يبدو أن الأنظمة المستبدة تنتج بالفعل معارضات على شاكلتها. وهو ما يتمظهر من خلال تفشي ظاهرة الفساد بشكل كبير بين ظهراني العديد ممن يتنطح اليوم للامساك بمؤسسات المعارضة السورية. ضمن هذا الواقع المتشظي للمعارضة والفاسد. هل من إمكانية واقعية اليوم لتجاوز الفاسدين وانتاج معارضة أفضل في وقت نحن أشد الحاجة فيه إلى نخب معارضة أكثر نزاهة وأقرب إلى الناس البسطاء من شعبنا، وهم أهل الثورة الحقيقيين، وترى هل من حالة نهوض في هذا الاتجاه؟
الباحث الفلسطيني السوري أيمن أبو هاشم قال لجيرون ” حتى تتوفر إمكانية حقيقية لمواجهة ظاهرة الفساد في مؤسسات المعارضة، لابد من العمل على إصلاح بنية هذه المؤسسات، وهذا يتوقف بدوره على خلق آليات ضغط ومراقبة على الهيئات التي تدعي تمثيل قوى الثورة والمعارضة، من خلال رفع عقيرة المطالبات لكسر أشكال وسياسات الاحتكار، التي تنتهجها لمنع وصول الكفاءات إلى مراكز صنع القرار. وأعتقد أن تصحيح التمثيل هو المدخل الحقيقي لبدء مسار الاصلاح الداخلي، ووفق عملية ديمقراطية تتيح التخلص من وجوه الفساد والفشل السياسي، وتصعيد شخصيات ثورية مؤتمنة، وبوسعنا القول إنه لا يمكن مواجهة الفساد الموروث من نظام الاستبداد دون برنامج واضح، تتوافق عليه القوى والنخب الحريصة على تصحيح مسار الثورة، وتسلط من خلاله الضوء على ملفات الفساد، ضمن معايير سياسية وحقوقية سليمة، وفضح المسؤولين عنها، والعمل الجدي على محاسبتهم”. لكنه أكد أيضًا وبكل وضوح أنه ” من غير المعقول وطيلة السنوات الماضية أن يعبث الفاسدون بأنبل قضية ضحى من أجلها السوريين بالغالي والنفيس، فيما لا تتم محاسبتهم عما قاموا بها من إساءات وأضرار فادحة بحق الثورة، والمطلوب اليوم وبشكل ملح تقديم رؤية وطنية تلزم المنخرطين بالشأن العام التقيد والالتزام بالثوابت والضوابط الثورية، ووقف هذا التسيب في ممارسة العمل السياسي والأداء المؤسساتي، ودون هذه الرؤية سيبقى الفساد الذي أصاب الثورة، العامل الذاتي الأخطر في تآكل مؤسساتها وتفتيت بنيتها واستنزاف قواها”.
الباحث السوري عبد الباسط حمودة تحدث لجيرون بقوله ” رعت السلطة الفاشية في سورية على مدى العقود الخمسة الماضية نشوء طبقات جديدة متجددة في سورية من كبار الفاسدين والمفسدين، أصلها من المتنفذين وموظفي ومتعهدي القطاع العام (سابقًا) والأمنيين والعسكريين المسرحين، وهي التي قامت بدورها بتأسيس شركات وفتحت معامل ومشاريع وأصبحت شريكة أو وكيلة لشركات أجنبية، وأفسدت بعضها البعض جيلًا بعد آخر، من موظفي الدولة وأمنييها وعسكريها. كان ذلك في كل القطاعات: الزراعة والصناعة والنفط والمصارف والجيش والأمن وكل مؤسسات (الدولة) التي أشرف عليها البعث وعصابة الاحتلال الأسدي، سرق هؤلاء الفاسدون كل الشركات وتركوها حطامًا وأصبح القائمون على إدارتها فيما بعد من أثرياء البلد ومتنفذي البلد. وكذلك الحال في المجالات الأخرى: في مجال الاستيراد والتصدير كما في القطع الأجنبي وإجازات الاستيراد والاستثناءات وتغيير أو تعديل أحكام التجارة الخارجية، وفي استيراد البذار والعلف والمبيدات والأسمدة للزارعين والفلاحين، وكذلك استيراد الحبوب والطحين وكل المواد الغذائية، ولم يستثنِ الفساد حتى الأدوية البشرية، والتلاعب بالمواصفات وفتح الاعتمادات.” وأضاف ” لا تزال عالقة في الأذهان قصص فساد عديدة لرعاته من وزراء ومعاوني وزراء ورؤساء وزارات أيضًا وكل ذلك بإشراف المُفسد الأول ووريثه فيما بعد. الأمر الذي عزز نشوء هذه الطبقة الفاسدة التي أثرَت على حساب قوت الشعب وشوّهت سمعة سورية، والتي لم يفلت منها ويشذ عنها إلا كل طويل عمر وكف نظيف وذو تربية وطنية وأسرية حقيقية. وبعد الثورة ونظرًا لعدم توفر قيادة وطنية حقيقية ملتزمة بمبادئ ثورية لثورة الحرية والكرامة كان الباب مشرعًا للعديد من اللصوص وأصحاب نفس السلوك من خريجي المؤسسات إياها، التي أشرفت على الفساد والإفساد المديد في سورية، والتي كان من إنجازاتها خريجي الجامعات بشهادات وعلامات شبيبيه واستثناءات خاصة للحصول على شهادات دكتوراه بشتى العلوم ودون مؤهلات سوى التبعية الأمنية والحزبية (بعثية أو جبهوية) مرتبطة بجبهتهم غير الوطنية وغير التقدمية. فضلًا عن ذلك فإن أجهزة ما سمي المعارضة (المجلس الوطني؛ الائتلاف؛ الحكومة المؤقتة؛ و سواها) و ممثلوها في الخارج يغلب عليهم العجز وسوء الإدارة ونقص الخبرة والهدر، فضلًا عن السعي لبناء الأمجاد الشخصية أو (الكتلية)، مما أدى إلى تعمّق الانفصال الشعوريّ بينهم وبين جمهور الثورة، الذي كان يزداد فقرًا و بؤسًا وشعبيةً مع مرور الأيام الطويلة، التي أثبتت لهذا الجمهور أن (قيادته) لا تصلح لما يترتب عليها من مهمّاتٍ جسيمة، لا على المستوى السياسيّ ولا على مستوى تأمين الحاجات الأساسية والخدمات للمناطق المحرّرة و أهلها. وصار ظهور هؤلاء على وسائل الإعلام، بكلامهم العامّ والمكرّر والفاقد للصدقية، وبملابسهم النظيفة ووجوههم المتنعّمة كفيلًا بإثارة موجاتٍ من الغضب والسخرية. ومن هنا فإن اتهام هؤلاء بالفساد وسرقة مال الثورة، الذي يسمع السوريّ العاديّ عنه كلامًا محددًا وبالأسماء الصريحة والجهات التي تمولها على حساب الثورة ودماء شهدائها، هو اتهامٌ وانتقام هذا المواطن من كلّ ما يعانيه من آلامٍ، كان على هؤلاء المعارضين الحؤول دونها أو ردعها والتقليل من أثرها.” وتساءل حمودة ” كيف الخروج من الفساد وجلهم خريج نفس المدرسة الأسدية الفاسدة والمفسدة؟ إن كان هذا الأمر مفهوم قبل الثورة فهو غير مفهوم وغير مبرر بعدها، بل طالما أخذ شكل الاستمرار والمتابعة الفاسدة والمفسدة فهو بالتأكيد خروج عن أهداف الثورة وتماهي مع رغبة المفسد الأول وهو الاستبداد وفاشييه ومواجهة الثورة دون الإعلان عن ذلك. فكم من شلل ما يسمى: التجمع الديموقراطي الليبرالي، والتجمع العلماني الديموقراطي الليبرالي (عدل)، والحزب الليبرالي (الحر)، وزعماء ما سمي التيار الديني المعارض. وكلهم تم تأسيسهم أو الدفع لتأسيسهم داخل سورية قبل الثورة بعلم واشراف مخابرات النظام؛ فكم من هذه الشلل وصلت إلى المجلس الوطني والائتلاف والحكومة المؤقتة؟ يضاف لهم الكثير ممن كان خريجًا من أحد الجامعات: الروسية والرومانية، أو أم درمان مثلًا لصالح جهات نافذة في الأمن وكليات الشريعة وتسلقوا على حساب الثورة وبعلم نظام الشبيحة وما زالوا، ينهبوا ويكذبوا على أكتاف شعبنا. فلا زال بالذهن الكثير من أسمائهم، ولا زالوا داخل أروقة ما سمي أجهزة المعارضة! وهكذا كان أغلبهم تحت سلطة وتوجيه أجهزة أمن ومخابرات مموليهم، تحت ذريعة دعم الثورة، وهم كاذبون وناهبون ومرتشون، كما كانوا مرتشين تحت سلطة المرتشي الأول ومشايعيه”. وتحدث عن المخارج من ذلك بقوله ” يمكن البحث عن مخارج لأزمة تمثيل الثورة ولفظ دجاليها والناهبين لأموالها، الذي أعتقد أنه يعد الخطوة اللازمة والضرورية لقطع الطريق على باقي أتباع نظام الشبيحة من ضفادع تحت اسم ثوار ومشايخ شرع وخلافه من خريجي مدرسة محمود غول أغاسي (أبو القعقاع) الأمنية الذين كانوا عين النظام وأداته القاتلة، بمسميات إسلامجية قاعدية (داعش و النصرة) و ما شابه، و التي لا علاقة لها بالثورة، بقدر ما كان همها الأول هو إبعاد الثوار والأحرار عن روح الثورة وأهدافها نحو الطائفية والمناطقية والزبائنية وهو ما نجحوا به للأسف تكاملًا مع أدوار تلكم الشلل الفاسدة و المفسدة بأجهزة ما سمي المعارضة، التي تعكز عليها الاحتلال الأسدي و كل أنصاره من باقي الاحتلالات الروسية والفارسية والحزبلاهية الميليشياوية الطائفية، أما النهوض مما وصلنا و أوصلونا إليه، فهذا يتطلب جهود كبيرة وصبر وعناد و استقلالية لازال نضالنا يفتقر لها، لكن لإرادة الشعوب والثوار رأي آخر لا بد من السير على هديه”.
الدكتور جهاد الرفاعي له رأي حاد اذ يقول ” للأسف لا توجد أي مؤشرات بهذا الاتجاه أي فيما يتعلق بتجاوز الفاسدين، للأسف لا أعتقد أبدًا وحاليًا بإمكانية تجاوز هذا الفساد، للأسف كل التجارب التي حاولت إصدار كيانات وأجسام معارضة ولو كانت حتى مدنية، سريعًا ما كانت تنتقل إليها كل أمراض الائتلاف والمجلس الوطني، والتي هي بجزء كبير منها أمراض ومشكلات النظام، وهذه الأمراض منها الانفصال عن الواقع، التحيز التام، والأنا للكيان، أو الرأي أو التيار، الفجور عند الخلاف، الفساد المادي، الاهتراء الإداري، والعشوائية بالعمل، التحيزات المناطقية والفكرية والهوس بالتصنيف، وأيضًا إقصاء الشباب بشكل شبه كامل”.
المصدر: جيرون