خليل البطران
نحن لسنا ضد الكرد كمكوّن، بل ضد عصابة “قسد” الإجرامية، التي تستخدم الكرد كواجهة وتنصّب نفسها ممثلًا لهم، لممارسة الإرهاب ضد أهل سوريا، عربًا وكردًا. في الحقيقة، لم تكن هناك خلافات جوهرية بين العرب والأكراد قبل الثورة السورية؛ بل كانت العلاقات مبنية على الودّ والاحترام والجيرة الحسنة، وكان العرب والكرد يتظاهرون سويًا في وجه الظلم.
✍️ مغالطة التهمة الداعشية
نجد اليوم الكثير من المحسوبين على المثقفين الأكراد يطلقون على العرب المخالفين لهم سياسياً صفة “الدواعش”، وهذه مغالطة كبرى؛ فداعش، مهما كبر شأنه، لا يمثّل إلا أيديولوجية متطرفة، ولا يمثل بأي شكل السوريين العرب. صحيح أن هناك عرباً انتسبوا لهذا التنظيم، بعضهم غُرِّر به حين لعبت داعش على الوتر الديني، وبعضهم طمعاً بالمعاش الشهري لينقذ أسرته من الجوع في ظروف مريرة عاشتها المنطقة، لكن الحقيقة التي يجب عدم إغفالها هي أن داعش، كتنظيم، فصيل أجنبي جاء من العراق إلى سوريا تحت زعم مناصرة الشعب السوري. وهناك الكثير من الشكوك حول دور مخابرات عالمية في تجنيد قياداته لتنفيذ مصالح معينة.
لكن الأخطر من ذلك هو أن داعش كان خنجراً في خاصرة الثورة السورية، حيث لم يكن يقاتل قوات النظام التي يدّعي محاربتها، بل كان يركز على استهداف فصائل الجيش الحر، لأنها كانت تشاركه العداء للأسد ولكن تخالفه في الأيديولوجيا، فكان يسعى لتصفيتها أو إخضاعها. والأكثر ريبة هو أن داعش ترك مدناً كبرى مثل القامشلي والحسكة ودير الزور، التي كان يمكنه القتال فيها، وبدلاً من ذلك توجه إلى عين العرب (كوباني)، حيث أحدث معركته الشهيرة التي أثارت ضجة إعلامية عالمية وأدت إلى تعاطف الغرب مع الأكراد، مما فتح الباب أمام التدخل الدولي المباشر في سوريا.
لقد كان هجوم داعش على عين العرب الذريعة الكبرى لدخول التحالف الدولي، الذي سرعان ما تحول إلى داعم رئيسي لـ”قسد”، التي لا تختلف كثيراً عن داعش في ممارساتها؛ إذ تتبنى أيديولوجيا إقصائية تفرضها بالقوة، وتسعى إلى القضاء على أي طرف يخالفها فكرياً أو سياسياً، مستخدمة أساليب لا تختلف عن تلك التي استخدمها داعش نفسه.
✍️ الأكراد في صفوف داعش
من المهم أيضًا أن نذكر أن الأكراد من شمال العراق كانوا ضمن صفوف داعش، حيث كانت لهم كتيبة خاصة تسمى “الكردستانيين”. هؤلاء الأكراد تم استغلالهم من خلال الدين والمشاعر الدينية التي تم تحفيزها لتحقيق أهداف داعش. في الواقع، لم تكن هذه الكتيبة تمثل تطلعات الشعب الكردي الحقيقي، بل كانت جزءًا من المشروع الإرهابي الذي استهدف الجميع دون استثناء.
لقد استخدم هذا الحزب القومي الأحلام الكردية لتحقيق مصالحه الخاصة، متاجرًا بحقوق الأكراد في اللغة والعادات والتقاليد. إن تجنيس العديد من الأكراد في فترة النظام البعثي الذي حرمهم من الجنسية هو نتيجة لسياسات النظام الشوفينية التي مارسها. ومع ذلك، علينا أن نكون جميعًا واعين بأن سوريا يجب أن تكون وطنًا لجميع السوريين، عربًا وكردًا وسريانًا وكلدانيين وغيرهم.
إن سوريا اليوم بحاجة إلى أن تظل وطنًا جامعًا للجميع، بفضل تنوعها الجميل الذي طالما تميزت به. فمحافظة الحسكة، على سبيل المثال، هي نموذج لهذا التنوع، حيث يعيش العرب والكرد والسريان والكلدان في تناغم واحترام. لم يحدث في تاريخها أن نشبت خلافات بين هذه المكونات، سوى ما تسببت فيه الأنظمة المستبدة أو التنظيمات الإرهابية من ظلم وتعسف.
✍️ “قسد” والمتاجرة بالقضية الكردية وسرقة مؤسسات الدولة
إن ما تقوم به “قسد” من سرقة مؤسسات الدولة في سوريا يجب أن يُدان من قبل جميع السوريين، خصوصًا من قبل الأكراد الذين لا يمكنهم التهرب من مسؤولية التنديد بهذه الأفعال التي تتناقض مع مصلحة الشعب الكردي في سوريا. فقد تحدث العديد من الشهود المحليين في مناطق شمال شرق سوريا عن استيلاء “قسد” على مؤسسات الدولة، ونهب ثروات المنطقة، وهو ما ساهم في تعطيل الحياة العامة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه سكان المناطق التي تسيطر عليها “قسد” من تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، نجد أن هذه المجموعة تستغل الظروف الصعبة لإغلاق أبواب العمل أمام أبناء المنطقة، مما يضطر الكثيرين إلى الانضمام إلى صفوف “قسد” كخيار وحيد للحصول على راتب شهري، مما يساهم في تحويلهم إلى مرتزقة ضمن صفوف هذه التنظيمات، مجبرين على إعالة أسرهم في ظل هذا الوضع المأساوي.
كما أن إدلجة المناهج الدراسية وفرضها على الأطفال والشباب، بما يتناسب مع سردية “قسد”، هو جزء من محاولات تغيير الهوية الثقافية لشعب المنطقة، وهو أمر يجب أن يُندد به من جميع المكونات، بما في ذلك الأكراد. على الرغم من أن “قسد” تروج لنفسها كممثل شرعي للأكراد، إلا أنها في الحقيقة تقوم بتقويض الهوية الوطنية السورية بكل مكوناتها.
ويجب على المثقفين الأكراد، الذين اختاروا دعم هذه السردية، أن يعيدوا النظر في مواقفهم. فهم لم يعيروا أي اهتمام لما تقوم به “قسد” من نهب للثروات وتعطيل الحياة العامة، ولم ينتقدوا السياسات التي أدت إلى إغلاق آفاق العمل أمام أبناء المنطقة. كما أن الصمت عن هذه الممارسات يُعد تواطؤًا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون، خاصة أولئك الذين يواجهون فقدان الأمل في الحصول على فرصة أفضل في مناطقهم.
✍️ مواجهة المشاريع التقسيمية: وحدة السوريين هي الحل
إن سوريا بحاجة اليوم إلى أن تظل وطنًا للجميع، وأن تتجاوز أي مشاريع تقسم الشعب السوري، مهما كانت تسميتها. يجب أن نتمسك بالوحدة الوطنية السورية كأساس لبناء دولة المواطنة التي تستند إلى الحقوق والواجبات المتساوية لجميع السوريين، سواء كانوا عربًا أو أكرادًا أو سريانًا أو كلدانًا.
إننا بحاجة إلى بناء سوريا جديدة، سوريا قوية، سوريا تحتضن التنوع الوطني وتستفيد من كل مكوناتها الثقافية والاجتماعية. فالتقسيم لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة، ويخلق المزيد من الأزمات التي تمس مصلحة السوريين في كل مكان.
لقد عانى جميع السوريين من ظلم النظام البعثي، ونضالنا من أجل التحرر ما زال مستمرًا. ولذلك، يجب أن نكون جميعًا واعين للمشاريع التي تهدد وحدة الوطن وتهدف إلى تفتيت المجتمع السوري. على الأكراد أن يتجردوا من النزعات القومية الضيقة وأن يعملوا مع باقي المكونات على بناء دولة المواطن، حيث الجميع متساوون في الحقوق والواجبات.
في النهاية، إن سوريا بحاجة إلى وحدة وطنية حقيقية، قائمة على أسس المواطنة، لا على الانتماءات الضيقة. نتمنى أن يعم السلام والخير على سوريا، وأن يعود الوعي إلى الجميع ليقفوا صفًا واحدًا من أجل بناء مستقبل سوريا الجديد.