قال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان ايغلاند، أن النظام تراجع عن “القانون 10” القاضي بـ”جواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية”، والذي يعرّض ممتلكات معارضي النظام للمصادرة.
ايغلاند، الذي سيترك منصبه الشهر المقبل، قال إن ديبلوماسيا روسيا أبلغ الأمم المتحدة في اجتماع دوري لها في جنيف، بأن دمشق تراجعت عن القانون رقم 10 الذي “يجيز مصادرة أملاك وعقارات من اللاجئين” بحسب وصف ايغلاند له. وتابع الديبلوماسي الروسي بأن أية إشارة للقانون 10 هي “إشارة خاطئة”.
وعدا عن هذا الإعلان المنقول شفوياً، فلم يصدر من موسكو أو دمشق أي تأكيد أو نفي، ولم يتم التثبت من تبلغ الأمم المتحدة للأمر خطياً. وكان النظام قد أصدر القانون في نيسان/أبريل 2018 ما أثار موجة انتقادات واسعة في أوساط المعارضة التي رأت فيه استباحة لأملاك المواطنين وعقاراتهم، في ظل استحالة إثبات الملكية المنصوص عنها في القانون خلال 30 يوماً تلي إصدار مرسوم المناطق التنظيمية المنوي استحداثها.
واستهجنت المنظمات الدولية والدول الغربية القانون، ورأت فيه محاولة من النظام لمنع اللاجئين من العودة، وأشيع لاحقاً تمديد مهلة إثبات الملكية لأصحاب العقارات، والقبول بالوكالات حتى الدرجة الرابعة، في محاولة لامتصاص ردود الأفعال، خصوصاً في ظل الرفض الغربي للمساعي الروسية الرامية إلى إعادة اللاجئين السوريين للبلاد، بلا ضمانات وبلا تسوية سياسية، وضمن مفاعيل القانون 10.
ويشكل الإعلان الروسي، في حال صدقيته، نوعا من التطمينات للدول الغربية للسير قدماً في مشروع إعادة اللاجئين الذي تصر عليه روسيا، ضمن مخططها المزدوج الرامي لتأهيل النظام، واستجلاب التمويل اللازم لإعادة الإعمار.
ويناقض القانون 10، دستورياً وقانونياً، حق الملكية المصان وفق جميع الشرائع الدولية. القانون، عمداً، لا يلحظ تعذر إثبات الملكية نتيجة الموت والغياب القسري لكثيرين من المالكين الفعليين، ما يعني استحالة حصول أقاربهم أو ذويهم على التوكيل المطلوب من صاحب الملكية الفعلي. ضياع الملكية يصب لصالح النظام، أو متنفذيه، عبر عمليات تزوير منظمة. كما يتعامى القانون عن عجز عدد كبير من اللاجئين عن توكيل أحد، نتيجة افتقارهم شخصياً لوثائق التعريف الثبوتية الخاصة بهم.
الناحية الإجرائية تأخذ بدورها مساراً تعجيزياً في ظل الأوضاع الراهنة؛ من الحصول على الموافقات الأمنية للوكالات المطلوبة، وصولاً إلى نقض النظام للبيوع التي جرت في الفترة السابقة إبان خروج تلك المناطق عن سيطرته، وعدم الاعتراف بها تحت ذرائع مختلفة. كما لا يلحظ القانون التنوع في أشكال الملكيات غير المسجلة قانونياً لانتمائها إلى فئة العشوائيات أو المخالفات التي يعيش فيها نصف سكان سوريا. هذا بالإضافة إلى دمار العديد من السجلات والوثائق العقارية في كثير من المناطق. القانون لا يذكر شيئاً عن تعويض أصحاب الملكيات التي سيهدمها التنظيم، ويكتفي بمنحهم حصصاً أو أسهماً، تحدد لهم ضمن المشروع.
تراجع النظام عن القانون 10، لو صح، لن يكون كافياً، ولا يُشكّلُ أساساً لحماية الملكية الخاصة في سوريا. النظام قادر تشريعياً، عبر قانون الاستملاك الساري المفعول حتى الآن تحت ستار “المصلحة العامة” على تملك المناطق التي يريدها وفق اتفاقات إذعان يفرضها، وأيضاً عبر مراسيم سابقة؛ المرسوم 66 الذي اختص ببساتين الرازي وما حولها، والمرسوم 63 الصادر 2012 والذي مكّن وزارة المالية من الاستيلاء على ممتلكات وعقارات الخاضعين لقانون “مكافحة الإرهاب” ومصادرتها ونقلها إلى خزينة الدولة.
على الأرض تتجلى قدرة النظام بمصادرة الأملاك، في منع الأهالي من العودة إلى مناطقهم الأصلية، ما يحول دون حقهم في التصرف بأملاكهم، أو حتى التعرف إليها في ظل هدمها والتغيير الدائم لمعالمها. ثلث مساكن سوريا التي تجاوز عددها 4 ملايين بقليل وفق إحصاء 2010، تدمر أو تعرض لأذى كبير.
في هذا الإطار لا يبدو تراجع النظام عن القانون 10 تجريداً له من أدواته الفاعلة في التحكم بأملاك الشعب السوري، ولا يعدو الأمر كونه نوعاً من إخفاء أحد الأظافر الظاهرة للعيان. خطوة يمكن فهمها ضمن التكتيكات المتفق عليها بين روسيا والنظام لسد الذرائع الغربية، أو حتى محاولة روسية أحادية الجانب لإظهار مدى سطوتها، ومدى انصياع النظام لضغوطها. وفي الحالتين تتوخى روسيا مقابل تلك الورقة التي انتزعتها من النظام وفق إعلانها عنها مرونة مقابلة من المفاوض الغربي في ملف عودة اللاجئين، كتمهيد للحديث عن “إعادة الإعمار” الذي يشكل حجر الزاوية في مساعيها الحالية.
بانتظار تأكيد الخبر أو نفيه من النظام، وإظهار الآليات القانونية التي تم الاستناد عليها لطي القانون المعتمد من مجلس الشعب والموقع من الرئيس، سيبقى الخبر ومفاعيله في باحة التوظيف السياسي الذي تتقن روسيا، والنظام، فن إدارته. كما يتقن الطرفان فن التنصل منه، عند الحاجة، بإحالة مسؤولية إلغائه إلى “المؤسسات” ذات الصلة.
المصدر: المدن