اتضح منذ بداية مسار “أستانة ” أن ما تسعى إليه روسيا من وراء ما أُطلق عليه “مناطق خفض التصعيد” هو فرض شروط الاستسلام على قوى الثورة السورية، وتجميع الفصائل العسكرية والمدنيين الرافضين للمصالحات مع النظام، وحشرهم في الشمال السوري. ورغم أن الوقائع التي حدثت بعد سقوط حلب وما تلاها في الغوطة وريف دمشق وريف حمص الشمالي ودرعا ، كانت تؤكد جميعها بكل وضوح الهدف الحقيقي من مسار ” أستانة “، فإن ذلك ورغم انعكاساته الخطيرة على واقع الثورة ومستقبلها، لم يدفع من شاركوا عن قوى الثورة والمعارضة في جولات “أستانة” المتتالية، إلى مراجعة جدوى مشاركتهم في هذا المسار الكارثي، الذي نجح من خلاله الروس والإيرانيين، في اختراق الفصائل العسكرية، وفصل المناطق المحررة عن بعضها، تمهيداً إلى الاستفراد بها، وفرض تسويات مناطقيّة عليها، وصولاً إلى استكمال مخططات تهجير سكان تلك المناطق. وفي واقع الأمر وبعد أن أصبحت محافظة إدلب، المحشر الكبير للمهجرين من باقي المدن السورية، وجدت روسيا وإيران والنظام أن الوقت أصبح ملائماً للانقضاض على آخر معاقل الثورة في الشمال السوري. ولأن نتائج الهجوم على إدلب وريفها، مما يخشاه الطرف التركي كطرف ثالث ضامن، أدرك بدوره في قمة طهران التي انعقدت في 7 / 9 / 2018، أن شركائه لا يأخذون مخاوفه من تدفق أعداد كبيرة من النازحين إلى بلاده بعين الاعتبار، وليسوا في وارد تقدير آثار العملية المرتقبة على مصالح أمنه القومي. من هنا حدث التصادم بين الموقف التركي الرافض للعملية العسكرية، والموقفين الروسي والإيراني المتمسكين بها تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”. ولم يعد خافياً بعد المؤتمر الصحفي في قمة طهران، وإجراءات التصعيد الروسية التي أعقبته على الأرض، أن مأزق إدلب الناجم عن غياب التوافق بين الأطراف الضامنة على مصير المدينة وريفها، بات يُنذر بعواقب وخيمة على حياة قرابة أربعة مليون مدني في حال استمر التصادم في المواقف، وطالما استمر التعنت الروسي في تنفيذ خطة استعادة إدلب إلى قبضة النظام، وما قيام تركيا بالمقابل بتعزيز قواتها العسكرية في نقاط المراقبة التابعة لها في المنطقة المستهدفة، سوى رسالة تلويح بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا حاول النظام اقتحام إدلب، كما صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن. ما يعني أن السيناريوهات المحتملة مع بدء روسيا باستهداف ريف إدلب الجنوبي والغربي، تُرجّح إلى بداية مرحلة ساخنة من التصعيد السياسي والعسكري، في ظل عدم وضوح المواقف الدولية وتضاربها حيال ما يجري بين الأطراف المعنيّة مباشرة بوضع المدينة. بيدَ أن العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن هذا التصعيد، يبقى عاملاً حاضراً بقوة بين الأطراف الضامنة، ولا يجوز استبعاد توصلهم إلى صيغة أو تسوية، توازن بين مصالحهم، وتحقق لكلٍ منهم ما يؤمن نفوذه في الساحة السورية. بناءً على هذه التطورات الأخيرة نرى في “تجمع مصير” أن حياة الملايين في إدلب والشمال السوري، والحفاظ على البيئة الحاضنة للثورة في هذه المناطق، يشكل أولوية الأولويات التي تفرض على قوى الثورة السياسية والعسكرية والمدنية كافة، أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية في الدفاع عن شعبنا، وقد أكدت المظاهرات العارمة التي غطت بلدات وقرى الشمال السوري مؤخراً، أن الثورة حيّة ومستمرة في وجدان السوريين الأحرار، وأن تمسكهم بخيار الحرية وإسقاط النظام المجرم لا رجعة عنه. إن استجابة قوى الثورة لمطالب المتظاهرين الداعية لوحدة الفصائل في معركة الدفاع عن إدلب، هي المهمة المركزية المُلّحة في هذه الأوقات العصيبة، التي سقطت فيها كل الأوهام والمراهنات على مسارات وتسويات أضرت كثيراً بالثورة ومجتمعها الصامد، وندعو في “تجمع مصير” إلى التفاف قوى الثورة على مشروع المقاومة الشعبية، الذي يشكل ضمانة القرار الثوري المستقل، والرافعة الوطنية لاستمرار معركة مواجهة النظام وحلفائه، وندرك من دروس التجارب السابقة والمؤلمة، أن ضرورات بناء المؤسسة الثورية الموحدة، والقادرة على قيادة الحراك الثوري، هي المهمة العاجلة أيضاً لجمع الصفوف وتوحيد الجهود، وتوفير متطلبات استمرار الثورة، رغم كل السياسات والمحاولات الهادفة إلى تصفيتها، واليوم نقف جميعاً أمام التحدي الأكبر والامتحان الأقسى، وليس أمامنا سوى استعادة زمام المبادرة، وهي مسؤولية القوى والنخب والنشطاء وكل الشرفاء، وفرصتهم الأخيرة للارتقاء إلى حجم تضحيات وتطلعات شعبنا العظيم.
رأي مصير إحياء ذكرى يوم الأرض في (30 آذار) من كل عام، يستعيد في الذاكرة الوطنية الفلسطينية، تلك الانتفاضة الشعبية...
Read more