خرج جميع المصابين بهجوم مزعوم بالغازات السامة، من مشفى حلب الجامعي، الإثنين، وذلك بعد تلقي قسم منهم للإسعافات الأولية. لم يكن بين الإصابات التي وصلت إلى المشفى، ليل السبت/الأحد، أي حالة خطرة تستدعي بقاءها في المشفى لتلقي العناية المشددة أو التزود بالأوكسجين اللازم في مثل هذه الحالات. ولم يكن هناك وفيات بين المصابين الـ100 الذين وصلوا إلى المشفى.
القسم الأكبر من الإصابات هم من الأطفال، بعضهم تلقى إسعافات أولية وأجريت لهم جلسات رذاذ. والمصابون الأطفال، بحسب مصادر طبية في المشفى الجامعي، كانوا مصابين في وقت سابق بنزلات برد والتهابات في المجاري التنفسية فتأثروا بالروائح والغازات بشكل أكبر من غيرهم. بقية الحالات تعرضت لإصابات طفيفة ناتجة عن استنشاق روائح كريهة في محيط الموقع المستهدف بالقصف. بعض الحالات جرى إسعافها بسبب الخوف والهلع، وهي لا تعاني من أي أعراض الإصابة بالغازات السامة.
وبشكل عام لم تظهر أعراض واضحة على المصابين: اختناق وضيق تنفس، وقيئ ورعاش، وتوسع في حدقة العين، وغيرها من الأعراض التي يعاني منها المصابون غالباً بالقصف بالغازات السامة. ويبدو أن نسبة غاز الكلور، أو الخردل التي تحملها قذائف المدفعية التي سقطت في المواقع المستهدفة، قليلة جداً، وقد تكون القذائف قديمة فقدت مع الزمن فاعليتها السامة.
وقد تم اختيار مواقع تقع على تماس مباشر مع المعارضة المسلحة في الجهة الشمالية الغربية من حلب؛ حي الخالدية وشارع النيل، في وقت كانت فيه حركة المرور شبه معدومة، عند الساعة الثامنة والنصف ليلاً.
وبشكل مقصود، تم إسعاف كل الإصابات إلى مشفى حلب الجامعي، رغم وجود مشافٍ خاصة وعامة قريبة من المواقع المستهدفة في الأحياء الشمالية الغربية. القسم الأكبر من المصابين وصل إلى المشفى في شاحنات صغيرة، وسيارات خاصة يقودها مسلحون من مليشيات النظام ممن ينتشرون في المنطقة القريبة من المواقع المستهدفة. وظهر عناصر المليشيات داخل المشفى أثناء الجولة التي أجراها، إعلاميا النظام، شادي حلوة، وكنانة علوش.
القائد العسكري في “الجبهة الوطنية للتحرير”، النقيب عبد السلام عبدالرزاق، أكد لـ”المدن”، أن مليشيات النظام المدعومة من إيران هي المسؤولة عن قصف الخالدية وشارع النيل. ومن خلال الرصد والمتابعة تم تحديد المواقع التي خرجت منها قذائف الهاون. الموقع الأول هو مدفعية الزهراء في الزاوية الشمالية الغربية من المدينة وتتمركز فيه مجموعات لمليشيا “لواء الباقر”، ومليشيا نبل والزهراء، ومليشيا “لواء القدس” الفلسطيني، والموقع الثاني هو الأكاديمية العسكرية في حي الحمدانية غربي المدينة، وهو موقع تتمركز فيه نقطة المراقبة الإيرانية وتحيط به مقار وثكنات للمليشيات المدعومة من إيران.
وأوضح عبد السلام أن المسافة التي تفصل مرابض الهاون والمواقع المستهدفة في الخالدية وشارع النيل لا تتجاوز 3 كيلومترات، وبقصد التمويه قامت مليشيات النظام باستهداف مواقع المعارضة في الضواحي الشمالية والغربية؛ في الراشدين والمنصورة وحيان وعندان وكفر حمرة، بهدف التمويه.
مواقع إعلامية موالية في شبكات التواصل الاجتماعي، كانت قد أوردت خبراً واحداً، ليل السبت/الأحد: “الجيش يقصف مواقع المسلحين في جبهة جمعية الزهراء والضواحي الشمالية للمدينة”، وبعد دقائق تم تعميم أخبار قصف حيي شارع النيل والخالدية بالغازات السامة، وهما مجاوران لحي جمعية الزهراء ويقعان على خط التماس المباشر مع المعارضة. المواقع الإعلامية الموالية ذاتها تولت مهمة التصعيد واتهام المعارضة وتخويف الأهالي المقيمين في الأحياء القريبة من خطوط التماس، وإشاعة أخبار مبالغ فيها، وأخرى كاذبة تتحدث عن إغلاق المدارس وامتناع الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى مدرستي أبي تمام، والمعلم العربي في الخالدية وشارع النيل، ونزوح بعض العائلات من منازلها إلى أحياء داخل المدينة. وهي شائعات نفاها الأهالي بشكل قطعي.
المواقع الإعلامية الموالية المقربة من المليشيات المدعومة من إيران، ويدير بعضها أشخاص من بلدتي نبل والزهراء، ركزت منذ الساعات الأولى للقصف بالغازات السامة على ضرورة شن عملية عسكرية واسعة تستهدف منطقة الضواحي الغربية والشمالية التي تتمركز فيها المعارضة باعتبارها مصدر النيران. وتناولت تلك المواقع، بشكل أقل، حجم الأضرار التي خلفها القصف بالغازات السامة بين المدنيين.
المواقع الموالية اتهمت الفصائل المتمركزة في الجمعيات السكنية في الراشدين على وجه التحديد بمسؤوليتها عن القصف، وهي مناطق بعيدة فعلياً عن أحياء الخالدية وشارع النيل شمال غربي المدينة، ولا يمكن لقذاف الهاون محلية الصنع أن تصل إليها.
قائد “جيش حلب الشهاء” النقيب أمين ملحيس، أكد لـ”المدن”، أن رواية مليشيات النظام والمواقع الإعلامية المقربة منها بحلب، بدت مرتبكة وغير مقنعة. والقصف الروسي لمواقع تابعة للمعارضة المسلحة في الراشدين الخامسة، على أنها مواقع انطلقت منها القذائف المحملة بالغازات السامة نحو مناطق النظام بحلب، كشف خداع المليشيات. فالموقع الذي استهدفته الغارات الروسية يقع في قطاع تابعة لـ”الجبهة الوطنية”، وهي مجموعة مبانٍ مدمرة، لا وجود لأي مجموعة عسكرية داخلها. وهي مواقع فارغة والغارات لم تتسبب بأي خسائر بشرية أو مادية، وهي بعيدة جداً عن الخالدية وشارع النيل. فالراشدين الخامسة تقع بالقرب من خان طومان في الضواحي الجنوبية الغربية لحلب، وهو مدى غير مجدٍ للهاون محلي الصنع، الذي تدعي المليشيات وجوده لدى المعارضة المسلحة.
وأوضح أمين أن روسيا حاولت التغطية على العملية التي قامت بها المليشيات، وفي الوقت ذاتها استثمرتها للضغط على المعارضة وتركيا. القوات الروسية قريبة من حي الخالدية، وهي تتمركز في ثكنة طارق بن زياد قرب حي السريان، ما يعني أنها رصدت بالفعل مصدر القذائف. وإن كانت المعارضة هي من قصفت، بحسب ادعاء المليشيات، فمن المفترض أن تكون منطقة الضواحي الشمالية في كفر حمرة هي المكان الأنسب لاستهداف حيي الخالدية وشارع النيل، إذ تفصل كيلومترات قليلة بين المنطقتين.
وتداولت المواقع الإعلامية الموالية صوراً لقذائف هاون من المواقع المستهدفة بالقصف. بدت الصور شبيهة لدرجة كبيرة بالقذائف التي استخدمها تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال الأعوام السابقة ضد فصائل المعارضة المسلحة في معارك ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي. وكان التنظيم قد حصل على تلك القذائف من مستودعات مليشيات النظام في “الفرقة 17” ومطار الطبقة، وهي تحوي على الأغلب غاز الخرذل قليل التأثير، لأنها قديمة جداً. وبعض القذائف محملة بغاز الكلور، بحسب شهادات الأهالي من حي الخالدية، التي تحدثت عن الرائحة الكريهة بشكل خاص، ولم تتحدث عن أعراض أخرى.
ولدى مليشيات النظام المدعومة من إيران مخزون كبير من هذا النوع من القذائف المدفعية والصاروخية والهاون بشكل خاص. وحصلت المليشيات على كميات كبيرة من هذه القذائف من مستودعات التنظيم في مسكنة وريف الرقة الجنوبي في الربع الأول من العام 2017 بعد طرد التنظيم من المنطقة. واستخدمت المليشيات هذا النوع من القذائف أكثر من مرة في المعارك ضد فصائل المعارضة في ريف حلب الجنوبي في الفترة التي كانت جبهات العيس والحاضر مشتعلة وتشهد تبادل سيطرة بين المليشيات والمعارضة في العام 2015.
القائد العسكري في “جيش العزة” العقيد مصطفى بكور، أكد لـ”المدن”، أن كل الدلائل وعمليات الرصد تشير إلى أن المليشيات هي من تقف وراء القصف، واتهام المعارضة به لم يكن منطقياً وغير معتمد على دلائل واقعية. كان بإمكان روسيا والمليشيات المدعومة من إيران تقديم دلائل ملموسة تدين المعارضة بكل بساطة، فطيران الاستطلاع التابع لها يحلق بشكل مستمر في الأجواء.
وأوضح بكور أن مليشيات النظام المدعومة من إيران فشلت في استغلال عملية القصف بالغازات السامة التي نفذتها ضد الأبرياء في حلب. ولا يمكن تبرئة روسيا، فالعملية تمت بموافقتها. ولدى المليشيات استعداد لفعل أي شيء لتعطيل اتفاق سوتشي، وإشعال الجبهات من جديد، ما يُحقق لروسيا الضغط على المعارضة وتركيا. ولذلك قامت روسيا بقصف مواقع للمعارضة على أنها مصادر النيران المفترضة، كي تسحب الذريعة من المليشيات التي كانت متحمسة للتصعيد، فهي تحشد منذ أيام في جبهات ضواحي حلب، وهي في جاهزية كاملة استعداداً لخوض معركة برية وتعطيل الاتفاق بشكل كامل.
المصدر: المدن