بعد التصريحات الأميركية الأخيرة بخصوص إخراج إيران من سورية. وما قيل عنها وحولها، حيث رجح مسؤولون أميركيون، أن تنصاع إيران في النهاية، لما تطلبه الولايات المتحدة منها، بفضل تشديد العقوبات التي أعادت الأخيرة فرضها عليها، دون أن تصل الأمور لحد المواجهة العسكرية. وقد نقلت مصادر فرنسية عن مسؤولين أميركيين قولهم، ” إن جهود الأطراف الأوروبية الثلاثة (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) الموقعة على الاتفاق النووي مع طهران صيف عام 2015، تنصب حاليًا على هدف رئيسي هو «تلافي الوصول إلى مواجهة عسكرية”. في هذا السياق كان لجيرون أن تساءلت مع بعض الباحثين حول مدى اعتقادهم أن الادارة الأميركية الترامبية جادة بالفعل في إخراج إيران والميليشيات الطائفية التابعة لها من الجغرافيا السورية؟ وهل يمكنها ذلك وفق المعطيات الجيوسياسية، والعلاقات الروسية الإيرانية؟
أيمن أبو هاشم الباحث الفلسطيني والمنسق العام لتجمع مصير قال لجيرون ” من الواضح أن إدارة الرئيس ترامب عازمة على تقليص النفوذ الإيراني في سورية، والأوضاع الميدانية في الشهور الأخيرة تؤكد ذلك، وأعتقد بأن المخاوف الإسرائيلية هي الأساس في التفاهمات الروسية – الإيرانية، لإبعاد إيران عن الجبهة الجنوبية والغربية، وقطع الطريق عليها من جهة الحدود الشرقية، وهذا ما يفسر أيضًا الضربة التي تعرضت لها قواتها في البوكمال مؤخرًا.”. معتبرًا أن ” إيران الآن في ورطة حقيقية، والرياح تسير عكس مخططاتها العدوانية تجاه الشعب السوري، وقد كانت القيادات الإيرانية تعتقد أن تمددها في سورية لن يواجه تحديات أو عراقيل، لأنها تقوم بدور يتوافق مع نظرة الأميركان والإسرائيليين والروس إلى دورها في مواجهة وإضعاف السنّة الثائرين على النظام في سورية. ومفاجأة إيران من الموقف الروسي المؤيد لتقليص وجودها في سورية، هو الذي أربك الحسابات الإيرانية بالدرجة الأولى، ونتيجة إصرار إيران على تمسكها بالورقة السورية بعد الخسائر البشرية والمادية التي دفعتها ولاتزال”. كما نوه أبو هاشم إلى أن ” المواجهة ستتصاعد أكثر، والضربات الأخيرة التي تتعرض لها ميليشياتها مما يرجح ذلك، إذ لم تنطل على الأميركان والإسرائيليين مسألة تغيير الميلشيات الإيرانية للباسها والتحاقها بالفرقة الرابعة التابعة للنظام، فمن الواضح أن قرار تفكيك ميليشياتها أصبح هو الموجه لسياسة الأميركان وحلفائهم، وهذا ما يضاعف ويعمق من أزمة النظام، الذي أصبح محشورًا بين الضغطين الروسي والإيراني، وانحيازه لأي طرف ضد الآخر سيكون له ثمنًا كبيرًا على بنية النظام وربما على وجوده”.
الباحثة السورية سارة المير قالت ” لا أعتقد ان هناك خطة لإخراج القوات الايرانية من سوريا. هناك جهد لتقليص التواجد الايراني في سوريا بحيث لا تتصادم مصالح المشروع الصهيوني مع الايراني.. لكن للآن وللمستقبل القريب يعتبر المشروع الايراني في المنطقة العربية والقائم على التشيع السياسي مهم جدًا لتفتيت المنطقة واستمرار الصراعات فيها على أسس مذهبية وتغطية مطالب الشعوب الثائرة بالحرية والكرامة.
بينما رأى الباحث ماجد علوش أن ” المعادلة التي تحكم الوضع في المنطقتين العربية والشرق أوسطية منذ نهايات القرن السابع عشر وحتى الآن هي: المشاكل محلية والحلول غربية. بدأ المشوار نابليون الذي قدم حلولًا منفردة رفضتها أوربا، وعملت على إفشالها فسلم الفرنسيون الراية لمحمد علي، وهكذا حتى تسلمت الخمينية الراية ذاتها. المشكلة أو المشاكل في المنطقة ليست نتاج التخلف العلمي والاقتصادي كما فهم مفكرو عصر النهضة الأولى (النصف الاول من القرن 19) بل صار المرء يتجرأ (بعد قرنين) ليقول إنه تخلف عقلي (بالمعنى البيولوجي) وأن في التركيب البيولوجي الدماغي لشعوب المنطقة كلها ما يعيق تقدمها رغم قسوة الفكرة، ومن هنا فهو يتكرر دائمًا ويجري على المسار ذاته، وإيران الخمينية هي مشكلة محلية في أساسها (أي مشكلة نتجت عن أوضاع المنطقة) لكن المنطقة عاجزة عن إيجاد حلول لها ولابد أن يتدخل الخارج (الغربي) لإيجاد الحل”. وتابع علوش ” مشكلة ايران ليست في تخلفها بل في الإعاقة الذهنية المصاب بها قادتها، تلك الإعاقة التي أوهمتهم أنهم بلعب دور ” القوَّادة ” بين الغرب والمنطقة يتحولون إلى شريك للغرب بداية، ثم آمر لشعوب المنطقة، ومحدد لتوجهاتها ومساراتها في المرحلة التالية، ثم توظيف الحالة الأخيرة لإخضاع (الزبائن / الغرب) لمشيئتهم وهكذا تتجسد فكرة (ولاية الفقيه) عبر (تصدير الثورة) لأن هذا جوهر الفكرة في الأصل”.
لكنه أكد أيضًا أنه قد ” ساهمت الإعاقة الذهنية لقادة إيران في استنزاف كل ما بنته شعوب المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ( على ضآلته ) ولكنه خلق في المقابل رعبًا حقيقيًا عند حلفاء الغرب التقليديين ( الخليج العربي عامة والمملكة العربية السعودية خاصة واسرائيل وان كان خوفها أقل لامتلاكها قدرات أكبر ) هذا الرعب هدد بتصرف أحادي ( اقليمي ) إن لم يتم تدخل أميركي جدي، الأمر الذي يضع أميركا بين خيارين متطرفين لكنها بتقديرنا ستلجأ إلى حل وسط في المرحلة الأولى أي : تقليم أظافر إيران وقطع أذرعها الخارجية وإعادتها إلى داخل حدودها المعترف بها ( وهذا يشمل بالطبع طردها من سورية ) . الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار نظرية (الولي الفقيه) من الداخل ويفتح أبواب الصراع الداخلي الايراني على مصاريعها وبعدها لكل حادث حديث. أما في الجانب الروسي هناك مشكلة أعظم، فطرد إيران وأذرعها من سورية سيتيح لهم التحكم الأفضل في سورية، ولكنه أيضًا سيجبرهم على الغوص أكثر في الوحل السوري، أي زج المزيد من القوات البرية الروسية في المعارك، وهو ما سيرهقهم سياسيًا وأخلاقيًا وقد يغير المعادلات الداخلية في روسيا نفسها لذلك هم يتحملون ” الغائط ” الايراني مكرهين ويسعون إلى تفاهمات مع حلفاء الغرب الإقليميين، ولو عبر اسرائيل على أمل أن يقود كل هذا في لحظة الى حل سياسي في سورية، إنها الورطة التي أَدخلتْ أميركا الجميع فيها ولن يستطيع أحد الخروج منها إلا بعد الركوع للسيد الأميركي، وهو ما يتطلب زمنًا وظروفًا غير مهيأة حتى اللحظة “.
الكاتب السوري عبد الباري عثمان قال ” الأميركان لهم ضرورة بالتصريحات الأخيرة وهذه الضرورة تكمن في مصالحهم في المنطقة، وللحقيقية لن يسمحوا منذ إنشاء مناطق خفض التصعيد ﻻ للنظام السوري والمليشيات التابعة له، وﻻ للنظام الإيراني، وحتى القوات الروسية بالاقتراب من مناطق نفوذهم، وعند محاولتهم ذلك يتم التصدي لهم، كما حدث منذ يومين بالقرب من البوكمال “. وفيما يتعلق بإخراج القوات الإيرانية بشكل نهائي قال” ﻻ أعتقد ذلك إﻻ بزوال هذا النظام، كون الرابط الإيراني الأسدي أصبح ترابطًا عضويًا، أي أن الإيرانيين موجودين في كل مفاصل النظام الأسدي، أما في المدى المنظور فيمكن استبعاد الإيرانيين من الحدود الإسرائيلية، وهذا ما تم التوافق عليه بين الروس والإسرائيليين أيضًا، لكن الأهم اليوم هو الجبهة الجنوبية فإن التزم الأميركان بتصريحاتهم، فهذا يؤكد صدق نيتهم بتنفيذ مناطق خالية من النظام والإيرانيين، وعلى ما يبدو فإن هذا الوضع يرتبط بصفقة القرن أيضًا، و الأحداث الإقليمية لها التأثير المباشر على الساحة السورية، وفي النهاية هناك مصالح دول تتقاطع على الجغرافية السورية، وأتمنى أن تكون هناك مصلحة للشعب السوري المنكوب في هذه التقاطعات”.
المصدر: جيرون