نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤخرًا ما مفاده أن مصير بشار الأسد في (صفقة القرن) المتعلقة بسورية هو ” الدفع نحو تسليم دول الجوار، وضمنها السعودية والأردن وإسرائيل، بإبقاء نظام بشار الأسد في الحكم.” وهي مسألة يبدو أنها باتت جدية، من حيث أنها تتوافق مع ما ظهر من مواقف كاشفة للإدارة الأميركية، بالتخلي الكامل عن الجنوب السوري، وترك الفصائل تلاقي مصيرها لوحدها، عبر توافقات واضحة مع الجانب الروسي والإسرائيلي.
هذه التسريبات دفعتنا لطرح بعض الأسئلة على باحثين وكتاب سوريين لنقف مع رؤياهم لهذه المسألة المقلقة للوضع السوري برمته. فتم سؤالهم عما إذا كان ذلك ممكنًا وواقعيًا؟ وهل بتنا على أبواب إعادة تأهيل حقيقية لبشار الأسد؟
الباحث السوري جبر الشوفي أكد لجيرون قائلًا ” أعتقد أن الصفقة قد أُبرمت وأخذت الموافقة عليها من هذه الدول، ودليلي إدارة ظهر أميركية وإسرائيلية كاملة على عدوان صريح من النظام والروس قريبًا من حدود إسرائيل وسير عملياته بدون أي قلق أو إرباك لمخططاته”. وأضاف الشوفي ” الكل بات متوافقًا على قبول بشار وإعادة اعتباره، والسماح له الوصول إلى الحدود مع إسرائيل، لطمأنتها مقابل إخراج إيران وأذيالها، بل الظاهر الاكتفاء بإبعادها المسافة المطمئنة لإسرائيل والأردن، وهذه الخطوة فيها تسكيت لبشار الذي سيكون قد قبض الثمن سلفًا وموافقة الروس على تمرير صفقة القرن التي قد تطيح بنتنياهو، في سبيل ذلك، وقد جرت هزة لملك الأردن ليست بعيدة عن ذلك، كما أن دخول محمد دحلان السري إن صح، سيكون مؤكدًا إضافيًا بالتوافق مع زيارة صهر ترامب للملك الأردني”.
الكاتب والمعارض السوري محمد عمر كرداس قال” ما يسمى “بصفقة القرن ” شيء غير معروف لنا حتى الآن ومع ذلك، فإذا كان هناك جزء من الصفقة يتعلق بسورية وبوضع النظام، فإني أقول إن الدول الإقليمية وحتى الكبرى ليس لها أي اعتراض على استمرار النظام، فهي قد تعاملت معه وخبرته على مدى عقود. ومن الطبيعي ألا يكون هناك مشكلة في استمراره. وقد شهدنا على مستوى الأنظمة العربية في السابق مصالحات وعلاقات ود بعد عقود من المنازعات والخلافات وحتى الحروب. فالأنظمة العربية المحيطة لا تختلف عن بعضها في الجوهر، أما أن يكون ذلك واقعيًا في سورية، فإذا أردنا التعامل مع الواقع نقول إن المحددات على الأرض تؤكد ذلك، فالنظام يفرض سيطرته على الأرض أولاً بأول بعد هزيمة مشروع ما يسمى بـ(الدولة الإسلامية) والجماعات المتطرفة الأخرى، وحتى المسلحة الأخرى التي تشكلت بدعم من دول إقليمية وخارجية، بعد أن بدأت هذه الدول تسحب دعمها ضمن صفقات محلية وعالمية وبعد خلافات وقناعات بأن مشروعها في سورية باء بالفشل.” وأردف كرداس قائلًا
” تبقى المشكلة الكبرى في الاحتلالات المتعددة لأجزاء من التراب السوري في مناطق حساسة من الأرض السورية، وهذا بتصوري لن يحل إلا بمقايضات دولية وإقليمية عند التسوية الأخيرة إذا كانت لدى هذه الدول قناعات ببقاء سورية موحدة أرضًا وشعبًا. كل ذلك والشعب في سورية بعيد عن أي تأثير في مجريات الأمور حتى بتصوري أن الدستور الذي يقترح اليوم سيكون بإملاءات خارجية أكثر من كونه من عمل اللجنة الدستورية المقترحة. فما دام غالبية شعبنا في المنافي والمخيمات لن تتاح له فرصة التعبير عن رأيه بحرية. أما ما نريده لسورية بعد هذه الكارثة التي امتدت أكثر من الحرب الكونية والحروب الإقليمية الكبرى في كوريا والبلقان وغيرها، وفاقت خسائرها البشرية والمادية كل التوقعات فان ما نريده يتلخص بما يلي: _ لقد بدأت الثورة السورية باحتجاجات سلمية تطالب بمطالب عادلة في الحرية والعدالة والكرامة، ولكن مواجهتها بالعنف مبكرًا فتح المجال أمام تدخل السلاح الذي لم يكن في صالح الشعب بل خدمة لأجندات إقليمية ودولية لا تريد الخير والرفاه لشعبنا، لأننا نعلم أن الدول الاستعمارية تتبرص بشعبنا منذ الخمسينات لتنفذ أجندات استعمارية لتقسيم المنطقة ونهب ثرواتها. وقد حانت الفرصة وبدأ تدفق السلاح والمسلحين من أكثر من سبعين دولة لتدور المعارك الطاحنة وتصفية الحسابات على أرضنا.” ثم نبه كرداس إلى ” أن ما نطالب به اليوم ويصر عليه شعبنا في الوطن والمنافي، هو قيام دولة وطنية ديمقراطية بعقد اجتماعي جديد، يتم بموجبه فصل السلطات وتخضع بموجبه السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية المنتخبة مباشرة من الشعب بنزاهة وبرقابة شعبية حقيقية، وأن يتم تداول السلطة وأن يكون الجيش الوطني لحماية الوطن والأمن لحماية الوطن والمواطن، وأن يبدأ العمل بشفافية ونزاهة وأن يكون هناك مكان لجميع المكونات الشعبية وحقوق متساوية للجميع وأن تتم محاسبة كل من تلطخت أيديهم بدماء أبناء الشعب، ومحاسبة المفسدين والمتاجرين بقوت الشعب وأن تعود اللحمة الوطنية بين جميع مكونات شعبنا ليعيش الجميع بالأمن والأمان الذي يستحقونه.”
الكاتب السوري ورئيس جمعية حقوق الانسان مروان حمزة أكد أنه ” طالما القصف يصم الآذان في منطقتنا. ولا نعرف إلى أين نحن ذاهبون!! وقد يكون صحيحًا هذا الكلام طالما الصمت المطبق من كل دول العالم حول ما يحصل في الجنوب. حيث عدنا للمربع الاول الى ما قبل ٦ سنوات. والتصعيد جار. وسياسة الأرض المحروقة والقتل من قصف الطيران الروسي والتمهيد المدفعي وآلاف الهاربين من الموت بالشوارع دون غطاء، فنحن أمام مرحلة جديدة حاول النظام بمساعدة حلفائه تثبيتها وهي الاقرار بأنه انتصر على الارهاب المزعوم. بموافقة اسرائيل سيدة المنطقة أولًا وأميركا المتفرج الدائم على ما ألت إليه الأمور ثانيًا. وقبولها بكل ما يجري على الأرض من تدمير وقتل دون تحريك أي ساكن. فالقصة إن الشعب السوري أضحى من زمان ورقة خريف في مهب الريح تتقاذفها الأهواء وفق ما يشاء النظام.”
أما الباحث السوري بيان الحجار فقال ” بعد الأخطاء الكبيرة والقاتلة التي ارتكبها النظام في تعامله مع انتفاضة المجتمع. لا أظن أن بقاء النظام كما هو ممكنًا، فهنالك جرائم ارتكبت ستبقى تلاحق مرتكبيها، مما يؤدي إلى عدم استقرار النظام داخليًا بصرف النظر عن العامل الخارجي، قد يكون من مصلحة الأردن استقرار الوضع في سورية لمصلحته في ذلك اقتصاديًا وإمكانية عودة اللاجئين، لكن لا مصلحة للسعودية في تقديري بدعم ذلك، فما الذي ستجنيه، وأظنها غير مستعدة لتقديم مليارات الدولارات لتأهيل النظام”. لكنه انتهى إلى القول ” أما إسرائيل نعم فمن مصلحتها وجود نظام مأزوم أقلوي ضعيف يضع قضية الجولان في خانة النسيان ، أيًا كانت مرجعيته وطنية أو قومية أو دينية، وبصراحة لا يستحق بقاء النظام من عدمه جملة صفقة القرن، فهو أقل شأنها من ذلك، إن صفقة القرن هي محاولة منهم استغلال الظرف الراهن لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الكيان الأردني، المهم بالنسبة لإسرائيل أن العراق وسورية خرجت من معادلة المنطقة إلى أمد طويل”.
المصدر: جيرون