د.مخلص الصيادي
هذه رؤية عاقلة واضحة صحيحة وانسانية، لا تقوم على مفهوم الانتقام، ولا تواجه العدوان وجرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال بمثلها، وتتبرأ من كل تصوير أو ترويج لفكرة أن هذه حرب دينية، وأن القتال والصراع يجري مع اليهود ليهوديتهم، وإنما القتال والجهاد يقوم على مبدأ صد العدوان وقواه، والعمل من أجل تحرير الوطن، وهو هنا “فلسطين”، والعمل على تفعيل القرارات الدولية الخاصة بقضية فلسطين، وقرارات الجهات الدولية ذات الاختصاص في التصدي لكل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنساني، والدعوة الى تحقيق دولي مستقل تقوم به جهات التحقيق الدولة وفي المقدمة منها محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمات حقوق الانسان لكشف وتمحيص الروايات الفلسطينية والاسرائيلية عن مجمع الوقائع على الأرض الفلسطينية وخصوصا منذ السابع من أكتوبر، حين انطلقت عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من حرب الإبادة والقتل التي يقوم بها المحتل بتغطية تامة وشاملة من النظام الغربي الذي تعشعش فيه عنصرية بغيضة سمحت لأن يكون الكيان الاسرائيلي نظاما “فوق القانون وفوق المحاسبة”.
هذه رؤية تضع” القضية الفلسطينية، والنضال الوطني الفلسطيني” في إطار منظومة “حركات التحرر” في العالم، وبالتالي فإن مطالبتها بأن تتحول الى “أيقونة”، لأحرار العالم تصبح نتيجة حقيقية وواقعية، ولعل الاستجابة الشعبية العالمية المناهضة للعدوان، والجهود التي تبذلها جنوب أفريقيا، وعدد من دول العالم لوضع” الكيان الصهيوني” في قفص الاتهام في الجنائية الدولية تمثل مؤشرات على واقعية تحول القضية الفلسطينية لتكون الشعار والمقياس للضمير الانساني، وبالتالي تفتح السبيل لتعود الصهيونية كما سبق أن وصفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، “حركة عنصرية” من الواجب على المجتمع الانساني كله التصدي لها.
وهذه رؤية تعيد توصيف الحق الفلسطيني كاملا دون تجزئة أو تقسيم، ودون هراء مشاريع التسوية، والتطبيع، والشرق الأوسط الجديد، والاتفاقات الإبراهيمية، وغير ذلك مما يقوم على قاعدة التفريط بالحقوق الوطنية، وهذه قاعدة متعارضة تعارضا تماما مع مفهوم التحرر الوطني. وبالتالي تعيد تقسيم الموقف الدولي على اساس موقفه من مفهوم “التحرر الوطني”، وهنا يظهر الموقف الحقيقي الراهن والتاريخي للنظام الغربي، الذي أنشأ هذا الكيان، وراح يرعاه ويحميه، ثم تداعى عقب طوفان الأقصى لحمايته بكل ما يملك من قوة، ليؤكد مجددا أن داعم للعدوان، ومتسترا على الجرائم الاسرائيلية اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد المدنيين والنساء والأطفال في غزة.
واستنادا لكل ما تضمنه هذه الرؤية من عرض وتحليل والتزام وقيم يستأهل ليكون قاعدة رؤية والتزام للنظام العربي بعمومه، يعيد هذا النظام إلى مفهوم الأمن القومي العربي، وإلى مفهوم مركزية القضية الفلسطينية في بنية الأمن القومي العربي، ويعيد هذا النظام إلى الالتزام القومي الأصيل تجاه القضية والمقاومة الفلسطينية، وهو الالتزام الذي تختصره مقولة: “أن المقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى، ولسوف تبقى حتى تعيد تأسيس وطنها الفلسطيني، وحتى يمارس هذا الوطن دوره في النضال الشامل لأمته العربية”.
وقد يكون مهم وحاسم هنا الاشارة الى ضرورة أن تكون هذه الرؤية موضع التزام لكل أصحاب الفكر والرأي في أمتنا، وكل الناشطين السياسيين، والمؤثرين، والاعلاميين، وأن تكون الضابط والموجهة لهم في معالجة كل القضايا المعبرة والمرتبطة بالملف الفلسطيني، باعتبارها حركة تحرر وطني نموذجية وشعبية تمثل كل قيم التحرر الوطني واستهدافاته.