سارة شريف
المداولات التي تجري في محكمة العدل الدولية، بشأن الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا، والتي تطالب المحكمة بإقرار وجود نية إسرائيلية لارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، وإصدار أمر فوري بوقف إطلاق النار، من المتوقع صدور قرار فيها خلال الأسابيع القادمة.
في لاهاي، هم بحاجة إلى إثبات وجود نية لدى إسرائيل لارتكاب الإبادة الجماعية، والتي يكمن تعريفها وفقاً لقاموس كامبريدج، بأنها “جريمة التدمير المتعمد لجزء أو كل مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية عن طريق قتل أشخاص أو بطرق أخرى”. ولأنه لا يوجد شك في أن اسرائيل قتلت وأصابت الكثير من الفلسطينيين في القطاع، فإن النقاش الأساسي في المحكمة حول مسألة النية، يتمحور حول هل إسرائيل كانت تقصد عمداً المس بالفلسطينيين هناك لكونهم فلسطينيين، حسب ادعاء جنوب إفريقيا، أو أنها تريد فقط المس برجال حماس كما تدّعي؟
وعليه يكون السؤال: هل ستتمكن الدعوى من إثبات ذلك؟ وما هي الثغرات القانونية في الدعوى؟ وما التوقعات حول القرار وتداعياته على إسرائيل؟
هل تورط الدعوى إسرائيل؟
تعتمد الدعوى التي قدّمتها جنوب إفريقيا، ضد إسرائيل، والتي تهدف إلى إثبات تهمة ارتكابها إبادةً جماعيةً، على محورين؛ الأول المعطيات العددية الصعبة في الحرب على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مع أكثر من 23 ألف قتيل خلال 3 أشهر، من ضمنهم 7،729 طفلاً، وإصابة 55،243 إنساناً بدرجات متفاوتة من الجراح. وإلى ذلك، دمّرت إسرائيل 355 ألف منزل، وقامت بتهجير 1.9 ملايين إنسان. وهذه المعطيات كلها لا يمكنها إلا أن تثير شبهة وقوع إبادة جماعية.
أما المحور الثاني، فالتصريحات المنافية للمنطق، الصادرة عن شخصيات مركزية في إسرائيل حول الحاجة إلى “تطهير” غزة من سكانها، أو القضاء عليهم، وكذلك عدم وجود فرق بين عناصر “حماس” وغيرهم من الغزّيين، وهي التصريحات التي تثير شبهةً قويةً بشأن “نية” القيام بتطهير عرقي.
فقد جرى الاستشهاد بما كتبه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “تذكروا ما فعله العماليق بكم”، وما قاله وزير الدفاع يوآف غالانت، عندما هدد: “سنقطع الكهرباء والمياه والطعام والوقود عن غزة. سنوقف كل شيء، لأن إسرائيل تحارب حيوانات، أردتم جحيماً، وستحصلون عليه”، ودعوة الوزير يسرائيل كاتس، الذي أصبح الآن وزيراً للخارجية، إلى إغلاق حنفية المياه إلى غزة لأن “هذا ما يستحقه قتَلة الأطفال”. كذلك وزير التراث عميحاي إلياهو، الذي اعتقد أن إلقاء قنبلة نووية على غزة أمر ممكن، كما جرى الاستشهاد أيضاً بكلام رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، عندما قال: “الخطاب القائل بأن المدنيين غير ضالعين في القتال غير صحيح”، “وسنقاتل حتى نهزمهم”.
حول مدى نجاح الدعوى، يعلّق كميل البوشوكة، الباحث في مجال القانون الدولي قائلاً: “أعتقد أن الدعوى القضائية ستنجح ضد إسرائيل، لكن القرار النهائي يستغرق وقتاً. على سبيل المثال، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تم رفع دعوى قضائية ضد ميانمار، بتهمة الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينغا، لكن القرار لم يصدر بعد، على الرغم من دعم العديد من الدول الغربية للدعوى المرفوعة ضد ميانمار، بالإضافة إلى العديد من الدول الإسلامية، ولذلك طالبت جنوب إفريقيا محكمة العدل باتخاذ قرار سريع بوقف الحرب، ومن ثم النظر والبحث في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة”.
كيف تردّ إسرائيل على الدعوى؟
لدى إسرائيل عدد من الثغرات القانونية التي يمكنها استخدامها لتفلت من الإدانة بارتكاب الإبادة لجماعية، فبالنسبة إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لم يكن أي منها ضمن بيانات رسمية أو بيانات قانونية؛ وكان العديد من هذه التصريحات من قبل مسؤولين ليس لهم تأثير حقيقي على الحرب. كما حاولت إسرائيل خلال المحاكمة إثبات أن هناك حداً فاصلاً بين تصريحات شخصيات سياسية، وبين الأوامر التي تصدر إلى القوات في الميدان، وذلك حسب تقرير لموقع “تايمز أوف إسرائيل” في نسخته باللغة الإنكليزية، حيث أوضح الفريق القانوني الإسرائيلي أن “معظم التصريحات التي قدّمتها جنوب إفريقيا جاءت من أشخاص ليسوا من صنّاع القرار”، وأن “الاقتباسات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومن وزير الدفاع يوآف غالانت تم إخراجها من سياقها”.
وذكّروا المحكمة بأن نتنياهو قال صراحةً إن إسرائيل لا تسعى إلى احتلال غزة، ولا تقاتل الفلسطينيين هناك، بل حماس فقط، وقالوا للمحكمة إن القيود التي طبّقتها إسرائيل بشأن دخول الإمدادات الإنسانية إلى القطاع، لم يكن سببها السعي إلى الإبادة، بل كانت تهدف إلى الضغط على “حماس”، للسماح للصليب الأحمر بلقاء المخطوفين، وتحويل الأدوية إلى مَن يحتاجون إليها.
وفي مواجهة هذه الاتهامات، تقوم إسرائيل خلال المداولات بعرض وثائق من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، و”تُبرز الحوادث التي خُطف فيها الرضّع والشيوخ وذوو الحاجات الخاصة والمرضى”، وتؤكد إسرائيل أنها “بدأت الحرب بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث هاجمت حماس بلدات غلاف غزة مما أسفر عن مقتل 1،200 إسرائيلي وخطف قرابة 240 آخرين”.
يقول د. صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد”، إن “موقف إسرائيل هو موقف ضعيف لأنها سلطة احتلال تمارس جرائم الحرب، وأعمال تطهير عرقي، وعقوبات جماعيةً، وتحركها بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لا يعزز موقفها، فالمقاومة هي حق للفلسطينيين، وإسرائيل حاولت توظيف ‘بروباغندا’ حول الهجوم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولم تثبت الجرائم التي ادّعت ارتكابها”.
ويضيف: “كما أن من قاموا بالهجوم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هم مجموعة محددة، والعقاب في القانون فردي، لكن إسرائيل مارست عقوبات جماعيةً، ومارست الإبادة الجماعية، وما يؤكد ذلك تصريحات مسؤوليها، وهو ما تم عبر كثافة نيران غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، وحتى لو افترضنا أن المحكمة سترى أن هناك مبررات للهجوم، لكن إسرائيل تجاوزت في التناسب بين الهجوم والمدنيين، والتمييز في العمليات بين المدنيين وغير المدنيين”.
من جانبه، يعتقد البوشوكة، أن “ملف جنوب إفريقيا ضد إسرائيل شامل ودقيق ومصمم بعناية فائقة، وقد تم رصد العديد من التصريحات الرسمية والانتهاكات والجرائم ضد الفلسطينيين. ولذلك فإن هذه القضية تم تنظيمها بعناية وذكاء من أجل الحد من أي اعتراضات إسرائيلية محتملة، أو إنكار إسرائيل للتهم المذكورة. وعليه، ارتبك المحامون الإسرائيليون في المحكمة في ردّهم، واتهموا أطرافاً أخرى بشكل غير منطقي وغير قانوني من أجل الهروب من المسؤولية، وسيتوجب على إسرائيل أن تثبت عكس ما نسب إليها أمام محكمة العدل الدولية. ولكن أمام الحقائق والأدلة على الأرض، فإنها غير قادرة على إنكار الحقيقة أو إخفائها”.
ويوضح أن “كل الدلائل التي تم تقديمها من جانب اسرائيل لعمليات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى الآن، مشكوك في مصداقيتها على المستويات كلها، ولم تخضع لأي تحقيق دولي مستقل”، وهذا ما يتفق معه الباحث القانوني أيمن أبو هاشم، الذي يقول إن “تذرّع فريق الدفاع الإسرائيلي بحق الدفاع عن النفس أمام المحكمة، لم يستند إلى قاعدة التناسب بين الضرورة العسكرية وحماية المدنيين وفق قواعد القانون الدولي الإنساني”.
ميدان قتال مُعقّد
في تحليل للكاتب مردخاي كرمنيتسر، نُشر في صحيفة هآرتس، ذكر أنه عندما تتحدث جنوب إفريقيا عن ميدان القتال، وأنه المستشفيات، المدارس، المنازل الخاصة، رياض الأطفال، والمساجد، فستثبت إسرائيل الوجود المكثف لـ”حماس” في غزة، والتزامها هدف تدمير إسرائيل، واحتجاز الرهائن، وتحويل السكان المدنيين إلى دروع بشرية، في ما يصفه بأنه “انتهاك صارخ لقوانين الحرب”.
وهو ما أوضحه تحليل لصحيفة “جيروزاليم بوست”، بأن “إسرائيل ستشرح للمحكمة أنها قامت بالحرب بهدف الدفاع عن النفس، واستعادة المخطوفات والمخطوفين، المعرضة حياتهم للخطر، وأن الهدف هو القضاء على حماس وليس الاستهداف المتعمد للمدنيين، وحتى لو كانت هناك مشاهد خطيرة للمدنيين في غزة، فستحاول إسرائيل أن توضح أنها نتجت عن أخطاء في الحروب وليس لوجود نية مسبقة لارتكاب إبادة جماعية”.
في هذا السياق، علّق عبد العاطي: “نعم قطاع غزة هو ساحة معقدة؛ مساحة غزة لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً، ويعيش فيها 2.4 ملايين نسمة، والبنية التحتية لحركات المقاومة ليست كلها تحت المدنيين، فالمقار العسكرية واضحة وهي بعيدة نسبياً عن المدنيين بما تتيحه المساحة الجغرافية، ولم يثبت أن حركة حماس استخدمت المدنيين في الأغرض العسكرية، فإسرائيل تريد أن تبرر قتلها للمدنيين باستهداف حركة حماس، كما أن حركة حماس هي حركة تحرر وطني محمية بالقانون الدولي ولا يجوز استهداف مقاتليها وهم ليسوا في مواقع القتال، كما أن وجود أحد قيادات حماس في بيت أو مستشفى مدني لا يبرر الهجوم عليه، فهذه عمليات قتل خارج إطار القانون وتسجَّل كجرائم حرب”.
من جهته، يشير البوشوكة، إلى “بنية حماس التحتية داخل غزة، لكن هذا لا يعطي إسرائيل أي حق في ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن إسرائيل دولة عضو في الأمم المتحدة وأن حماس ليست هيئةً حكوميةً أو رسميةً. ولذلك، تقع على عاتق إسرائيل مسؤولية تجنّب ارتكاب الإبادة الجماعية أو أي نوع من الجرائم ضد الإنسانية”.
ويعلّق الباحث القانوني أيمن أبو هاشم، بالقول إن “ادعاء الفريق الإسرائيلي بوجود حماس بين المدنيين، كتبرير، هو ادعاء تنفيه وتكذّبه عشرات التقارير للمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية الموثوقة ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، التي رصدت ووثقت استهداف بيوت المدنيين والمنشآت، الخالية من المقاتلين”.
سيناريوهات قرار المحكمة
من أجل اتخاذ القرار النهائي، يحتاج الأمر إلى الكثير من الوقت؛ الآن الانتظار هو لقرار من المحكمة بشأن أوامر مؤقتة، من المتوقع أن تُقدّم خلال بضعة أسابيع، ومن أجل إصدار أوامر يكفي أن تقتنع المحكمة بأنه ربما قد تكون هناك حقيقة في ادّعاءات جنوب إفريقيا.
“”
وبحسب مقال لإيال غروس، في صحيفة “جيروزاليم بوست”، فإن “مجرد إصدار أمر مؤقت لوقف نشاطاتها العسكرية في غزة، قد يمثل خطراً حقيقياً على الموقف الإسرائيلي. إن مثل هذا الأمر موجّه ضد الدولة، ولا يحدد مسؤوليةً شخصيةً جنائيةً لفرد ما، لكن يمكن أن يُستخدم أيضاً كخلفية وأساس لإجراءات قضائية في المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً إذا وجهت محكمة العدل الدولية إصبع الاتهام إلى شخصيات معينة”.
يتوقع عبد العاطي أن “المحكمة ستأمر بالتدابير المؤقتة التي طالبت بها جنوب إفريقيا في الدعوى، أي وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودخول المساعدات، ومنع التلاعب أو إخفاء الأدلة، والسماح للجنة تقصّي الحقائق بالدخول، وإسرائيل ستكون ملتزمةً به لتوقيعها على هذه الاتفاقية، لكن دولة الاحتلال عوّدتنا أن لا تلتزم فهي تتصرف كدولة مارقة، ولا تلتزم بالقانون الدولي، ولهذا لا بد للمجتمع الدولي أن يتخذ تدابير أمام مجلس الأمن وسيكون صعباً على الولايات المتحدة أن تستخدم حق الفيتو ضد حكم قضائي”.
ويتفق معه البوشوكة، حول القرار المرتقب بوقف إطلاق النار، ولكنه يؤكد أن إسرائيل لن تلتزم بالقرار، لأنها تتّكئ على دعم سياسي واسع النطاق من أمريكا والعديد من الأوروبيين، لذا فهي لا تلتزم بقرار المحكمة”، لكنه يوضح أن القرار سيفتح المجال أمام المنظمات الدولية لفتح ملف في المحكمة الجنائية الدولية ضد القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
ويقول أبو هاشم: “برغم أن المحكمة لا تملك سلطة تنفيذ القرار في حال رفضته إسرائيل، غير أن القرار سيحشرها في الزاوية كدولة تتحدى إرادة القضاء الدولي من جهة، ويؤدي إلى تزايد الضغوط الشعبية والسياسية لإجبارها على الانصياع لمطلب وقف عدوانها من جهة أخرى. وحتى لو استخدمت إدارة بايدن الفيتو في مجلس الأمن لمنع تمرير القرار القضائي بهذا الصدد، فإن هذا سيزيد من انكشاف صورة كيان عنصري لم يتوانَ عن ارتكاب ابادة جماعية بحق شعب واقع تحت عسف احتلاله”.
وحول الأضرار التي ستلحق بإسرائيل جراء هذ القرار، بحسب دراسة للباحثين بول توشر ودين أزكيلوفيتش، من جامعة مردوخ، المنشورة في موقع “the conversation”، فإن “الذي قد يلحق بإسرائيل ليس ضرراً قانونياً فحسب، إذ إن حركة مقاطعة إسرائيل في العالم ستتعزز بكثافة. ومن المرتقب أن نشهد محاولات لفرض عقوبات على إسرائيل بواسطة مجلس الأمن (وما من أحد يمكنه إنقاذنا من أيدي هؤلاء سوى بايدن)، أما العلاقات الإسرائيلية بالدول العربية فستكون أمام اختبار صعب، ومكانة إسرائيل في العالم ستتضرر بصورة جسيمة”.
المصدر: رصيف 22
I don’t think the title of your article matches the content lol. Just kidding, mainly because I had some doubts after reading the article.