معقل زهور عدي
مصدر كل شرعية لأية سلطة سياسية هي إرادة الشعب .
وإرادة الشعب هي إرادة الأغلبية السياسية وليست الإجماع فالإجماع غير ممكن في جميع الأحوال .
وعندما يرزح الشعب تحت نير حكم ظالم مستبد وفاسد فإن القوى الثورية التي تتولى قلب ذلك الحكم تكتسب شرعية ثورية .
لكن هذه الشرعية الثورية ليست دائمة وليست مطلقة ولابد أن تخضع لبعض القيود .
الشرعية الثورية شرعية نسبية ومؤقتة وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالفترة الانتقالية التي تحتاجها البلاد لانهاء الفوضى التي ترافق العملية الثورية أو إنهاء الأوضاع غير الطبيعية التي خلفها النظام المستبد الفاسد والتي تحتاج لحكم مركزي قوي لايتمتع بالضرورة بالصفات المطلوبة من النظام الديمقراطي الذي هو الغاية النهائية لأي حكم .
لايمكن في حالة أوضاع كأوضاع سورية اليوم الانتقال من النظام السياسي القديم إلى النظام الديمقراطي دون المرور بمرحلة انتقالية تتصف بشرعية ثورية .
فتوحيد البلاد المنقسمة , وتحريرها من الإحتلالات الأجنبية , وإنهاء مقاومة فلول النظام السابق , وإحلال العدالة الإنتقالية , وتوحيد الفصائل المسلحة ودمجها ضمن جيش يتصف بعقيدة وطنية , وإخراج سورية من حالة التصحر السياسي نحو حياة سياسية طبيعية , وإعادة المهجرين , وإعادة بناء الخدمات الأساسية , وإعادة بناء المدن المهدمة , كل ذلك يدخل في الإطار الزمني للمرحلة الانتقالية.
من المنطقي أن إنكار أو إهمال طبيعة المرحلة الإنتقالية ومحاولة الإنتقال مباشرة لنظام ديمقراطي أمر غير ممكن , ويحمل مخاطر فشل الحكم وتقويض أركان الدولة الجديدة والإنتكاس نحو حالة من الفوضى وتسيد الإنقسامات العمودية في المجتمع .
مع ذلك لابد من وضع بعض القيود على الشرعية الثورية كما سبق ذكره .
وأول قيد لتلك الشرعية هو الإعلان الدستوري المؤقت .
وفيه يتم إنهاء العمل بالدستور القديم , وإنهاء شرعية النظام السياسي القديم بما في ذلك شرعية تمثيل رجاله للمناصب السياسية , وتحديد إطار إجمالي لشكل الدولة الجديدة والنظام السياسي البديل الذي تلتزم الشرعية الثورية بالوصول إليه في نهاية المرحلة الإنتقالية , كما يتم من خلاله تحديد أهم المبادىء الأساسية التي تلتزم بها الشرعية الثورية خلال المرحلة الإنتقالية مثل الحريات العامة وحقوق الانسان , والقانون الدولي على وجه المثال وليس الحصر .
والقيد الآخر هو المرجعية الدستورية للإعلان الدستوري المؤقت .
فحين تمتد المرحلة الإنتقالية لسنوات كما هو حال المرحلة الإنتقالية في ظروف سورية الحالية فلابد إضافة للإعلان الدستوري من مرجعية دستورية ويعني ذلك مرجعية دستور سابق ديمقراطي سبق أن اختاره الشعب عبر ممثليه الشرعيين وتم اعتماده بطريقة ديمقراطية . وأفضلها مرجعية دستور العام 1950 .
وتنبع أهمية المرجعية الدستورية من المعضلات القانونية العديدة التي يمكن للنظام السياسي أن يمر بها والتي تحتاج لمواد دستورية تفصيلية لايتضمنها الإعلان الدستوري المؤقت والذي يفترض فيه أن يكون مختصرا بعدد محدود من البنود العامة .
من الواضح أن القيادة السياسية التي تبلورت من خلال رئاسة السيد أحمد الشرع والتي تمثل واقعيا الشرعية الثورية في المرحلة الإنتقالية تسير في الطريق الصحيحة حين التزمت بإنجاز إعلان دستوري مؤقت وحكومة مؤقتة تحت مظلة ذلك الإعلان تتصف بشمولها جميع فئات الشعب , ويمكن التأكيد على أهمية كفاءتها الإدارية والتخصصية قبل كل شيء في هذه المرحلة .
أما المجلس التشريعي المقترح فيصلح كهيئة رقابية تضمن متابعة الحكومة ومحاسبتها خلال المرحلة الإنتقالية من جهة وحل جميع المعضلات القانونية في ضوء الإعلان الدستوري المؤقت ومرجعيته الدستورية .
وفي نهاية المرحلة الانتقالية يمكن للبلاد الإنتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية الديمقراطية عبر انتخابات عامة حرة على أساس المواطنة المجردة والتي ستنتج جمعية تأسيسية يكون من مهامها وضع الدستور الدائم للبلاد . وفي ضوء ذلك الدستور يمكن انتخاب مجلس نيابي أو تحول الجمعية التأسيسية إلى مجلس نيابي بعد انتهاء وضع الدستور .
وأخيرا لابد من التأكيد أن أهم ماهو مطلوب في الإعلان الدستوري المؤقت وفي التزام الشرعية الثورية السياسي هو ضمان الحريات العامة وكرامة المواطن وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو المذهب أو الانتماء القومي خلال المرحلة الانتقالية .