أحمد طه
ربما كان يوم 19 أيار / مايو 2023 هو اليوم الرسمي للتطبيع مع نظام الأسد حيث حضر هذا الأخير اجتماع الجامعة العربية. صحيح أن مقدمات عديدة كانت قد سبقت هذا الاجتماع كزيارة رأس النظام إلى الإمارات والتي جاء توقيتها في 19 آذار/ مارس وكأنها رسالة موجهة للثورة في ذكرى انطلاقتها، وما سبقها أيضًا من تصريحات من هنا وهناك صدرت معلنة أهمية الجلوس مع الأسد على طاولة الحوار، وكأنه -أي الأسد- قد أزال كل العوامل والمعوقات التي أدت إلى ما يسمى قطيعة، وأقول ما يسمى قطيعة لأنها لم تكن كذلك بالفعل، فنظرة فاحصة صغيرة إلى تطور الأحداث في سورية تؤكد أنه لم تكن هناك قطيعة مع نظام الأسد، فالمطلوب عالميًا وبقيادة الولايات المتحدة الأميركية هو تغيير سلوك النظام وليس تغييره، وقد اختبر النظام ذلك عدة مرات كان اختباره الأكبر لذلك هو استخدام السلاح الكيماوي الذي بدأ في آب/ أغسطس 2013، وكله ثقه أن شيئًا من العلاقات الطبيعية لن يتغير وبالفعل نجح الاختبار الذي كانت كلفته الوحيدة هي تسليم بعض من السلاح الكيماوي الذي استخدمه، وإبقاء كميات أخرى لاستخدامها الذي استمر حتى 2018، علمًا أن الإجراء الطبيعي في مثل هذه الحالة هي إحالة ملف سورية ليكون تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو لجان تفتيش لتثبت خلو البلاد من أسلحة كيماوية أو غير تقليدية أخرى، كما حصل في العراق على مدى سنوات، لضمان عدم استخدامها مرة أخرى ضد المدنيين، لكن أيّا من ذلك لم يحصل.
قد تفيد هذه السردية المختصرة كثيرًا في إثبات أن العلاقات بقيت طبيعية مع النظام رغم أن الظروف والانتهاكات واختراق قواعد القانون الدولي الإنساني لم تكن طبيعية، وما جرى في يوم القمة العربية هو وضع العلاقات فوق الطاولة بعد أن كانت تحتها .
وللتذكير فقد ساهمت الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية في حرف الثورة عن مسارها وتحويلها إلى حرب مفتوحة، وتمويل غرف عمليات كان هدفها الأساس هو حماية عاصمة النظام وعدم السماح للفصائل العسكرية الاقتراب منها. ألم يكن ذلك وقوفاً من تلك الأطراف إذا لم يكن مع النظام فهو ضد مجتمع الثورة وحاضنتها بكل تأكيد.
لكن يبقى لليوم الرسمي للتطبيع ووضع العلاقات مع النظام فوق الطاولة طعم خاص، فالرسالة أصبحت واضحة ولا مجال لتأويلها، كما كان يحب أن يفكر البعض قبل هذا اليوم من قادة الدول العربية سواء أولئك الذين لم يصلهم طوفان الربيع العربي أو الذين وصلوا إلى سدة الحكم بعد انتصار الثورة المضادة، وهي أن هذا الربيع الذي بدأ في تونس يجب أن ينتهي بأي ثمن لأنه سيهز عروشهم يومًا ما هذا على الصعيد العربي أما على الصعيد الدولي فنظام الأسد هو نظام وظيفي يقوم بمهمة يرتبط بقاؤه ببقائها واستمراره باستمرارها، فالروسي يرى فيه موقعاً استراتيجياً على المياه الدافئة وخصوصًا بعد حصاره في أكثر من موقع من قبل الناتو، والإيراني يراه فرصة لامتداد المشروع الفارسي وجسرًا يربط طهران ببيروت بعد بغداد، والأهم من هذا وذاك، كيف تراه إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية؟
في ظل هذا التطبيع العربي مع الأسد ومعارضته الخجولة حيناً أو الاتفاق معه أحيانًا أخرى من قبل الفاعلين الاقليمين والدوليين، لم يعد لنا كسوريين إلّا أن نعمل مع بعضنا ونتقبل الاختلاف فيما بيننا، وننسق الجهود سواء على صعيد مناصرة قضايانا أمام المحافل الدولية ليس أملاً فيها، وإنما تحضيرًا لملفات قد تستخدم يوماً، أو على صعيد تشكيل أجسام سياسية تعبر بشكل حقيقي عن مطالب السوريين لا عن مطالب الآخرين من السوريين.
المصدر: اشراق