محمد أمين
في وقت لم يكن فيه البيان الصادر عن الجولة العشرين من اجتماعات مسار أستانة الخاص بالقضية السورية مختلفاً كثيراً عن سابقيه، ما خلا الحديث عن “تقدم” في إعداد خريطة طريق تضعها موسكو للتطبيع بين تركيا والنظام السوري، إلا أن المفاجأة جاءت من الجانب الكازاخي الذي اقترح إنهاء هذا المسار، معتبراً أن المحادثات حققت أهدافها. لكن الجانب الروسي بدا مصراً على استكمال هذه الاجتماعات، بالإعلان عن أنها يمكن أن تُعقد في مكان آخر.
وكرر الثلاثي الضامن لتفاهمات مسار أستانة (روسيا، تركيا، إيران) في بيان صدر في أعقاب انتهاء الجولة العشرين من هذا المسار التي عُقدت يومي أول من أمس الثلاثاء وأمس الأربعاء، “الالتزام الثابت بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية”. وناقشت الدول المشاركة في الاجتماع، “التقدم المحرز في إعداد خريطة الطريق بشأن مشاورات تطبيع العلاقات التركية-السورية”.
وأعلن الثلاثي استمرار التهدئة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، مشيراً في البيان إلى أنه جرى الاتفاق على “بذل المزيد من الجهود لضمان التطبيع المستدام للوضع. وشددنا على الحاجة إلى الحفاظ على الهدوء على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع اتفاقات إدلب الحالية”.
واعتبر تجربة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية تندرج في “المبادرات غير القانونية للحكم الذاتي بذريعة مكافحة الإرهاب”. وجددت الدول الثلاث “عزمها على محاربة الأجندات الانفصالية التي تهدد الأمن القومي لدول الجوار (سورية)”.
أكد الثلاثي الالتزام بالنهوض بعملية سياسية قابلة للحياة، يقودها وينفذها السوريون، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254
وكرر الثلاثي إدانة الهجمات التي تشنها إسرائيل على الأراضي السورية، مشيراً إلى أن الصراع السوري “ليس له حل عسكري”، مؤكداً الالتزام بـ”النهوض بعملية سياسية قابلة للحياة وطويلة الأجل، يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254”.
كما شدد المشاركون في الجولة “على الدور الهام للجنة الدستورية السورية”، داعين إلى “عقد الدورة التاسعة في وقت مبكر للجنة الصياغة التابعة للجنة الدستورية”، والمتوقفة منذ منتصف العام الماضي بسبب شروط وضعها النظام من قبيل نقل مكان التفاوض من جنيف السويسرية، وهو ما ترفضه الأمم المتحدة حتى اللحظة.
اقتراح بإنهاء محادثات أستانة
لكن اللافت جاء من خارج اتفاق الثلاثي الضامن، إذ اقترحت كازاخستان، بشكل مفاجئ، إنهاء المحادثات. وقال نائب وزير خارجية كازاخستان كانات توميش إن هدف اللقاءات قد تحقق. وأضاف للصحافيين “يمكن اعتبار خروج سورية التدريجي من العزلة في المنطقة علامة على أن عملية أستانة أكملت مهمتها”. وتابع “بالنظر إلى عودة سورية إلى أسرة (الدول) العربية، نقترح الإعلان رسمياً أن الاجتماع العشرين لعملية أستانة هو الأخير”.
ومن الواضح أن هذه لم تكن خطة أطراف المفاوضات الثلاثة، إذ قالوا في بيان مشترك بعد المحادثات إن الاجتماع المقبل سيعقد في وقت لاحق من هذا العام. في المقابل، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف لافرنتييف “لا يمكن أن نقول إن عملية أستانة انتهت… لكن إذا قرر الجانب الكازاخستاني أن هناك حاجة لنقلها إلى موقع مختلف، فسنناقش ذلك ونختار مكاناً”.
مسؤول كازاخستاني: بالنظر إلى عودة سورية إلى أسرة (الدول) العربية، نقترح الإعلان رسمياً أن الاجتماع العشرين لعملية أستانة هو الأخير
وذكر أنه يمكن لروسيا وتركيا وإيران، على سبيل المثال، التناوب في استضافة الاجتماعات. وأضاف خلال مؤتمر صحافي في ختام الجولة العشرين من أستانة، إن “الصيغة أثبتت فعاليتها وستتواصل”، مشيراً إلى أنها “ليست مرتبطة بمكان معين”.
وكانت الجولة الأولى من مفاوضات مسار أستانة قد عُقدت في 23 يناير 2017، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعقب خروج المعارضة المسلحة من أحياء حلب الشرقية، وفق اتفاق روسي تركي.
ولكن هذا المسار لم يلعب أي دور في تعبيد الطريق أمام الحل السياسي، بل كان مدخلاً واسعاً للنظام لاستعادة أغلب الأراضي التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية. وتشير المعطيات إلى أن مسار أستانة لن يحافظ على شكله الراهن، وقد يتحول إلى مسار رباعي، بحيث يتم إضافة النظام السوري إلى هذا المسار، وعزل المعارضة عنه.
ورأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري للدراسات، محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن البيان الختامي للجولة العشرين من مسار أستانة “يعكس توافقاً على الإطار العام من دون التفاصيل، وهذا ما تظهره بيانات أستانة المكررة والفضفاضة”. وتابع: “التفاصيل لا تزال قيد المفاوضات، خصوصاً موضوع التطبيع التركي مع النظام الذي تحدث عن إقرار تركيا بضرورة الانسحاب التركي وجدولته، مع إبداء بعض المرونة الزمنية فيه، مما يشير إلى مضيّ ملف التطبيع قدماً ولكن ببطء كما هو متوقع”.
دفع لاستعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري
وميّز الجولة العشرين من مسار أستانة اجتماع رباعي ضم معاون وزير الخارجية والمغتربين في حكومة النظام أيمن سوسان، ونائب وزير الخارجية الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، وكبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، ونائب وزير الخارجية في الإدارة التركية بوراك أكتشابار.
وأشار البيان إلى أن المشاورات حول إعداد خريطة طريق لاستعادة العلاقات بين تركيا والنظام كانت “بنّاءة”، مشدداً على “أهمية مواصلة الجهود النشطة في هذا المجال، عملاً بالاتفاقات التي تم التوصل إليها في الاجتماعات الرباعية في موسكو لوزراء الخارجية في 10 مايو/أيار 2023، ووزراء الدفاع في 25 إبريل/نيسان 2023”.
ويبدو أن النظام السوري لم يتزحزح عن موقفه الذي يربط عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة بـ”إقرار تركيا بسحب قواتها من الأراضي السورية، وفقاً لجدول زمني واضح وخطوات محددة والبدء بهذا الانسحاب فعلاً”، وفق أيمن سوسان.
وأكدت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أن سوسان قال خلال الاجتماع الرباعي الذي عقد الثلاثاء إن الإقرار التركي بالانسحاب “يشكّل الأساس لبحث المواضيع الأخرى المتعلقة بعودة اللاجئين، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله، والعلاقات بين البلدين”.
ورأى المحلل السياسي التركي طه عودة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “النظام السوري يدرك أن أنقرة لن تنسحب من الشمال السوري، وأن موقف حكومة العدالة والتنمية بات أقوى بعد الانتخابات”. وأضاف أن النظام “يحاول رفع سقف المطالب للحصول على تنازلات من أنقرة، خصوصاً ما يتعلق بالحل السياسي وتطبيق القرار الدولي 2254، بحيث تنحصر علاقة تركيا بالملف السوري في مكافحة الإرهاب واللاجئين”.
المصدر: العربي الجديد