من المقرر عرض مشروع قانون مُقدّم من وزارة الأوقاف لمناقشته في مجلس الشعب السوري، الثلاثاء، للبت في مصيره، ما لم يدخل المجلس في “ماراثون” نقاش حوله، وهو أمر مستبعد. وكان مشروع القرار المقدم من الحكومة للمجلس والخاص بتوسيع صلاحيات وزارة الأوقاف، في 20 أيلول/سبتمبر، قد أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الموالية للنظام بعد تسريب مضمونه من قبل أحد النواب.
وأحاطت الأجواء الضبابية بمشروع القانون؛ ابتداءً بتوصيفه القانوني والحيرة حوله كمشروع قانون مُقدّم من الحكومة، أو مرسوم رئاسي يحمل الرقم 16. لو كان مرسوماً، فمن الناحية القانونية يعتبر نافذاً تلقائياً، من دون الحاجة إلى تصويت في المجلس، ما لم يتم تعديل بنود منه، الثلاثاء، أو رفضه من ثلثي أعضاء المجلس. تاريخ مجلس الشعب، في عهد حافظ الأسد وابنه بشار، لم يشهد رفض أي مرسوم مقدم إليه من الرئاسة.
ويسود غضب في أوساط الموالاة التي اعتبرت أن حرب النظام طيلة السنوات الماضية قامت على “اعتبارات تنويرية في مواجهة التطرف الديني”، وان ما حصل في سوريا “لم يكن حصيلة الاستبداد العام، بل نتاج معطى ثقافوي اجتماعي متجذر لم تتم مواجهته سلطوياً”.
ويعطي المرسوم لوزارة الأوقاف سلطات واسعة تسمح لها بتعيين “مفتٍ” في كل وحدة إدارية في سوريا، (1355 وحدة)، ليكون المفتي المحلي مسؤولا بالكامل عن النشاط الديني فيها، وعن الموارد المالية للوزارة بما فيها الزكاة التي بات للوزارة حصرية تحصيلها.
وبحسب النائب نبيل صالح، أكثر منتقدي المرسوم شراسة، فقد حذفت من مسودة القانون جملة تفيد بـ”رقابة وزارة الأوقاف على النتاج الفني والثقافي”. ورغم ظهور صالح بمظهر رأس حربة في مناهضة القانون المزمع تمريره، إلا أنه يبدو شديد الهدوء والحذر في رفضه، وذلك من خلال ردوده المبتورة في “فيسبوك”، وتعديله صيغة منشوره الرافض للقانون، مرات متعددة، بما في ذلك الإقرار بكونه مرسوماً، بعد توصيف سابق له بمشروع قانون.
وعدا ذلك، فان الغضب والعتب على “الحكومة” بقي في إطاره اللفظي، وكانت دعوة يتيمة إلى الاعتصام أمام مجلس الشعب، الثلاثاء، احتجاجاً أثناء مناقشته، قد اشترطت حصولها على التراخيص المطلوبة.
ويطرح إقرار المرسوم أو القانون، وفق اعتراضات الموالاة، سؤالاً جوهرياً حول “هوية الدولة وطبيعتها العلمانية”، معتبرين أن النصر العسكري الذي حققوه أنتج هزيمة سياسية غير مفهومة لهم، وغير مبررة. إقرار المرسوم جاء بمثابة نكوص وارتداد باتجاه مفهوم الدولة الدينية، التي حارب الموالون أدواتها طيلة السنوات الماضية.
ويشمل الاعتراض اعتماد وزارة الأوقاف على “الفريق الديني الشبابي التطوعي”، كأداة لـ”تمكين وتأهيل النسق الشاب من الأئمة والخطباء ومعلمات القرآن الكريم (التسمية التي يطلقها وزير الأوقاف على الحركة القبيسية)”، في إشارة من الموالين المعارضين للمرسوم، لتعارض أي تجمع ذي صبغة دينية مع الدستور السوري الحالي.
والمرسوم يُحدد أهدافه بـ”الإصلاح الديني”، و”محاربة التطرف والفكر التكفيري”، و”نشر ثقافة الاعتدال”، و”ضبط الفتاوي ومركزيتها”، واستحداث “المجلس العلمي الفقهي الأعلى” برئاسة وزير الأوقاف يعاونه أعضاء من بينهم المفتي، وممثلون عن كافة المذاهب الإسلامية، وممثلون عن الدين المسيحي.
ويهدف المشروع من وجهة نظر النظام، إلى تعزيز وتنويع أدوات السيطرة على الشارع السوري مع فقدان الايدولوجيا البعثية، والسطوة الأمنية المباشرة، مفاعيل البريق والهيبة. المرسوم سيساعد في إحكام القبضة الأمنية والفكرية، وتحويل الجانب الدعوي في الفكر الديني إلى دعوي سلطوي، وذلك من خلال تأهيل المدارس الشرعية بما يتوافق مع رؤى النظام لخلق اكليروس بعثي التوجه، وهو ما تعبر عنه المادة الرابعة في المرسوم: “الوزير مسؤول عن تنفيذ خطة الدولة في الوزارة”.
ويسعى المرسوم، في نوع من الرشوة، إلى ربط “الفريق الشبابي الديني التطوعي” ومعلمات القرآن بالمصالح المادية الملموسة، من خلال إلحاقهم وظيفياً بهيكلية النظام الإدارية، والسماح لهم من خلال وظائفهم بإدارة القضايا المالية للوزارة، وهي كبيرة جداً. المرسوم ينص أيضاً على استحداث “مجلس أعلى للأوقاف” برئاسة الوزير، ومن مهامه “إدارة القضايا المالية التابعة للأوقاف”.
الأهداف الحقيقية للنظام من خلال المرسوم لا تتوقف هنا، رغم أهميتها واتساقها مع طبيعته، إذ يمكن الإشارة إلى نقطتين جوهريتين في هذا الصدد: الأولى تتعلق بما ورد في الفصل الثالث تحت عنوان “شروط التكليف بالعمل الديني”، إذ يسمح المرسوم للوزير أن يتجاوز شرط الجنسية السورية وما في حكمها، لتوظيف من يراه مناسباً لـ”ضرورات المصلحة العامة”، وهي إشارة رأى الكثيرون أنها تعني بشكل مباشر إيران وأدواتها.
والنقطة الثانية يمكن ربطها بالمعطيات السياسية الراهنة، وما يتصل منها بالحديث عن الدستور القادم، والتوجهات الدولية والمحلية العامة الراغبة بإقرار اللامركزية فيه، لتبدو خطوات المرسوم بما فيها تعيين المفتي المحلي لكل وحدة إدارية، نوعاً من محاولة استباقية للنظام لإمساك الأرض من خلال أدواته المضمونة، ليعيد إنتاج نفسه في أي تشكيل قادم يمكن أن يفرض عليه، عبر هيئات اجتماعية أو دينية ملحقة فيه بشكل تام.
مهما يكن من شأن المرسوم ودلالته ودوافعه، وحتى مصيره، الثلاثاء، فإن النظام خلافاً لمؤيديه المتوهمين حول طبيعته، لا ينظر إلى العلمانية ولا إلى نقيضها، إلا بمقدار ما تتيح له من تكريس أدوات السيطرة والتحكم في المجتمع السوري ومقدراته العامة.
المصدر: المدن