سامر القطريب
يقول تقرير لـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومركز العمليات الانتقالية الدستورية إن الإحباط المتنامي نتيجة الفساد في سوريا كان أحد الأسباب الكامنة وراء الثورة السورية عام 2011. ويضيف أن بشار الأسد وعلى غرار أبيه حافظ الأسد، قام بشراء الولاء عبر منظومة محكمة من المحسوبية العائلية وجماعات المصالح، يضاف إليها اليوم أمراء الميليشيات “الأثرياء الجدد”.
لكن ما لم يستشرفه التقرير الأممي أن الإحباط سيتحول إلى يأس وقد ينقلب لدى السوريين إلى حالة دفاع عن الوجود للبقاء على قيد الحياة في بلد يغزوه الفقر وتنتشر فيه البطالة والفساد والمرض وتنعدم فيه الخدمات.
إفقار الطبقة الوسطى والقضاء على الفقراء في سوريا
وفقا لتقديرات خاصة لمسؤولين في النظام قبل اندلاع الثورة السورية وفقدان السيطرة على المناطق النفطية، فإن أكثر من 85 في المئة من إيرادات النفط السوري كانت تودع في حسابات مصرفية لآل الأسد وحلفائهم السياسيين.
كما شاع الابتزاز والزبائنية على نطاق واسع جدا في سوريا، فلم يكن أمام رجال الأعمال سوى الاختيار بين تقاسم الأرباح مع النظام أو إغلاق شركاتهم، وباتت الرشوة منتشرة في مستويات المجتمع كافة.
ويضيف التقرير أن أسباب الفساد ترتبط بعاملين في سوريا وهما الاستبداد وسياسات النظام السوري الاقتصادية. ويشير إلى أن الديمقراطية تؤدي إلى طرد الفاسدين من مراكز السلطة وإعادة توزيع الثروة ومحاربة الرُّشا وهي البيئة التي لا يستطيع النظام السوري العيش خارجها.
يلفت التقرير إلى أن دراسات ربطت بين مستوى الفساد وانخفاض النمو الاقتصادي، حيث يقل توجه المستثمرين الدوليين للاستثمار في الدول التي تعبتر فاسدة، وكان التقرير الأخير لمؤشر الفساد العالمي قد قال إن سوريا من أكثر الدول فسادا.
وربطت الدراسات أيضا بين ارتفاع حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض مستوى الفساد، فكلما ارتفع مستوى دخل الفرد قل الفساد، إلا أن مستوى دخل الفرد في سوريا كان يتدهور بسبب سياسة النظام الاقتصادية التي أفقرت الطبقة الوسطى وقضت على الفقراء، حيث تقول الأمم المتحدة إن 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر.
ويشير التقرير إلى ضرورة أن يكون دخل موظفي الحكومة جيدا كي يبتعدوا عن قبض الرُّشا واختلاس الأموال، وهو ما يتكشف في سوريا عبر حوادث تنتج عن الفساد كان آخرها سقوط المهندسة ندى داؤد في حفرة بأحد شوارع اللاذقية نتيجة الفساد في مؤسسات النظام والإهمال.
ومن السياسات الاقتصادية التي اتبعها النظام وضع الحواجز أمام الدخول إلى السوق المحلية وجعله مشروطا بدفع الرشوة، وأدى ذلك إلى السماح لاحتكارات مدعومة من حكومة النظام وأجهزته الاستخبارية إلى ابتزاز المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، ومثال ذلك شركة قاطرجي وأرفادا وbs المنشأة حديثا والمملوكة للإخوة قاطرجي أيضا، وقبلها سيريتل لـ رامي مخلوف ابن خالة رئيس النظام بشار الأسد وشركة شام القابضة التي قدر حجم نشاطها بـ بـ 60 في المئة من نشاط الاقتصاد السوري.
الخصخصة.. من يسيطر على الاقتصاد السوري وما أهم القطاعات المستهدفة؟
تقول دراسة لمركز حرمون إن النظام السوري “لم يعدّ الفساد واحدا من نقاط ضعفه، وإنما واحدا من نقاط قوته ومرونته التي تساعده في التكيف السريع، وخصوصا في ظل الأزمات”.
وتضيف أنه “يصعب تعيين الاقتصاد السوري ضمن نمطية مدرسية واحدة، فلا هو ينتمي إلى الاقتصاد الحر على الرغم من محاولة لبرلته الانتقائية تحت غطاء اقتصاد السوق الاجتماعي، ولا تمنحه بعض الشكليات الاقتصادية المأخوذة من “المعسكر الشرقي” سابقًا صفة الاقتصاد الاشتراكي المقترن برأسمالية الدولة، ولا يمكن الاكتفاء بترسيمه ضمن الاقتصادات المتخلفة التابعة للخارج، بما يخلق ذلك من ضبابية على الصورة، ولا يمكن أيضًا حصره في مفهوم الاقتصاد الريعي القائم على شراء الولاءات الشعبية عبر توزيع جزء من العائد، ولا حتى باقتصادات الدول الشعبوية التسلطية كتجربة ناجحة بما تحمل من دلالات سياسية أكثر منها اقتصادية”.
ويتابع المركز في تأكيده على شبكة الفساد والمحسوبية السياسية التي أنشأها النظام أنه “وعلى الرغم من هذا اللاتعيين والتخبط، والتجريب أيضا، في طبيعة الاقتصاد السوري وخصوصا، مع الرئيس الابن، ومحاولاته المتعددة في منح الاقتصاد مزيدا من الحريات غير القابلة للصرف في المستوى السياسي والأمني، إلا أن هذا الاقتصاد بقي وظيفيّا شديد الاتساق داخليّا في ما يتعلق بالغاية النفعية للقوى الفاعلة في مركزي القرارين الاقتصادي والسياسي، اللذين سبق لهما التوحد عضويّا في قطبية واحدة”.
ولاحقا أدت خطوط الائتمان والدعم الإيراني والروسي للنظام إلى تراكم الديون والتي بدأت حكومة النظام تسديدها على شكل منح مشاريع وامتيازات للروس والإيرانيين على غرار عقد مرفأ طرطوس وفضيحة مشغل الخليوي الثالث وصلاته بإيران.
مجلة الاقتصاد والنقل السورية نشرت في عام 2010 قائمة بأسماء أهم مئة رجل أعمال في سوريا، من دون أن تذكر رجال الأعمال المنتمين إلى آل الأسد ومخلوف ـ شاليش وعائلات خدام وطلاس والشهابي وسليمان إلخ، لكن العينة أوضحت أن 23 في المئة منها هم أبناء مسؤولين أو شركائهم أو واجهاتهم، و48 في المئة رجال أعمال جدد، لكن لمعظمهم علاقات وطيدة ولولبية بأجهزة الدولة، و22 في المئة من عائلات تجارية كانت موجودة قبل التأميم واستعادت دورها بشراكاتها مع قيادات الدولة، ونحو 7 في المئة هم رجال أعمال يتمركز نشاطهم الرئيس خارج سوريا، وكان من اللافت أن رجال الأعمال السوريين معظمهم يتركز نشاطهم في سوريا وحدها”. هذه الطبقة تلاقت مصالحها مع الميليشيات التي أصبحت ذات نفوذ في سوريا، حيث نشأ بينهم شراكة لاستثمار اقتصاد الحرب في سوريا، وطالت عقوبات قيصر معظمها.
أمراء الحرب والفساد بعد 2011.. أسماء بارزة
في 30 من آذار 2018 أعلنت حكومة النظام عن تأسيس شركة أرفادا المساهمة المغفلة والتي تختص بالاستثمار وتقديم كل الخدمات النفطية ولمدة 50 عاما بما فيها بيع وشراء النفط الخام داخليا وخارجيا، وبحسب ما يبدو فالعقد هو احتكار للشركة المملوكة لـ حسام بن أحمد رشدي قاطرجي ومحمد براء بن أحمد رشدي قاطرجي وأحمد بشير بن محمد براء قاطرجي، وهي الاسم الأكثر تداولا في سوريا والمعاقب أميركيا وأوروبيا.
كما فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على رجل الأعمال السوري البارز سامر فوز وأفراد أسرته، المقربين من بشار الأسد، وبحسب واشنطن فقد جنوا الملايين من خلال تطوير عقارات على أراض تم الاستيلاء عليها من المهجرين واللاجئين.
وتقدّر تقارير المنظمات غير الحكومية والتقارير الإعلامية أن بشار الأسد وزوجته أسماء يمارسان نفوذاً كبيراً على جزء كبير من ثروة سوريا، ويعتبران من أكبر اللاعبين الاقتصاديين في النظام، عبر استخدام شركات وشبكات لغسيل الأموال من الأنشطة غير المشروعة، وتحويل الأموال لدعم النظام، وتخترق هذه الشبكات جميع قطاعات الاقتصاد السوري.
وصنّف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بشار الأسد على قائمة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي رقم 13573 في 18 من أيار من العام 2011، في حين صُنفت زوجته أسماء بموجب الأمر التنفيذي رقم 13894 في 17 من حزيران من العام 2020.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا