
- عدم تحديد دور واضح للمتطوع وإتاحة الفرصة للمتطوع لاختيار ما يناسبه بحرية.
- عدم توافر برامج خاصة لتدريب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل.
- عدم التقدير المناسب للجهد الذي يبذله المتطوع.
- إرهاق كاهل المتطوع بالكثير من الأعمال الإدارية والفنية.
- المحاباة في إسناد الأعمال، وتعيين العاملين من الأقارب من غير ذوي الكفاءة.
- الشللية التي تعرقل سير العمل.
- الإسراف في الخوف وفرض القيود إلى حد التحجر وتقييد وتحجيم الأعمال.
- الخوف من التوسع خشية عدم إمكان تحقيق السيطرة والإشراف.
- البعد عن الطموح والرضا بالواقع دون محاولة تغييره.
- الوقوع تحت أسر عاملين ذوو شخصية قوية غير عابئين بتحقيق أهداف الجمعية وتطلعاتها.
- الخوف من الجديد ومن الانفتاح والوقوع في أسر الانغلاق.
- اعتبار أعمال الجمعية من الأسرار المغلقة التي يجب عدم مناقشتها مع الآخرين.
- تقييد العضوية أو الرغبة في عدم قبول عناصر جديدة فتصبح الجمعية حكراً على عدد معين.
كما أن هناك معوقات أخرى تتعلق بالمجتمع:
معوقات متعلقة بالمجتمع:
- عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إليها.
- اعتقاد البعض بأن التطوع مضيعة للوقت والجهد وغير مطلوب.
- عدم إشاعة روح التطوع بين أبناء المجتمع منذ الصغر.
- عدم وجود لوائح وتنظيمات واضحة تنظم العمل التطوعي وتحميه.
خاتمة:
إن الاتفاقيات الأخلاقية هي ما نعبر عنه بالمواثيق الأخلاقية أو مدونات السلوك، والتي تتضمن الخطوط الاسترشادية القيمية السلوكية. التي يتم الاتفاق حولها في إطار المجموعة المعنية.
وهنا لا بد من الحديث في الختام عن ما يمكن تسميته بميثاق الشرف الأخلاقي للجمعيات التطوعية أو للمتطوعين، أو لمنظمات المجتمع الأهلي، وقد نص ميثاق الشرف الخاص بالمتطوعين العاملين في الجمعيات والبرامج غير الربحية على ما يلي:
” انطلاقاً من الإرادة الحرة والالتزام الأخلاقي ، فأنا أتطوع من أجل نفسي، ومن اجل وطني ومجتمعي ، حضني في الصغر ومأواي في الكبر ، أتطوع لنغير معاً الواقع للأفضل ، ونحقق الحلم واقعاً ، وعلى ذلك ألتزم بالمبادئ التالية : ألتزم بالقيم والأخلاق واحترام الذائقة الاجتماعية ، وأتقيد بأنظمة وقوانين الدولة والجهات التي أتطوع بها ، وأبادر بالمساعدة دون التطلع لعائد، أو انتظار ثناء، وأعمل مع أطياف المجتمع المختلفة بروح الجماعة وقلب المحب ، وأسمو عن كل خلاف أو مصلحة خاصة لتحقيق الصالح العام ، وأطور من ذاتي باستمرار وأنقل المعرفة بتواضع لمحيطي ، وأكتم كل سر وأستر على كل أمر لفرد أو منظمة وأتحمل كافة الضغوط وأواجه التحديات بايجابية ، وأفصح عن أي معوقات أو ملاحظات وأشارك أفكاري بشفافية ، وأحافظ على أولوياتي الحياتية قبل أن أتطوع ، وأكون نموذج قيمي وقدوة لغيري . “
وهذا الميثاق مع ميثاق الشرف الخاص بالجمعيات التطوعية يشكل ملاذاً ومنطلقاً لعمل تطوعي قيمي، يركز على أخلاق وقيم هذا العمل، بحيث يُؤتي أُكله بشكل أرقى وأفضل.