لعل الحراك السياسي في الأسابيع القليلة الماضية من قبل القوى الفارسية المتمثلة بمنظمة مجاهدي خلق اليسارية والملَكيين القوميين واستعانتهم بالشعوب غير الفارسية لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، من أهم الأحداث التي طرأت بعد الشروط الأميركية الاثني عشر التي تهدف للحد من السلوك الإيراني المزعزع للمنطقة برمتها.
هذه الاستعانة أو بالأحرى هذا الاستجداء السياسي الفارسي من الشعوب الأخرى في جغرافية إيران السياسية، إذا صح التعبير، والذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الفارسية ذات التوجه الشوفيني التي لطالما كانت دائما ترفض الاعتراف بالحقوق القومية والاجتماعية والسياسية لهذه الشعوب والواقع السياسي في البلاد، تعتبر نقلة نوعية لا بد من دراستها وفهمها بشكل جيد. وذلك تجنبا لما قد يحدث ثانية مع الشعوب غير الفارسية كما حدث بعد انتصار (الثورة الإسلامية) في العام 1979، حيث أنكر الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، كافة الوعود القومية والسياسية التي قطعها لممثلي الشعوب آنذاك.
ومن هذا المنطلق، فإننا إذا ما تعمقنا قليلا فسنجد أن كلمة الفصل في أي تغيير محتمل في إيران هي بيد الشعوب غير الفارسية التي تشكل 70 بالمئة من مجموع السكان في إيران. وللدلالة على هذا، فإن تجربة الحركة الخضراء في العام 2009 والتي انحصرت فقط في الوسط الإيراني (طهران وأصفهان وشيراز) مازالت ماثلة في العقول والأذهان.
إلا أنه وبالرغم من هذا التغيير فإن الذهنية الفارسية الحالية مازالت هي تلك الذهنية التي أوجدت الدولة والأمة الفارسيتين على حساب التنوع القومي، وأسست الدولة البهلوية العنصرية في العام 1926 بعد عام من احتلال المحمرة، عاصمة الأحواز آنذاك. وعليه، فلا بد من أن يكون التغيير المحتمل في إيران مقرونا بضمان أممي يكفل الحقوق القومية والسياسية والاقتصادية للقوميات، وهذا الأمر بحد ذاته سينعكس، حتما، بالإيجاب على الإقليم برمته.
ومع تسارع وتيرة الضغوط الاقتصادية والسياسية الأميركية على طهران التي تبلغ مداها في 4 نوفمبر القادم، ورغبة إدارة دونالد ترامب وصناع القرار هناك، وكذلك رغبة دول الإقليم المتضررة من نشاطات الحرس الثوري الإيراني (فيلق القدس) في تغيير سلوكه المزعزع لاستقرار المنطقة، لا سيما رغبة الشعوب في إيران بالتخلص من نظام الجمهورية الإسلامية، فقد يتساءل البعض عن نوعية النظام السياسي الذي سيحل محل الجمهورية الإسلامية في إيران في حال سقطت، وعلى ضوء ما تقدم، فهناك ثلاثة مسارات قد تحدد نوعية النظام السياسي في إيران.
فالمسار الأول، يتشكل من القوى الفارسية. فهذه القوى تسعى لبناء دولة قومية فارسية شديدة المركزية. وتكمن خطورتها في عدائها الشديد للعرب. كما يعتقد الفارسي أن العرب (الإسلام) هم من دمروا الحضارة الفارسية، وكثيرا ما يحن هؤلاء للأوهام القديمة التي أوجدتها الدولة البهلوية (الشاه الأب). وبالتالي، في حال سقط نظام الجمهورية الإسلامية، واستلم هؤلاء الحكم، فإنهم سيشكلون خطرا على العالم العربي لا يقل خطورة عما يشكله النظام الحالي.
وأما المسار الثاني، فيتشكل من الشعوب غير الفارسية (الأذربيجانيون والعرب والأكراد والبلوش وغيرهم). منهم من يطالب بالتحرير، والآخر يسعى لإقامة نظام فيدرالي. وعليه، إذا تحررت الأقاليم فهذا يعني أن إيران الحالية تتفكك أو تتجزأ إلى عدة دويلات، وهذا بالتأكيد، سيخدم الأمن القومي العربي والخليجي في المقام الأول. وأما النظام الفيدرالي، فهذا يعني بالضرورة إضعاف المركز الفارسي سياسيا وعسكريا، وهذا لصالح الشعوب في إيران والمنطقة عموما.
وبالتالي، فإذا ما حكمت هذه الشعوب نفسها بنفسها في إطار الدولة الفيدرالية، فهذا يعني، أن القرار السياسي للحكومات المحلية يخضع لعدة اعتبارات قد لا تتماشى كليا مع المصالح الفارسية التوسعية منذ تسعة عقود على الأقل.
المسار الثالث يتشكل من التيار الثالث (جريان سوم)، والذي نعت نفسه بالشعب. فهذا التيار يهدف إلى بناء دولة ديمقراطية ليبرالية تضمن الحقوق القومية والسياسية للشعوب في إطار جغرافية إيران السياسية.
هذا المسار إذا ما تحقق فقد يدفع بإيران في المستقبل إلى أن تكون بالفعل دولة طبيعية تحترم مختلف المواثيق والأعراف الدولية، وأخيرا وليس آخرا، من المهم أن تقوم الدول العربية، ولا سيما الخليجية كونها المتضرر الرئيس من السياسات التوسعية الإيرانية، بدفع المسار الثاني أو الثالث على الأقل، فالتغيير في إيران أصبح ضرورة ملحة جدًا ولا بد منها، لكن هذا التغيير لن يحصل إلا بدعم الشعوب في إيران وتمكينها من التخلص من نظام الجمهورية الإسلامية، من خلال إيجاد آلية سياسية واضحة المعالم، وبإشراف منظمة الأمم المتحدة لضمان هذا التغيير المفترض والذي بالضرورة يخدم الأمن والسلم الدوليين.
المصدر: العرب اللندنية.