معقل زهور عدي
أحدثت الحرب الأوكرانية تصدعا في النظام الدولي الذي كان سائدا من قبل , وأعادت فرز القوى الدولية على نحو غير قابل للرجوع , فروسيا الدولة العظمى انتقلت إلى خانة الدولة العدوة بالنسبة للغرب بعد أن تخطت الخطوط الحمر باختراقها الحدود الدولية التي قررتها الحرب العالمية الثانية وضمها لأراضي دولة أخرى مستقلة ومعترف بها , بعد أن حاولت إسقاط نظامها بالقوة المجردة من أي مشروعية قانونية , وباصطفاف الغرب بطريقة حاسمة وراء أوكرانية تحولت الحرب الأوكرانية إلى حرب عالمية بالوكالة وأصبحت أوكرانيا رأس حربة حلف الناتو , وشيئا فشيئا ترسخ ذلك الواقع واتسع نطاقه ليشمل العزل السياسي لروسيا والعقوبات الإقتصادية التي لم يسبق لها مثيل , وليس هناك اليوم مايوحي بإمكان حل الصراع بطريقة سلمية , وكل المؤشرات تدل على أن الصراع سيستمر عسكريا واقتصاديا وسياسيا لغاية استنزاف أحد الطرفين بطريقة لايعود معها قادرا على الإستمرار مما يضطره للتراجع , وعلى الغالب فروسيا هي المرشحة للوصول لتلك الحالة التي تشبه لحظة إعلان الخميني وقف الحرب مع العراق بعد ثمانية أعوام استهلكت فيها إيران طاقتها العسكرية والإقتصادية دون أن تتمكن من هزيمة الجيش العراقي آنذاك . يومها أعلن الخميني وقف إطلاق النار قائلا إنه اضطر لذلك كمن يتجرع السم . ومثل كل الحروب ذات الطابع العالمي فهناك دائما حلفاء لهذا الطرف أو ذاك , ودول أخرى تفضل الإلتزام بالحياد إن استطاعت . والغرب اليوم بقيادة الولايات المتحدة بالطبع يقوم بمراجعة مواقف الدول في ضوء مواقفها من الحرب مع روسيا , مما يعد تغيرا هاما في العلاقات الدولية , ونحن نشهد أثر ذلك في التشدد تجاه المفاوضات مع إيران بصدد الإتفاق النووي , فليس انهيار تلك المفاوضات بعيدا عن اصطفاف إيران إلى جانب روسيا وبيعها آلاف الطائرات المسيرة التي تضرب بها المنشآت الأوكرانية . ويمكن أن نشهد تصاعدا في المواجهة السياسية بين الغرب وإيران مالم تغير إيران سياستها نحو موقف محايد من الحرب الأوكرانية ويشمل ذلك الإبقاء على العقوبات الاقتصادية ودعم المعارضة الداخلية الإيرانية , فإيران لم تعد في انتظار رفع العقوبات الإقتصادية وصفحة الاتفاق النووي طويت إلى أمد غير معلوم . وفي ذات السياق يبدو أن الوضع في سورية قد بدأ يتأثر برياح الحرب الأوكرانية , فالغرب سمح بالوجود الروسي المؤقت في سورية لكن ذلك الوجود لم يعد مرغوبا الآن بعد تحول العلاقة مع روسيا نحو العداء , وربما يرتبط ذلك بالتوجه الأمريكي الجديد نحو تعزيز القواعد الأمريكية في سورية . سوف ينظر لكل من ايران وسورية كحلفاء للعدو الروسي وربما تتحدد الخطوط الرئيسية للسياسة الغربية تجاه البلدين من تلك الزاوية بغض النظر عن السياسات السابقة للحرب الأوكرانية . يواجه الغرب اليوم حقيقة تتمثل في تحول الحرب الروسية – الأوكرانية إلى صراع مصيري يفرض حشد كل الطاقات من أجل الإنتصار فيه , إذ لم يعد مقبولا أو متصورا السماح بانتصار روسي , تماما مثلما أن روسيا لاتقبل أو تتصور الهزيمة أيضا . وذلك لايعني أننا سنشهد حربا طويلة فقط , لكنه يعني وبالقدر ذاته أن كل التوازنات السياسية التي كانت قائمة قبل الحرب الأوكرانية والمرتبطة بالنظام الدولي السابق لم تعد قائمة اليوم . وأول الحلقات وأضعفها في تلك السلسلة من التوازنات السابقة هي تلك التي ارتكز عليها الستاتيكو السوري الحالي فهل بدأت تعصف رياح الحرب الأوكرانية بسورية؟