معقل زهور عدي
تعكس الطريقة التلقائية السطحية واليقينية التي يقيم بها البعض أحداثا أو شخصيات تاريخية طبيعة العقل العربي السائد.
فرجل كجمال الدين الأفغاني يقيم بمكان ولادته وبنشأته ومذهبه السابق، وهذا يعتبر كافيا للحكم عليه أنه مدسوس وعميل، بالتالي لا حاجة لدراسة أفكاره التي قدمها وكيف تغيرت آراؤه من مرحلة إلى مرحلة.
أما الحكم على الشخص من سابق تاريخه السابق فمسألة لاتقوى على الصمود أمام التفكير العقلاني , فسيد قطب كان شيوعيا قبل أن يتحول نحو أن يصبح المنظر الأول للإخوان , وروجيه غارودي كان الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي قبل أن يتحول للاسلام , وستالين وتروتسكي كانا رفيقين ضمن حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي قبل أن يشتد الخلاف النظري والسياسي بينهما إلى حد أن يأمر ستالين باغتيال تروتسكي في أمريكا اللاتينية حيث هرب إلى هناك , أما الحكم على الشخص من خلال مولده ومذهبه فهو أيضا لايقوى على أي تفكير عقلاني فهو يعني ببساطة إلغاء دور العقل والارادة عند الانسان ويعارض الحقائق التاريخية التي تشهد بعدد لايحصى من الشواهد كيف أخرجت الطبقات الأرستقراطية الثوريين الاشتراكيين على سبيل المثال , وكيف ضمت الحركة الوطنية السورية ضد الانتداب الفرنسي مختلف الطوائف والفئات الاجتماعية .
أما التهمة الكبرى والتي ينظر إليها كفضيحة وشاهد ملك على جاسوسية جمال الدين الأفغاني فهي أنه انتسب للماسونية .
والماسونية في العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي لم تكن بالصورة التي لها اليوم بل كانت الصورة عنها كونها جمعية تدعو للاخاء والانسانية والمساواة وللتمتع بالأخلاق والسمعة الحسنة في المجتمع مقابل أن يتبادل أعضاؤها دعم بعضهم البعض , وضمن ذلك الفهم يمكن أن تجد أن معظم الشخصيات الوطنية السورية قد انتسبت في وقت من الأوقات للماسونية في العشرينات والثلاثينات ومنهم فارس الخوري وجميل مردم بيك وعبد الرحمن الشهبندر , وبعد ذلك شهدنا انحدار الماسونية , وفي الخمسينات والستينات تغيرت الصورة نحو الماسونية تماما , وليس المهم هنا تقييم الماسونية ذاتها بقدر ماهو مهم ادراك أن انتساب مثل فارس الخوري للماسونية في ذلك الوقت لايعني أن فارس الخوري مندس وجاسوس بقدر مايعني أن الماسونية وقتها كانت شيئا مختلفا عن صورتها الآن .
هكذا فرجل كجمال الدين الأفغاني ينبغي النظر في فكره وآرائه وتطور تلك الأفكار من مرحلة لأخرى أولا وقبل كل شيء وليس لمولده ومذهبه ولكونه قد انتسب للماسونية في فترة محددة وبالتالي إصدار الحكم عليه دون الحاجة حتى للنظر في كتبه وأفكاره وخطه الفكري – السياسي وتطور ذلك الخط مع الزمن والتجربة.
ومصيبة العقل العربي السائد أنه يعشق التلقائية والسطحية واستبدال الفهم بالمحاكمة الشخصية وفق المفاهيم الشائعة دون الاهتمام بإعمال العقل في دراسة الأفكار والنظر في تغير المفاهيم في كل مرحلة تاريخية.