محمد أبو رمان
بالرغم من أنّ إسرائيل لم تكن على علاقةٍ جيدةٍ بالرئيس السوري السابق، بشّار الأسد، وبالرغم كذلك من تزامن تهديد بنيامين نتنياهو له مع انطلاق عملية “ردع العدوان” (أتت على نظام الأسد وأنهته)، إلا أن علاقة إسرائيل بسورية الجديدة أكثر تعقيداً أو تركيباً مما يظن أو يحاول بعضهم تبسيطه، خاصة من النخب السياسية العربية التي تعاملت مع الأمر وكأنّه انتصار إسرائيلي. ولست هنا في وارد مناقشة هذه النخب، إنما من المهم أن نحلل دور العامل الإسرائيلي في المرحلة المقبلة.
عندما نقول العامل الإسرائيلي، من الضروري أن نأخذ في الاعتبار أن إسرائيل تعني أيضاً المصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهذه مسألةٌ لم تعد بحاجةٍ إلى البرهنة أو التأكيد عليها، ولا يوجد أكثر تأكيداً وتعزيزاً لهذه الدعوى من الحرب على غزّة والموقف الأميركي فيها، ثم التصريحات الأميركية المرتبطة بسيطرة المعارضة على الحكم في سورية، التي لم تخلُ من التأكيد على أمن إسرائيل وتبرير احتلال الأخيرة أجزاء جديدة وواسعة من الجنوب السوري بذريعة حماية الذات، وهو الأمر الذي لم يتوان مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، عن إعطاء المبرّرات لإسرائيل بهذا العمل العدواني الصارخ، وحتى بتدميرها مخازن الأسلحة الاستراتيجية وسلاح البحرية والجو السوري، بلا أي رقيب ولا حسيب!
لماذا وصفنا علاقة إسرائيل بالأسد وبالثورة السورية بالمركّبة؟ لأنّه بالرغم من العداء التاريخي بين نظام الأسد وإسرائيل، ودور الأسد المعروف بدعم حزب الله وعلاقته العضوية بحزب الممانعة الإقليمي، بقيادة إيران الذي أصبح يمثل في الأعوام الأخيرة أحد أبرز مصادر تهديد الأمن الإسرائيلي؛ إلاّ أنّ هنالك ضمانات وتفاهمات ضمنية وعُرفية بين الأسد وإسرائيل، ليست جديدة، بل تمتد إلى عقود طويلة، وتتمثّل في الحدود الآمنة والمستقرة بين الطرفين، ولا أبالغ أو أتجاوز في القول بأن “العامل الإسرائيلي” لعب لصالح الأسد خلال الربيع العربي من خلال وصول الإدارة الأميركية، في مرحلة باراك أوباما، إلى قرار عدم التدخل لإسقاط الأسد، بذريعة الخشية من “البديل الإسلامي” أو الأصولي.
اختلف الوضع بصورة كبيرة بعد الحرب على غزّة، عندما دخلت إسرائيل بصورة مباشرة، للمرّة الأولى، في حربٍ كبيرة مع إيران ومع أذرعها، فتكوّنت نظرية جديدة في الأمن الإسرائيلي ذات طابع جيو استراتيجي تقوم على ضرورة إنهاء النفوذ الإقليمي الإيراني، والخاصرة الرخوة كانت في هذه المعادلة هو بشار الأسد، الذي كان لديه إدراك شديد بأنه سيكون أول من يدفع الثمن في هذه الحرب الإقليمية، لحجم هشاشة نظامه السياسي. لذلك حاول وحرص على أن يكون محايداً، مما أزّم وضعه أكثر مع كل الأطراف، وكان أحد الخارجين الأوائل من اللعبة الإقليمية الجديدة!
في المقابل، لا يعني ذلك أن إسرائيل كانت ترحّب أو ترغب في التغييرات الجوهرية التي حدثت بإسقاط الأسد. وما يبدو من السلوك العدواني الإسرائيلي أن حكام تل أبيب لم يكونوا متوقعين هذا السيناريو، ربما كانت لديهم معلومات استخباراتية، وربما كانوا على علم بوجود ترتيبات إقليمية تركية وسورية داخلية، لكن حجم الانهيار الفوري والسريع لنظام الأسد، أدخل المخطّطات والتصوّرات الإسرائيلية في مأزق حقيقي، لأنها لا تعرف الكثير عن البديل الجديد، ولا عن الإسلاميين الثوريين والمسلّحين. لذلك سارعت إسرائيل إلى اتخاذ خطوات عسكرية وتدمير الترسانة السورية العسكرية، التي لم تعد في “أيد أمينة”، قبل أن تتشكّل قواعد جديدة للعبة. من هنا يأتي الرهان على زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، والأدوار، التركي والقَطري والإقليمي عموماً، لتأطير المشهد السوري في سياقٍ لا يشكل تهديداً للأمن الإقليمي، وفي الوقت نفسه، تضمن إسرائيل عدم وجود تيارات إسلامية معادية على حدودها!
لماذا لم يردّ أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع (حالياً) على الاحتلال الإسرائيلي؟ من يتخيّل أن هذه الجماعات تعيش في الفراغ أو خارج سياق الحسابات السياسية والواقعية، فهو لا يعرفها مطلقاً. هي تتحرّك في سياقات واقعية وتأخذ في الاعتبار الأبعاد الداخلية والإقليمية، والجولاني يدرك تماماً ماذا تعني إسرائيل لأميركا، وهو مرتبط بالتحالفات الإقليمية، وقبل أن يتواجه مع الاحتلال الإسرائيلي فإن أولويته (وهذا تفسير وليس تبريراً) تأمين الحالة السورية الداخلية التي تواجه مخاطر وتحدّيات كبيرة، قد يكون بينها التقسيم أو الحرب الداخلية.
المصدر: العربي الجديد