رام الله: حتى عام 2019، كانت إسرائيل تخصم مبالغ من أموال الضرائب الفلسطينية، والتي يطلق عليها “المقاصة”، بمتوسط سنوي يبلغ 1.5 مليار شيكل (411 مليون دولار)، تحت مسمى ديون لهيئات إسرائيلية على جهات فلسطينية.
هذه الخصميات، مقابل ديون لصالح شركات الكهرباء والمياه والمشافي الإسرائيلية على شركات وجهات فلسطينية، دون وجود أي دليل يثبت حقيقة المبالغ المقتطعة.
وأموال المقاصة، هي الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون على السلع المستوردة من إسرائيل، أو من خلال المعابر الحدودية الإسرائيلية، بمتوسط شهري 220 مليون دولار.
وتستخدم الحكومة الفلسطينية أموال المقاصة بشكل أساسي لصرف رواتب الموظفين العموميين، وتشكّل نسبتها 65 بالمئة من إجمالي الإيرادات المالية للسلطة الفلسطينية.
أزمة 2019
لكن اعتباراً من 2019، أضافت إسرائيل مبلغ 600 مليون شيكل (165 مليون دولار) سنوياً من أموال المقاصة، مقابل ما تقدمه السلطة الفلسطينية من مخصصات شهرية للأسرى والمحرَّرين.
وزاد الرقم السنوي لهذا الاقتطاع المتعلق بمخصصات الأسرى والمحرَّرين ليصل إلى متوسط 700 مليون شيكل سنوياً (195 مليون دولار).
بذلك، يصعد الاقتطاع السنوي من أموال المقاصة إلى 606 ملايين دولار سنوياً، وهو ما يكفي لصرف فاتورة أجور الموظفين العموميين الموجودين على رأس عملهم لمدة أربعة شهور.
ويعادل هذا المبلغ من الاقتطاعات نحو 10 بالمئة من مجمل الموازنة السنوية الفلسطينية، كما يعادل 200 بالمئة من مجمل المنح المالية الخارجية للموازنة العامة الفلسطينية.
وبسبب هذه الاقتطاعات، وصلت الحكومة الفلسطينية إلى مرحلة عجز عن دفع كامل أجور موظفيها، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، والتزمت بدفع 80 – 85 بالمئة منها حتى اندلاع الحرب على غزة.
وتصل فاتورة أجور الموظفين العموميين على رأس عملهم قرابة 600 مليون شيكل (164.3 مليون دولار) شهرياً، ويرتفع الرقم ليصل إلى مليار شيكل (274 مليون دولار) شهرياً، مع إضافة أجور المتقاعدين ومخصصات الأسرى والجرحى وغيرها.
حرب غزة
واعتباراً من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قرر وزير المالية الإسرائيلي حجز مبلغ 270 مليون شيكل (74 مليون دولار)، شهرياً من أموال المقاصة، وهو المبلغ الذي تحوله السلطة الفلسطينية لموظفيها في غزة، ولتوفير الكهرباء من محطة توليد الطاقة في غزة.
بذلك، يصل مجمل الاقتطاع السنوي الإسرائيلي من أموال المقاصة إلى 1.5 مليار دولار سنوياً، يعادل تقريباً 50 بالمئة من إجمالي أموال المقاصة، ويعادل 25 بالمئة من إجمالي الموازنة الفلسطينية السنوية.
ويستقر مبلغ أموال المقاصة الذي يصل وزارة المالية الفلسطينية بعد كل الخصميات عند قرابة 450 مليون شيكل (124 مليون دولار) شهرياً، أو 1.5 مليار دولار سنوياً، يعادل نحو 35 بالمئة من إجمالي النفقات الشهرية في الظروف الطبيعية.
وفوق كل هذه الاقتطاعات، وما يتبقى للحكومة الفلسطينية، فإن تدهوراً شهدته المنح الخارجية الموجهة للميزانية الفلسطينية، من متوسط 1.2 مليار دولار في عام 2012، إلى أقل من 350 مليون دولار بنهاية 2023.
وأدى تراجع المنح الخارجية إلى مفاقمة أزمة السلطة الفلسطينية المالية، ودفعها إلى التوجه للبنوك العاملة في فلسطين لطلب قروض مالية، ليصل الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة عند 14 مليار شيكل (3.8 مليارات دولار)، بنهاية الربع الأول 2024.
ولم تُجدِ محاولات رئيس الوزراء الجديد محمد مصطفى، الذي أجرى زيارات إلى دول عربية وأوروبية، بالنفع، تجاه الحصول على منح مالية تساعد الحكومة في حل أزمتها القائمة.
وتنتظر الحكومة الحالية، أم التحديات بالنسبة لها، تلك المرتبطة بجهود إعادة إعمار قطاع غزة، الذي يتعرّض للشهر الثامن على التوالي لحرب إسرائيلية، هي الأشد على الإطلاق.
المصدر: الأناضول/القدس العربي