عماد كركص
يعود ملف محاسبة النظام السوري على جرائم الحرب المتهم بارتكابها في سورية للظهور، بعد تطورات سياسية أحاطت بالملف السوري عموماً، خصوصاً بعد عمليات التقارب والتطبيع الأخيرة بين النظام ودول عربية، ولو بشروط، والاعتقاد بإمكانية عودته للحظيرة الدولية بعد ذلك. ويأتي الأمر الصادر عن محكمة العدل الدولية، للنظام السوري، أول من أمس الخميس، باتخاذ إجراءات لوقف التعذيب، كأول إجراء قانوني دولي بحق النظام، وسبقه بيوم واحد إصدار محكمة فرنسية مذكرة توقيف بحق رئيس النظام بشار الأسد، وشقيقه ماهر، وذلك على خلفية اتهامهما مع آخرين بالتورط بارتكاب مجزرة الكيميائي في الغوطة الشرقية عام 2013، وتلك المجزرة تعد من أكثر المجازر وحشية في سياق الحرب السورية المستمرة حتى اليوم.
وأول من أمس الخميس، أصدر قضاة محكمة العدل الدولية أمراً للنظام السوري باتخاذ إجراءات لوقف التعذيب في سجونه، في إطار تدابير طارئة في قضية رفعتها هولندا وكندا على دمشق في المحكمة. وقالت “العدل الدولية” في قرارها، إن النظام السوري “يجب أن يتخذ كل التدابير لمنع أعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو القصاص، القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.
مذكرة لاعتقال الأسد وشقيقه
ويوم الأربعاء الماضي، أصدر قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا مذكرات توقيف بحق رأس النظام السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر، واثنين من معاونيه (العميدان غسان عباس وبسام الحسن)، بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة، في ما يعد سابقة تاريخية، تضاف إلى خطوات أخرى كانت سبقتها في المحاكم الأوروبية والدولية.
وأشارت منظمات نشطت في تحريك الدعوى، إلى أن المذكرة التي تشمل الأسد وشقيقه الذي يقود الفرقة الرابعة في قوات النظام، وهي الفرقة الأكثر وحشية في التعامل مع السوريين، بالإضافة إلى عباس والحسن، جاءت بسبب استخدام الأسلحة المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، علماً أن جهات معارضة أخرى تشير إلى أن أعداد الضحايا تجاوزت 1450 مدنيا حينها.
وجاء هذا الإجراء القضائي الذي اتخذه قضاة التحقيق الفرنسيون في أعقاب تحقيق جنائي أجرته الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس، حول الهجومين بالأسلحة الكيميائية في أغسطس/آب 2013.
وفور إصدار المذكرة الفرنسية، أوضح نائب رئيس منظمة “ضحايا الأسلحة الكيميائية في سورية”، ثائر حجازي، في شريط مصور نشر على شبكات التواصل، أن “وجود ضحية فرنسي في الهجوم الكيميائي عام 2013 منح القضاء الفرنسي الولاية لفتح التحقيق في الدعاوى المقدمة”، مضيفاً: “قدمنا كل الأدلة والشهود للقضاء الفرنسي”.
وتابع حجازي: “هناك أدلة كافية تؤكد أن بشار الأسد أمر باستخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين طيلة سنوات الثورة”. واعتبر الخطوة الفرنسية بداية لـ”محاسبة كل المسؤولين عن الانتهاكات بحق السوريين”.
ويرأس العميد غسان عباس، الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، ويشغل العميد بسام الحسن، منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية السورية.
تدابير مؤقتة لـ”العدل الدولية”
وفي ما يتعلّق بقرار “العدل الدولية”، قال سامر ضيعي، وهو ناشط حقوقي يقيم في لاهاي الهولندية (حيث مقر المحكمة)، والمدير التنفيذي لـ”رابطة المحاميين السوريين الأحرار”، إن المحكمة بدأت أول جلسة في القضية التي رفعتها كل من هولندا وكندا في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن كان من المقرر أن تكون الجلسة في 15 يوليو/تموز، وذلك بسبب تخلف النظام عن حضور الجلسة لرفضه للدعوى، واصفاً الاتهامات بأنها تضليل وأكاذيب مما أضطر المحكمة إلى إلغاء الجلسة الثانية التي كانت مقررة للاستماع إلى دفاع النظام، مشيراً كذلك إلى أن النظام أرسل مذكرة يدفع بعدم الاختصاص القانوني للمحكمة عن طريق سفارته في بروكسل.
ونوّه الضيعي في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “النظام تخلف عن حضور جميع الجلسات، ما يعطي مسوغاً قانونياً للطرف الآخر في الدعوى للطلب من المحكمة أن تحكم لصالحه في الدعوى، ولكن يشترط على المحكمة وفق النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية واستناداً إلى نص المادة 53 الفقرة 2 أن تتحقق ليس فقط من اختصاصها وفق المادتين 36 و37 بل إن الدعوى قائمة على أسس صحيحة في الواقع والقانون”.
وأضاف الضيعي أن ذلك هدفه “أن تتمكن المحكمة من البتّ في موضوع التدابير المؤقتة وفق نص المادة 41 من نظامها الأساسي”. وأوضح أنه لهذا السبب “تقدمت هولندا وكندا بصفتهما دولتين طرفين في (اتفاقية مناهضة التعذيب)، بطلبات تدابير مؤقتة على سبيل الاستعجال وطلبتا من المحكمة على وجه السرعة الإشارة إلى التدابير المؤقتة، والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحقوق التي تشكل موضوع النزاع، بانتظار الفصل في القضية على أساس الوقائع”.
ولفت ضيعي إلى أنه بناء على القرار “يجب أن يقدم النظام تقريراً إلى المحكمة عن جميع الإجراءات المتخذة لإنفاذ أمرها بالتدابير المؤقتة خلال مدة ستة أشهر، وهذه التدابير في حال إقرارها من المحكمة سوف تفضح إجرام النظام السوري وتبين مدى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية”. وأشار كذلك إلى أنه “عند اتخاذ التدابير المؤقتة يجب على المحكمة أن تبلغ الأطراف ومجلس الأمن فوراً نبأ التدابير التي يرى اتخاذها، وهذا الإجراء يجعل لمجلس الأمن صلاحيات إلزام النظام السوري بتنفيذ هذه التدابير، حيث إن محكمة العدل الدولية تعتبر الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة”.
قرارات مهمة لمنع تزوير الحقائق
وحول تأثير قرار المحكمة ومذكرات التوقيف الفرنسية على مسار العدالة في سورية، وعلاقتهما بالإطار السياسي للملف السوري عموماً، رأى الخبير القانوني محمد صبرا، وهو مسؤول سابق في المعارضة السورية، أن “تأثير قرار المحكمة من الناحيتين السياسية والقانونية مهم جداً بالنسبة لنا كسوريين نصارع من أجل ألا تموت السردية السورية، لا سيما في ظل المحاولات الكبرى لغسل أيدي النظام من الجرائم التي ارتكبها، وصناعة سرديات جديدة تزور الحقائق”.
وأضاف صبرا في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هذه الدعاوى والقرارات والمذكرات، تقف في وجه تزييف الحقائق حالياً، وتغير مجرى الأمور المتعلقة في الشأن السوري في المستقبل، وذلك على الرغم من آثارها الحالية والواقعية والتي من المؤكد أنها لن توقف التعذيب، لكن قرار محكمة العدل بالنسبة للسوريين مكسب من أجل حماية مستقبل السوريين”. وأكد أن “الدعوى المقدمة أمام المحكمة الدولية، قدمتها كندا وهولندا لانتهاك النظام الالتزامات المترتبة عليه في اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها سورية حوالي عام 2005”.
أما بخصوص مذكرات التوقيف التي صدرت بحق الأسد وشقيقه وضابطين متورطين في مجزرة الكيميائي في الغوطة، فاعتبر صبرا أنها بالفعل “سابقة تاريخية، لأنه لم يسبق لأي قضاء وطني في أي دولة من العالم، أن أصدر مذكرة توقيف بحق رئيس دولة على رأس عمله، وهذه السابقة مهمة لكون تطوير مفهوم الولايات المحاكم الوطنية لتصبح أكثر شمولاً بالتصدي لجرائم الإبادة الجماعية، هو تطور مهم على صعيد القانون الدولي وعلى صعيد مفهوم التضامن الإنساني من أجل منع ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وخصوصاً جرائم الحرب”.
وحول نطاق ولاية المذكرات التي أصدرتها فرنسا بحق الأسد وضباطه، أشار صبرا إلى أن “القضاء الفرنسي هو جزء من اتفاقيات وتفاهمات ضمن الاتحاد الأوروبي، أي أن 27 دولة ملتزمة حكماً بتنفيذ مثل هذه المذكرات، إضافة إلى ذلك هناك فضاء أوسع من الاتحاد الأوروبي وهو الفضاء الأوروبي المرتبط باتفاقيات لا سيما في مجلس أوروبا للأمن الذي يضم حوالي 50 دولة، بالإضافة لكون (يوروبول – الشرطة الأوروبية) ملتزمة بتنفيذ هذه المذكرات في حال إرسالها من قبل القضاء الفرنسي، علاوة على تحريكها في الإنتربول الدولي في المستقبل”. وأشار صبرا إلى أن تراكم القرارات والدعاوى والمذكرات القانونية الوطنية والدولية، كلها تثبت عدم إفلات بشار الأسد ونظامه من العقاب، وتوقيف تعويمه عربياً وإقليمياً.
المصدر: العربي الجديد