لطالما كانت الإدارة الأميركية الجديدة والقديمة، مواكبة للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية داخل الدولة التركية، وهي الدولة الإسلامية الكبرى داخل حلف الناتو، وهي المتطلعة أبدًا الى الانخراط في أتون الاتحاد الأوروبي، دون أن يُفسح في المجال مطلقًا، لدخول دولة كبرى مواطنوها مسلمون بشكل شبه كامل، ويتجاوز عددهم ال 81 مليون نسمة، من منطلق أنها قنبلة ديمغرافية مهمة جدًا لن تسمح دول الغرب ومعهم أميركا بأن تتواجد داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، بما يشكل ذلك (بنظرهم) ذاك التحول الخطير نحو تغيير مسارات الاتحاد الأوروبي. وقد عملت الدول الغربية مؤخرًا ومنذ ما قبل محاولة الانقلاب الفاشلة، في 15 تموز/ يوليو 2016، على تقويض كيان وأركان الحكومة التركية، التي لا تندرج في سياقات أميركية، تبتغيها السياسات الغربية، كي تكون تابعة وليست شريكة أو حليفة، وهو ما تصر عليه الإدارة السياسية الأردوغانية المنعتقة من سياسات التابعية السياسية أو الاقتصادية، معتدة بتاريخها الإسلامي العثماني، وقوتها السكانية والحضارية المشهود لها عالميًا، ومتكئة على التفاف جماهيري تركي وإسلامي كبيرين، حول سياسة طالما حلم بها إنسان العالم الثالث، بل إنسان العالم المسلم، ضمن ظروف استقطابية سيئة، تعمل عليها الإدارات الأميركية المتعاقبة، وتتمسك بسياسة عالمية أحادية القطب، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وعدم قدرة أي قطب آخر من الإمساك بثنائية قطبية جديدة، سواء كانت روسية أو صينية. ضمن هذه الأجواء الدراماتيكية ، جاءت السياسة الأميركية الترامبية، في محاولة منها للجم سياسة تركية منفتحة على العالم، وطامحة لأن تكون ذات سمة وطنية، ترفض التابعية، وتصر على أخذ مسارها المستقل ضمن حالات نهضوية، لا تخفى على أحد، وتسطر كل يوم انتصارات جديدة، في الإقليم والمنطقة برمتها، وعلى جميع المستويات، العسكرية والاقتصادية، الصناعية والتجارية، التي باتت فيها تركيا تتبوأ المقعد الأهم على المستوى الصناعي الحديث، والتجاري النشط، حيث بدأت الإدارة الأميركية حربًا اقتصادية مقصودة، واستهدافية، تريد عبرها إعادة تركيا إلى الركون لسياسات أميركية في المنطقة، لا تخدم إلا المصالح الأميركية، وفقط، دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية التركية، رغم كل المحاولات السياسية التركية المتمكنة، من الوصول إلى تفاهمات اقتصادية سياسية عسكرية، تواكب ماهية الاحترام المتبادل في السياسة والاقتصاد على حد سواء.
من هنا فإن الأزمة الحالية بين الإدارة الأميركية والدولة التركية، مرشحة للاستمرار، إلى أمد ليس بالقصير، في جو تركي وطني ملتف حول رئيسه وسياسات وطنية تركية، ما برحت ترى فيها جموع الناس أنها جزءً مهمًا من الاعتزاز بالوطنية التركية ، والهوية الوطنية التي لا يتخلى عنها أي تركي، مهما تحمل من حصارات اقتصادية، أو حربًا ضد عملته الوطنية، ويبدو أن هذا الالتفاف الجماهيري حول سياسات الحكومة التركية، حتى من قبل من هم في صف المعارضة التركية، يدلل إلى تكاتف وطني مميز ضد الهيمنة الأميركية، والغطرسة البائسة من ترامب الذي يتوهم أنه يملك العالم، ويستطيع من خلال القوة العسكرية الأميركية لَي أعناق دول العالم.
ولعل السياسات الاقتصادية التركية الجديدة، والخبرة الاقتصادية والسياسية التركية، والقدرة على المناورة، هي ما سوف تمكن الحكومة الأردوغانية، من السيطرة على الوضع الاقتصادي وضبطه، وإعادة رسم سياسات حداثوية قوية، وقادرة على إعادة القطار إلى سكته، ضمن وعي شعبي تركي، غاية في الأهمية، حتى لو تخلى الكثير من الأصدقاء السابقين عن الوقوف إلى جانب الليرة التركية، والدولة التركية، في ظرف يُفترض فيه أن يقف الصديق إلى جانب صديقه، دون الخوف من أخطبوط أميركي عالمي، يبدو أنه ما يزال الأقدر على إخافة بعض الدول التي تُؤثِر السلامة عن الوقوف في وجه السياسة الأميركية، سياسة (المولوخ إله الشر).
المطلعون على آليات السياسة الاقتصادية التركية يشيرون إلى قدرة الاقتصاد التركي على التصدي للهجوم الأميركي الغربي، المتوحش، وتخطي تبعاته ونتائجه السلبية، وهم يرون أن الاقتصاد التركي أقوى بكثير من الاقتصاد الإيراني، حيث يتأثر( الإيراني) أكثر بكثير جراء الحرب الاقتصادية عليه، وعلى عملته، كما أن أوضاع إيران عمومًا واستطالاتها الإرهابية في المنطقة، تتعدى أية قدرة على الصمود، كما هو حال الوضع الاقتصادي التركي، الذي يعيش حالة وحيثية مريحة أكثر من الإيراني، ومن ثم فإنه لا يمكن المقارنة بينهما، على كل الصعد.
على هذا التموضع كان مستقبل البعد الاقتصادي التركي يشير إلى حالة تعافي، في المستقبل المنظور، في ظل سياسات اقتصادية وطنية متمكنة وقادرة، ومدركة لإمكانياتها الذاتية، ومدى وعي الشارع التركي لما يجري من حوله، كحرب اقتصادية عدائية قذرة تبغي تقويض دولته الوطنية.
المصدر: إشراق