خرجت محافظة إدلب، وأجزاء من محافظتي حلب وحماة في مظاهرات حاشدة يوم الجمعة (14 سبتمبر/ أيلول الحالي)، وهذه هي المرة الأولى التي يتمكّن فيها الحراك المدني من العودة إلى التظاهر بحرية، بعيدا عن قمع التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة، اللذين هيمنا على المشهد منذ بدايات عام 2013، وحرفا الثورة، تدريجيا، عن هدفها الأساسي ومشروعها الوطني الديمقراطي.
أعادت المظاهرات مشاهد 2011، حين نزل السوريون من أقصى الجنوب في درعا حتى أقصى الشمال في القامشلي، وهم يهتفون “الشعب يريد إسقاط النظام”، وكان ذلك قبل أن يدخل السلاح في المعادلة بتخطيط من النظام، وشارك في إحدى مظاهرات يوم الجمعة حوالي ثمانية ملايين.
يبالغ كثيرا كل من يحسب أن مظاهرات إدلب ستعيد الموقف إلى ما كان عليه في 2011، لكن لا يمكن التقليل من أثرها السياسي المباشر، فهي عكست نفسها على قمة الرئيسين، التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، يوم الاثنين الماضي، ولعبت دورا في تجنيب المحافظة عملية عسكرية واسعة، كانت ستنتهي إلى ضحايا ودمار وتهجير.
وجاءت المظاهرات، لترد على الزعم القائل إن الثورة انتهت كليا، وأصاب الشارع السوري اليأس والإحباط. وأيقظ الشعار الذي رفعه المتظاهرون “لا بديل عن إسقاط النظام” نوعا من النوستالجيا لدى السوريين. ومع أنهم يعرفون أنه بات مستحيلا أن تتجدد الثورة اليوم، وهي تواجه الحرب الروسية الإيرانية ضدها، فإنهم أرادوا أن يعبروا عن رفضهم عودة نظام الأسد إلى المناطق التي لا تزال خارج سيطرته، لا سيما أن إدلب استقبلت، عدة أعوام، جميع الرافضين للمصالحة مع النظام، والذين نزحوا إليها من جميع المناطق، ويشكل هؤلاء، مع أهل إدلب، أكثر من ثلاثة ملايين.
أما في ما يخص التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها جبهة النصرة، فقد اختفت من مسرح المظاهرات، ولم تقم بما يمكن أن يقمعها، جريا على عادتها في الأعوام الماضية، حيث منعت رفع راية الثورة، واعتقلت الناشطين الذين ينادون بالسلمية والانتماء للجيش الحر. ولا يمكن تفسير هذا الموقف بأنه من باب مكارم الأخلاق، أو صحوة في لحظة مفصلية في مصير هذه المنطقة، بل هو خوف من رد الفعل الشعبي تجاه هذه الجماعات التي سمّمت حياة الناس، وساهمت بسلوكياتها في تمهيد الأرض من أجل عودة النظام.
يشكل هذا الموقف مناسبةً من أجل العمل على عزل هذه المجموعات، ومنعها من إفشال الاتفاق التركي الروسي، ومن تقديم ذريعة جديدة لروسيا وإيران للهجوم الواسع على إدلب والتنكيل بها، مثلما حصل في حلب والغوطة ودرعا. وفي هذه الحالة، ليس من مصلحة أهل إدلب إيجاد مخرج لجبهة النصرة وأخواتها من التنظيمات الإرهابية، فهؤلاء ركلوا عشرات المبادرات التي تم تقديمها لهم، كي يحلوا أنفسهم، إلا أنهم أصرّوا على خدمة أجنداتٍ خارجية، وبالتالي تلوح فرصة اليوم لتصعيد العمل ضد التنظيمات الإرهابية وطردها من محافظة إدلب المكتظة بالمدنيين.
كرّرت إدلب ما قالته حلب والغوطة ودرعا من أن الثورة لم تنهزم، وهي يمكن أن ترفع رأسها إذا زال خطر براميل النظام وبندقية التنظيمات الإرهابية وأمراء الحرب. الشعب السوري ضحية هذه المعادلة منذ عام 2013، ولا خلاص فعليا للمناطق المحرّرة من النظام إلا بعودة الحراك المدني الذي سوف يغيّر مجرى المعادلة الحالية.
المظاهرات هي عينة من بلد يريد الروس والإيرانيون أن يعود بشار الأسد وأجهزته لحكمه. وقبلها كانت المناطق التي أخضعوها، بقوة السلاح والدمار، تحت ذريعة الإرهاب. ريف حمص، حلب، ريف دمشق، الغوطة، درعا، وهي مرشّحة للسير على خطى إدلب.
المصدر: العربي الجديد