يذهب الشعر إلى الصمت في سيلانه، لكأنما هو مبتغاه وغوايته الأبدية، يجهد في اختبار حواسه، محاولا اصطياد المسكوت والمضمر واللامتعين في هشاشة الموجودات حوله، وهذا السعي الدائب هو امتلاء بالداخل، ووعي لمحيطه، وإحاطة للسحر البعيد فيه، حيث الممكن يتجلى في انفصال الواقع واتصاله، فلحظة الكتابة في توثبها، وقدرتها على الجمع بين الداخل والخارج، الحضور والغياب، الثمالة والصحو، الوجود ووجوبه، لحظة كشف بسيطة صعبة، ظاهرة وعميقة بآن. ولا يتحدد الكشف فيما يقوله الشاعر وحسب، بل بسؤال الكيف فيما يقوله، كيف يُخلّص اليومي من ابتذاله والحسي من ثقله والفكري من سلطة المفهوم فيه، والتاريخي من هيمنة التاريخ.. إنه فعل تحرر دائم وتأسيس في الوجود كما في الكلام، ولا يمكن التأسيس في إعادة إنتاج المنجز والوافر والمعطى من الكلام وتصوراته المتحققه، بل هو بالدرجة الأولى حالة كشف وتأسيس وإعادة صياغة الموجودات وفق منظور جمالي محمول بالرؤية والرؤيا، يتطلب ضمن ما يتطلبه حساسية إبداعية مغايرة للسائد والمكتسب والموروث
ورغم اختلاف اللغة يعبر الشعر الحواجز جميعها مؤكدا على جماليتة وقدرته في استقصاء أرواحنا وأمكنتنا وأوقاتنا كلحظة مكثفة لجهات أحلامنا أنى كنا
ونحن إذ نستعيد هنا أربعة شعراء راحلين من فلسطين وقبرص واليونان إنما نستعيد قوة الجمال الذي يسكننا ويجبرنا على الاعتراف بأهميته في حياتنا كممشى لقلوبنا ومهبطا لأحلامنا ومشتهى لقدرتنا على الطيران بعيدا في ممكنه .
إننا نستعيد محمود درويش بغنائيتة العذبة وانثياس بحرارة شجنه ونقده اللاذع للمستتب ووذييرس بسيمفونية قبرص واحتفائه بملء رئتيه للأرض التي احتضنته ويانيس ريتسوس بيومياته العالية التي تركت بصماتها على شعر الكثيرين لكن قلة المصادر بالعربية عن انثياس ووذييردس جعلتنا نقتصر بتناولنا على ما توفر لدينا من مقاطع شعرية وأدهشني فعلا عدم وجود ترجمات لتيفكروس بالعربية قياسا بعشرات الترجمات لأعمال ريتسوس بالعربية
نبذه عن حياة الشعراء
ولد الشاعر الفلسطيني محمود درويش في 13 مارس في عام 1941، في قرية البروة، بالجليل الفلسطيني
هاجرت عائلته اثر النكبة عام 1948 إلى لبنان
عادت متسللة عام 1949 بعيد توقيع اتفاق الهدنة المؤقتة، لتجد القرية مهدومة وقد أقيم على أراضيها قرية جديدة فأقامت العائلة فيها.
انتسب للحزب الشيوعي الاسرائيلي بعد انهائه لتعليمه الثانوي.
عمل في صحافة الحزب مثل الاتحاد والجديد وأصبح في ما بعد مشرفا على تحريرها، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر التي كان يصدرها حزب مبام.
اعتقل من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مرارا نتيجة نشاطه السياسي بين عامي 1961 و1972 حيث توجه إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة وانتقل بعدها لاجئا إلى القاهرة في ذات العام ولم يقم كثيرا في مصر حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وعمل في مؤسساتها الثقافية ، بعد توقيع اتفاقيات أوسلو قدم استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
كما أسس مجلة الكرمل الثقافية وشغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
حصل على العديد من الجوائز العربية والعالمية ومنها
جائزة لوتس عام 1969.
جائزة البحر المتوسط عام 1980.
درع الثورة الفلسطينية عام 1981.
لوحة أوروبا للشعر عام 1981.
جائزة ابن سينا في الإتحاد السوفيتي عام 1982.
جائزة لينين في الإتحاد السوفييتي عام 1983.
الصنف الأول من وسام الإستحقاق الثقافي تونس 1993
الوسام الثقافي للسابع من نوفمبر 2007 تونس
جائزة الأمير كلاوس الهولندية عام 2004[11].
جائزة القاهرة للشعر العربي عام 2007[12].
كتب الشعر مبكرا الشعرولاقى تشجيعا من بعض معلميه. عام 1958،
نشر ديوانه الأول، عصافير بلا أجنحة، ولم يتجاوز عمره 19 عاما.
يعد رائد الحداثة في الشعر الفلسطيني بجيل الخمسينيات
ومن أهم اعماله
عصافير بلا أجنحة (شعر) – 1960.
أوراق الزيتون (شعر).1964
عاشق من فلسطين (شعر)1966
آخر الليل (شعر).1967
مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).
يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).
يوميات جرح فلسطيني (شعر)
حبيبتي تنهض من نومها (شعر).1970
محاولة رقم 7 (شعر).
مديح الظل العالي (شعر).
هي أغنية … هي أغنية (شعر).
لا تعتذر عما فعلت (شعر).
عرائس.
العصافير تموت في الجليل.1970
أحبك أو لا أحبك (شعر).1972
تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.1975
حصار لمدائح البحر (شعر).
شيء عن الوطن (شعر).
ذاكرة للنسيان.
وداعاً أيها الحرب وداعا أيها السلم “مقالات”
جدارية العام 2000- شعر
كزهر اللوز أو أبعد – شعر
في حضرة الغياب (نص) – 2006
لماذا تركت الحصان وحيداً.
1995
أثر الفراشة (شعر) – 2008
أنت منذ الان غيرك 2008
توفي في الولايات المتحدة الأمريكية 9 أغسطس 2008 بعد عملية جراحية قلب مفتوح- في المركز الطبي في هيوستن-
وري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي. وسمي القصر باسمه..
الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس
ولد الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس عام 1909 وتوفي عام 1990 وهو ناشط سياسي يساري وعضو نشيط في حركة المقاومة اليونانيه خلال الحرب العالمية الثانيه. ولد في عائلة غنيه من ملاك الأراضي في مدينة صغيره تدعى مونيمفاسيا تقع في احدى جزر اليونان التي على الجانب الشرقي من شبه جزيرة بيلوبونيز
تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة القرية ثم انتقل إلى العاصمة أثينا بعد انتهاء دراسته الثانوية
عانى ريتسوس في حياته الكثير فقد توفيت والدته وأخيه بمرض السل
وخسرت العائلة معظم أملاكها نتيجة اضطراب عقل الأب ولعبه القمار أما الشاعر فقد ظل في مصحة لمرض السل بين عامي 1927 _ 1931 .
عام 1931 انتمى ريتسوس الى الحزب الشيوعي اليوناني واختلط بطبقة الشغيله اليونانيه وبدأ بكتابة الشعر بأسلوب مباشر مقتفيا المدرسة الواقعية فنشر عام 1934 مجموعته الشعريه تراكتورين وفي عام 1935 نشر مجموعته الثانيه (الأهرام) كان ريتسوس ينشد الحرية في جل ما كتبه
أما قصيدة ابيتافوس ” التي نشرها عام 1936 ووظف فيها الموروث الشعري اليوناني محاولا توحيد البيت اليوناني متزامنا ذلك مع وصول الجناح اليميني لرئاسة وزراء اليونان بقيادة (يوانيس ميتاكساس) تحرق نسخ من قصيدة (أبيتافيوس) علناً في الأكروبوليس في أثينا
في عامي 1937 و 1938ينشر مجموعتين شعريتين بعنوان “أغنية أختي” و “سيمفونية الربيع”
بين عامي 1941 _ 1945 تنشب الحرب العالمية الثانية فينتسب ريتسوس لجبهة التحرير الوطني ويكتب العديد من القصائد للمقاومة اليونانيه شملت كتيب من القصائد التي خصصت لقائد المقاومه (أريس فيلوكيوتيس) كتبها ريتسوس مباشرة بعد مقتل هذا القائد عام 1945
دعم ريتسوس جناح اليسار في الحرب الأهليه اليونانيه التي وقعت بين عامي 1946 _ 1949. وفي العام 1948 امضى ريتسوس 4 سنوات في معسكر للإعتقال
عندما أصبح المجلس العسكري اليوناني هو السلطه الحاكمه في البلاد (حكومة الجونتا) بين عامي 1967 _ 1974 تم إعتقال ريتسوس مرة ثانيه عام 1967 وأرسل مرة اخرى الى المعتقل
يعتبر يانيس ريستوس من ألمع شعراء اليونان وأكثرهم تأثيرا في خارطة الشعر العالمي الى جانب شعراء يونانيين آخرين ككونستانتين كفافيس , كوستاس كاريوتاكيس , جورجيوس سيفريس و أوديسياس إلياتيس وبالاماس
نال العديد من الجوائز المحلية والعالمية كجائزة لينين للسلام وجائزة ديمتروف التي اعتبرها أهم من جائزة نوبل التي رشح لنيلها 9 مرات لكنه لم يحصل عليها وفي ريتسوس عام 1990
الشاعر القبرصي تيفكروس انثياس
ولد الشاعر القبرصي تيفكروس انثياس عام 1903 في قرية كونتيا في منطقة فاماغوستا
تخرج من كلية المعلمين في لارنكا سنة 1922
عمل مدرسا في روما وفي اليونان التي نشر فيها مجموعته المعروفة “رسائل المتشرد” التي عززت مكانته الشعرية وعاد إلى قبرص عام 1930
عمل في الصحافة وواصل نشر أشعاره مثل “يوم الحساب”
تعرض للاعتقال والملاحقة من قبل الحكومة الكولونيالية البريطانية أكثر من مرة
عرف عنه تمردة على الوثوقية والمرجعيات المستتبة ونقده الدائم للاعتقادات الخاطئة.
غادر قبرص سنة 1957 عائدا إلى لندن
سنة 1962 جمع كل أعماله ونشرها تحت عنوان الأعمال الكاملة
وتوفي في لندن سنة 1968
ودفن في قريته حسب وصيته
الشاعر القبرصي تيودوسيس بييرديس
ولد الشاعر القبرصي تيو دوسيس بييرديس في تسيري في نيقوسيا
وأمضى سنوات طفولته في القاهرة حيث عاشت عائلته هناك
درس في الثانوية الفرنسية في القاهرة
درس فقه اللغة الفرنسية وتاريخ الحضارة الفرنسية في ساوفيرني 1949-1952
عمل في حقول مهنية متنوعة بالقاهرة من 1927-1942
أثناء عمله الأخير في إحدى المحاكم هناك اضطر للاستقالة بعد معركة العلمين
هرب مع آخرين معادين للفاشية إلى فلسطين اثناء حملة رومل
أسس ال الأبليفتيروتيكو سينتيزمو اليوناني E A S
بين عامي 1947-1949 عاش في فاماغوستا
غادر إلى باريس من 1949 إلى 1952
ثم إلى بوخاريست من 1952 إلى 1962
عاد إلى قبرص 1962ليدرس فيها اللغة الفرنسية
عام 1967 يعود إلى بوخاريست بهدف العلاج
وتوافيه المنية هناك ويدفن في نيقوسيا
شاعر وكاتب معروف وله العديد من المقالات والأشعار في مجلات مختلفة محلية وعالمية
تقاطعات
يجهد الباحث عادة في التقاط السمات الشعرية المشتركة بين شعراء من لغات مختلفة حتى وإن تقاطعت عدة قواسم مشتركة في سيرتهم الحياتية بشكل أو بأخر، فالتأسيس في الكلام الشعري هو مايشكل اسلوبية الشاعر و يحدد خصوصيته ضمن اللغة التي يكتب بها فطريقة تعامله مع لغته وكيفية تشكليه لقصيدته هو هويته الفنية ، وليس جديدا القول بأن الشعراء محمود درويش وريتسوس وانثياس وبييرديس قد ناضلوا من أجل الحرية وواجهوا المحتل وتعرضوا للاعتقال والنفي أكثر من مرة وشهد شعرهم تحولات هامة في بنيته الفنية وكتبوا قصائد متنوعة برؤى تلتقي بنواظمها العامة مع بعضها البعض باختلاف النظر إلى الشعر بين التأسيس على اليومي لدى ريتسوس اليوناني والقبض على التجربة الشاملة عند درويش وانثياس وبييرديس
صحيح أن لكل لغة خصوصيتها باعتبارها حامل تاريخي وليست مجرد وعاء للألفاظ لكن ممر السعي إلى الجمال وتحقيق إنسانية الإنسان والتوحد مع جماليات الممعطيات الحسية بعد تصفيتها من شوائبها في بناء تشكيلي يعيد اكتشافها ضمن منظور الفن هو ممر واحد في حقول الابداع. فإن كان درويش يرى رسالة الشعرهي مقاومة المحتل والاحتفاء بالوطن والحياة والإنسان طريقا إلى اقواس قزح حسب تعبيره في قصيدة له فإن بييرديس وانثياس وريتسوس يذهبون الاتجاه ذاته أيضا في التأكيد على قيم الحرية والعدالة وتحقيق إنسانية الإنسان
يقول درويش في مقطع من قصيدة له
“ولأن العاصفة
وعدتني بنبيذ وبأقواس قزح
سأغني للفرح…”
ويقول بييردوتيس في قصيدة له من مجموعة سيمفونبة قبرص
أغني للإنسان الذي سوف يأتي”
أغني للإنسان الذي بقدر اتساع رئتيه
سيجعل سمائنا الواسعة حرة
الذي سيجعل كل ترابنا حرا”
ولايبتعد انثياس عن درويش وريتسوس أيضا في البحث عن الحرية وانتظار فجر الخلاص النور الذي سيشع بعد الظلمة الخانقة مؤمنا بقدرة الشعر على احداث تغيير حقيقي في الواقع وها هو في مجموعته الثانية أيها الشيطان كن رحيما معي يرفض واقع الرضا والتسليم بصنمية معتقدات خاطئة لا تدفعنا إلى التمرد والبحث عن الحقائق
كن رحيما أيها الشيطان المقدس هذا المساء
واستمع أن شئت إلى همهماتي
(قعقعات احشائي
نغمات الكلارينيت لدي ، رقصاتي ، احتفالي
تحاصرني كوابيس الذكريات
اضحك، تحاصرني أحلامي المتعجرفة
كنت يوما إنسانا
وبفضل الأيام المرعبة استحلت إلى وحش
هاك حيوان بأقدامه المتعثرة، ما عاد بوسعه أن يجوب الميدان
أو يرمي بسيده بعيدا
لأنه بسرعة يتعثر
تضطهدني حياتي الجهنمية
تخنق كل صرخاتي
ولكني في انتظار ذلك الذي حين سيأتي إلى الضوء بمتعة غامرة
سيسمح لي استنشاق آخر أنفاسي
إذا رأيت فجرا جديدا واحدا فقط
إذا رأيت يوما مشعا واحدا ففط
لأن كل دمعة تتساقط من عيني
ستغدو النار التي ستحرق ذلك الشيء الذي يسحقني
الليل الأزرق “الحزين” سيرقص
ضوء النجم يغوي المشهد
أيها الشيطان المقدس الآن بعد أن شاخ الله
قدني أنت وكن دليلي
فالشعر ضرورة وهدم دائم للمستتب والمهيمن ونبش الأسئلة بحثا عن عالم أفضل بما فيها اسئلة تعتبر من الثوابت في تظهيرات المقدس وكما فعل انثياس في ايها الشيطان كن رحيما معي فعل درويش في مديح الظل العالي اثر خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982 متسائلا:
“يا الله جربناك جربناك”
من أعطاك هذا اللغز من سماك
من أعلاك فوق جراحنا لنراك”
والتمرد هنا لايهدف لتدمير فكرة المطلق كما يمكن أن يفهم البعض بقدر ما هو سعي لتأكيد الإنساني على الأرض وترسيخ عدالته والبحث عن جوهر الاشياء لا اعراضها أو ظواهرها.
والسخط من الركون للحظة استسلام ورضا بالواقع بينما الوطن يرزح تحت الاحتلال الذي يعيث فيه فسادا.
ولحظة الشعر ليست برهة خاوية إنها لحظة انكشاف لحيوات وأزمنة اجتمعت بلحظة الانفصال والاتصال مع الواقع ليقولها الشاعر أو يكتبها
والشعر لا يقاس بجماهيريته الآنية ونبرته الحماسية أو المباشرة و جماهيرية النص الشعري لاتعني علوه الفني وأن البحث عن التصفيق والدموع بتعبير ريتسوس قد يصنع المجد لكنه لا يصنع الشعر.
فالشعر جماليته تكمن بأن يكون شعرا أولا فالتصفيق كما يقول ريتسوس “يصنع مساحة مجد لكنه لا يصنع الشعر”، إنما رد فعل الشاعر على الحدث الواقعي المؤلم قد يتسم أحيانا بالغضب الداخلي والفكرة الجاهزة الواضحة فيعلو الحدث الخارجي بتداعياته على تجليات الداخل وتوهجه ضاربا الرصانة الفنية للشعر ومنحازا للمفهوم أكثر من انحيازه للدلالة الشعرية وسعة مساحتها واضاءاتها الداخلية فتنبني الصور بعين العقل ولايذهب الكلام أبعد مما فيه،
فإن كان علو الصوت الخارجي يقود إلى مشاغلات الحواس، وانكشافها الأولي خارج الدفقة الشعرية بما يعنيه ذلك من تصاعد وتيرة التمثل الوصفي للغة، والدخول في مطبات الاحتشاد، والسرد، وكثرة الشروحات في القول الشعري، فإن الصمت في سيلانه يصبو إلى المستتر والكياني، ليقول أسئلته الجمالية الأخرى في بحثٍ لا متناه عن مشغولات الداخل، عن المكتوم من دلالته لا المكشوف منها، وعن المميز والمتفرد لا المتشابه والمألوف.
في الصوت يتنامى النص الشعري عمودياً باتجاه تحديدات الكلام المسبقة، وفي الصمت تندفع الانبثاقات التأملية نحو السحري وغواياته، فالصوت ينقل وينظم ويقول، والصمت يُؤسس ويشكّل ويكشف محولاً الشعرية إلى إبصار للذات وانكشاف وعيها في مرآة العالم.
فرضا الشاعر وانبهاره بنجوميته وجماهيرية قصائده قد يقوده لتورم الذات وانتفاخها وكتابة ما ينتظره المتلقي منه . فلايعد منشغلا بتطوير تجربته وفتح آفاق جديدة لها بل يكتفي بطغيان صورة النجم على صورة الشاعر لكن درويش أدرك ذلك مبكرا ولم يركن إلى اطمئنان مزيف يحد من قلقه الابداعي وبحثه الدائم عن اختبار لغته وغربلتها. فرأى بأن قصيدة كمحمد الدرة وعابرون في كلام عابر رغم جماهيريتها التي تلبي وظيفة سياسية أكثر مما تعبر عن حجم شاعريته ليست من نسيجه الشعري فعابرون في كلام عابر يقول كتبتها كرد فعل على غطرسة المحتل وتكسير عظام الفلسطينيين فحرصت على ايصال رسالتي بهذه الطريقة.
وفي رده على سؤال لعبده وازن عن القصيدة السياسية المباشرة يقول درويش
القصيدة السياسية اليوم لا تعني لي أكثر من خطبة، قد تكون جميلة أو غير جميلة. إنها تخلو من الشعرية أكثر من القصيدة التي تحرص على أن تنتبه لدورها الإبداعي ودورها الاجتماعي. أي على الشاعر أن ينتبه الى مهنته وليس فقط الى دوره. القصيدة السياسية استنفدت أغراضها في رأيي، إلا في حالات الطوارئ الكبرى. ربما أصرخ غداً غضباً، تعبيراً عن أمر ما، ولكن لم تعد القصيدة السياسية جزءاً من فهمي المختلف للشعر. أعتقد إنني الآن في مرحلة، أحاول فيها أن أنظف القصيدة مما ليس شعراً إذا أمكن التعبير. ولكن وما هو الشعري وما هو غير الشعري؟ هذه مسألة أيضاً. السياسة لا يمكنها أن تغيب تماماً من هوامش القصيدة أو خلاياها. لكن السؤال هو كيف نعبر عن هذه السياسة. كل إنسان فينا مسكون بهاجس سياسي، ولا يستطيع أي كاتب في أي منطقة من العالم أن يقول: أنا نظيف من السياسة. فالسياسة هي شكل من أشكال الصراع، صراع البقاء وصراع الحياة. ومن طبيعة الأمور أن يكون هناك سياسة. والسؤال هو: هل تكون القصيدة سياسية أم ان عليها أن تحمل في كينونتها بعداً سياسياً؟
وهذا الانتباه لعدم الوقوع في مصيدة المباشر نلمسه أيضا لدى انثياس ووذييرس حيث يذهب تشكيلهما الشعري إلى محاولة القبض على التجربة الشاملة وإمكانية أن تقول القصيدة اشياء كثيرة وتحدث أثرا عميقا يحث على التغيير فتيفكروس انثياس يعرف هذه المعادلة ويبتعد عن اليومي السياسي ليقول نصه في لوحة المنظور السياسي العام الذي يتحول إلى معرفة وليس ايديولوجيا معطاة أو معدة سلفا فلا هتاف ولا شعارات صارخة ولا ضجيج الخطب وصخبها بكل هدوء يصب هدير بحره الداخلي رافضا الخنوع والاستسلام للمكتسب ومحرضا على التفكر خارج المعجم الاجتماعي المنجز
أبتاه….
عندما أتيت في المساء
جلست متعبا متعرقا
أمام موقد منزلك المتواضع
وكل واحدة من تنهيداتك كانت سماء لنا
عبدا أبديا في حقلك
في المصنع
عبدا للقلق و للخبز
أيها المهرج الحزين
لماذا لا يمكنني أن أنسى لوهلة
حزنك السري..”
فاللحظة الخارجية في المتناول الشعري كما نرى هي لحظة داخلية تقول اندفاعاتها دون أن تسقط في تحديدات مسبقة لانكشاف الحواس الأولي على الموجودات الخارجية فعين الشاعر عين بصيرة قبل أن تكون عين البصر
فاللحظة المنقالة ليست سياسية لكنها تتضمن منظورا سياسيا
وفي ذلك يقول ريتسوس أيضا “ان السياسة لاتقل أهمية في حياتي عن الشعر. إن أصل أسطورة ريتسوس إن كان هناك مثل هذه الأسطورة لا تكمن في أشعاري فحسب، بل وفي حياتي كمناضل سياسي، وعن علاقة القصيدة بكل من الإبداع والالتزام يقول بالنسبة إلي ليست هناك قصيدة ملتزمة وأخرى غير ملتزمة. توجد القصيدة أو لا توجد أبداً
ويكشف أيضا في رسالته الموجهة لزوجته فاليتسا (الطبيبة في جزيرة ساموس) من مقر إقامته الجبرية في أثينا خلال الحكم العسكري: عن رؤيته للمسألة بالقول:
.
أذكر اني بكيت بحرقة مثل طفل صغير حين كتبت «وداع»، وهذا ما فعلته أيضاً حين كتبت «المرثية». غير أن قناعاتي وصلت الآن ـ كما قلت لك من قبل ـ إلى حقيقة مفادها أنّ الشعر لاالشعراء يمجدون لأسوأ قصائدهم. أتلمس ذلك المنحى وأعرفه تماماً، وقصيدة «هرقل ونحن» مثال على ذلك. أعتبرها أسوأ قصائد مجموعة «تكرارات»، لكني أعلم مسبقاً أنّها ستثير الإعجاب، كنت متردداً في نشرها في بداية الأمر. كقصيدة أعتبرها سيئة ومقدمتها وصفية طويلة، ونهايتها رخيصة، وفي جوهرها تفاهة مثيرة للاشمئزاز تتلبس شكل التواضع، لكنها حصدت كل هذا الاعجاب والاهتمام علاقة له بالدموع أو بالتصفيق، لكنهما يؤمنان المجد للشعراء،”
وأذا كان التشكيل الشعري لدى ريتسوس ينبني على البسيط الصعب والسهلالممتنع إذ هو يعرض ويقص ويروي، -حسب تقديم الشاعر السوري ادونيس في ترجمته- راسماً لنا أشياء يلتقطها من الحياة اليومية الأليفة، أو وقائع متناثرة لا معنى لها، ظاهرياً. وهو، في هذا، يحاول أن يعيد النظر في موقف الإنسان من الأشياء الأكثر عادية وابتذالاً، فيضفي عليها قيمة جديدة، ويعترف بأهمية ما يبدو أنه بلا أهمية. هكذا يتحول هذا العالم المتواضع، عالم الأشياء الصامتة إلى الشعر، ونكاد أن نسمع هذه الأشياء تتكلم، ونكاد أن نراها تمشي. يرفعها الشعر إلى سوية الإنسان، فتصبح صديقاً أو حلماً.
ففي البساطة التي يكتبها شعرا ريتسوس بهذ العنوان نقرأ
أختبئ خلف الأشياء البسيطة، كي تهتدوا إليَّ،
فإن لم تهتدوا إليَّ، تهتدون إلى الأشياء،
ستلمسون تلك التي لمستْها يدي،
وستتحد بصماتُ أيدينا.
لكن ريتسوس في احتفائه بالتفاصيل لايقف عند حدود حسيتها وعاديتها بل يغربلها ويعيد تأسيسها بتشكيله الشعري ويرفعها إلى مستوى اللحظة الشاملة فجمالية الشعر هنا كما أرى تكمن في كيفية التعامل مع هذا اليومي وتحويله الكياني الداخلي نحو صياغة مفارقة بفنيتها في حمل التفاصيل، والشعراء الحق أحيانا يكفيهم القبض على لحظة داخلية هاربة أو قطفة أو حالة اضاءة جمالية في انكشاف الحواس وتفتحها على معطياتها كي يعيدوا صناعتها كالهام غامض بعيد ومتعدد الدلالات وباذخ المحتوى.
فلا يكتفي الشاعرهنا بالتفصيل المعطى واقعيا إنما يستعين بذاكرتة البصرية والشعورية ليضفي عليه مهابة الفن وجلال الجمال.
أقول ذلك لأن العديد من الشعراء العرب من كتاب قصيدة النثر استسهلوا هذه التنظيرات لكتابة نصوص سطحية بعناوين بساطة اليومي وادهاش العادي والمألوف”
لكن درويش في تشكيله الشعري هو الأقرب في الكثير من أعماله إلى انثياس ووذييردس منه إلى ريتسوس فالقصيدة الحدث والقصيدة الدرامية المتعددة الدوال والقصيدة المشبعة بالشجن والحرارة الداخلية خاصة في حمل صوت الجماعة وتوظيف الرموز ونقل الحدث أو اللحظة أو الفكرة من حالتها المألوفة والمعطاة إلى حالة جديدة مغايرة عبر علاقات لغوية مركبة في مجازاتها وصورها نعثر عليها في شعر درويش وانثياس ووذييردس
أما في التأثيرفلم يخف درويش تأثره بشعر ريتسوس والتعلم منه وريتسوس الذي اطلق تلك الصيحة الشهيرة عن فلسطين ووقف إلى جانب عدالة قضية الشعب الفلسطيني ونضاله ضد الاحتلال الاسرائيلي.واصفا درويش بأنه يحمل زيتونة في قلبه:
” آهِ فلسطينُ،
يا اُسْمَ الترابِ،
ويا اُسْمَ السماءِ،
سَتَنْتَصِرين”
والذى خاطبها أيضا قائلا:
” يا فلسطين كم هي حمراء تربتك
يتسلل درويش ليلا
مع شجرة زيتون في قلبه”
وكان رد درويش الشعري وتحيته المقابلة لهذه الوقفة الإنسانية والحقيقية مع نضال الشعب الفلسطيني واضحة في إدراكها لشخصية ريتسوس ولتشكيله الشعري.
ففي النص الذي حمل عنوان “كحادثة غامضة” يقول محمود درويش
في دار پابلو نيرودا، على شاطئ
الـپـاسفيك، تذكَّرْتُ يانيس ريتسوس.
كانت أَثينا ترحَّبُ بالقادمين من البحر،
في مَسْرحٍ دائريٍّ مُضاءٍ بصرخة ريتسوس:
((آهِ فلسطينُ،
يا اُسْمَ الترابِ،
ويا اُسْمَ السماءِ،
سَتَنْتَصِرين…))
وعانَقَني، ثُمَّ قَدَّمني شاهراً شارةَ النصرِ:
((هذا أَخي)).
فَشَعَرْتُ بأنني انتصرتُ، وأَني انكسرتُ
كقطعة ماسٍ، فلم يَبْقَ منِّي سوى الضوءِ/
في مطعم دافئٍ, نتبادلُ بَعْضَ الحنين
إلى بَلَدَيْنا القديمين، والذكرياتِ عن
الغد: كانت أَثينا القديمةُ أَجملَ.
أَما يَبُوسُ، فلن تتحمَّل أكثر. فالجنرال
اُستعار قناعَ النبيّ ليبكي ويسرِق
دمعَ الضحايا: “عزيزي العَدُوَّ!
قَتَلْتُكَ من دون قصدٍ، عدوِّي العزيزَ،
لأنَّكَ أزعجتَ دبَّابتي” /
قال ريتسوس: لكنَّ اسبارطةَ انكسرَتْ
في مهبِّ الخيال الأثينيِّ. إنَّ الحقيقةَ
والحق صنوان ينتصران معاً. يا أَخي
في القصيدة! للشعر جسْرٌ على
أمسِ والغد. قد يلتقي باعةُ السَّمَكِ
المُتْعَبون مع الخارجين من الميثولوجيا.
وقد يشربون النبيذ معاً.
قلتُ: ما الشعْرُ؟… ما الشِعْرُ في
آخر الأمر؟
قال: هو الحَدَثُ الغامضُ، الشعرُ
يا صاحبي هو ذاك الحنينُ الذي لا
يُفسَّرُ، إذ يجعلُ الشيءَ طيفاً، وإذْ
يجعلُ الطَّيْفَ شيئاً. ولكنه قد يُفَسِرُ
حاجَتَنا لاقتسامِ الجمال العُمُوميِّ…/
لا بحر في بيته في أَثينا القديمةِ،
حيث الإلهاتُ كنّ يُدِرْنَ شؤون الحياة
مع الَبشَر الطيِّبين , وحيث إلكترا الفتاةُ
تناجي إلكترا العجوزَ وتسألها: هل
أَنا أنت حقّاً؟
ولا لَيْلَ في بيته الضيِّق المُتَقَشِّفِ
فوق سطوح تطلُّ على الغابة المعدنيَّةِ.
لَوْحَاتُهُ كالقصائد مائيَّةٌ، وعلى أرض
صالونه كُتُبٌ رُصِفَتْ كالحصى المُنْتَقَى.
قال لي: عندما يحرُنُ الشعرُ أَرسمُ
فوق الحجارةِ بَعْضَ الفخاخ لصَيْدِ القَطَا.
قُلْتُ: من أَين يأتي إلى صوتك
البحرُ، والبحر منشغلٌ عنك يا صاحبي؟
قال: من جهة الذكريات، وإن
كنت “لا أتذكر أَنَيَ كُنْتُ صغيراً”
وُلدت ولي أخَوانِ عَدُوِّانِ:
سجني ودائي.
– وأَين وَجَدْتَ الطُّفُولَةَ؟
– في داخلي العاطفيّ. أَنا الطفلُ
والشيخُ. طفلي يُعَلِّمُ شيخي المجازَ.
وشيخي يُعلِّمُ طفلي التأمُّل في خارجي.
خارجي داخلي
كُلَّما ضاق سجني تَوزَّعْتُ في الكُلِّ،
واتَّسَعَتْ لغتي مثل لُؤْلُؤةٍ كُلِّما عَسْعَسَ
الليل ضاءتْ/
وقلت: تعلَّمتُ منك الكثير. تعلَّمت
كيف أدرِّبُ نفسي على الانشغال بحبِّ
الحياة، وكيف أُجدِّفُ في الأبيض
المتوسِّط بحثاً عن الدرب والبيت أو
عن ثُنَائيَّة الدربِ والبيتِ/
لم يَكْتَرِثْ للتحيَّة. قدَّم لي قهوةً.
ثم قال: سيرجعُ أوديسُكُمْ سالماً،
سوف يَرْجِعُ…/
في دار پابلو نيرودا، على شاطئ
الـپـاسفيك، تذكَّرْتُ يانيس ريتسوس
في بيته. كان في ذلك الوقت يدخُلُ
إحدى أساطيرِهِ، ويقول لإحدى الإلهاتِ:
إنْ كان لا بُدَّ من رحلةٍ، فلتَكُنْ
رحلَةً أبديّةْ!
ولاينسى درويش أن يذكر ماقاله ريتسوس عن فلسطين وبعمق التاريخ في القدس كما في اثينا، و اختياردار بابلو نيرودا الشاعر التشيلي الحاصل على جائزة نوبل الذي أمضى حياته مناضلا من أجل الحرية للقاء ليس عبثيا فقد قال نيرود عندما نال جائزة نوبل :” ذلك اليوناني يستحقها أكثر مني” بإشارة إلى ريتسوس. ففي داره المفترضة في النص على شاطئ الباسفيك استحضر درويش لقاء ريتسوس مستعيدا ما قاله عن فلسطين في نصه منتقلا بالتشكيل من الخارج للداخل وعبر منولوج داخلي عميق يسأل ما الشعر ويجيب بأن لحظة الشعر مطلقة في الزمان والمكان ولاتعترف بحواجز الحسي وانشغالاته فقد يلتقي باعة الأسماك مع الخارجين من الميثولولوجيا وتتحول الأشياء لطيوف والطيوف لأشياء ملموسة ولايفسر لحظة المطابقة هذه سوى حاجتنا لأن نعيش جماليتها إذ الحنين الذي لايفسر مازجا بين مابين دهشة الطفل وتجوال عينه في الخارج وبين حكمة الشيخ في تمرسه الكتابي ويقظته المدروسة في تكثيف المعطيات وتخليصها من هشاشة المحسوس وإثقاله، وطفولة ريتسوس تكمن في فرادة قدرة طفله الشيخ بوصف درويش على التحويل الكياني لمشاهدات الخارج إلى داخل ومجردات الداخل لمحسوسات جمالية متجاوزة إذ الداخل والخارج وحدة واحدة في لحظة الكتابة والكشف عن واقع لايكف عن الكشف كمايذهب “رينيه شار” .
فالاشياء تمشي وتتنفس وتتكلم يقلبها الطفل الشيخ بروح متمردة ومدربة على القبض على عناصر التجربة وجمع متنافراتها الحسية في كشف واحد.
ونقرأ وذييرس أيضا في امساكه لمعادلة الشيخ الطفل ببناء قصيدته فمن مجموعتة ” قصة حب ” نتابع المقطع التالي:
افتح عينيك وانظر كيف أبكي
هذه لم تعد لحما بعد اليوم
ولكنها نار ورماد
من سيطفؤني الآن وأنا نار احترق
ساعدني وبالندى افتح السياج
……
فقد غاب التمثل الوصفي وأنبنت الصور بشغف الشاعر، وحدوسه الداخلية متجاوزة حبائل المباشرة ونقلها الفوتوغرافي للواقع وحسيته العالية
فوذييرس في قصة حب يستخدم الضمائر المتعددة واقنعتها تاركا المساحة واسعة للدلالة دون اقفال آفاقها التي هي آفاق الشعرية ذاتها
من هنا يمكن القول أن لغة الشعر هي لغة العميق والمتأمل المنصت، محاولة تجسيد الصمت وسيلانه الداخلي فالمعلن والمبثوث والمسيطر يحيل للغة واضحة ناظمة ومنجزة بينما الطفل الشيخ يلعب لعبته في هندسة الدهشة و فتح مغاليق مسكوتاتها ثم يلمح درويش في النص إلى تأثير لغة ريتسوس الشعرية على لغته بالقول تعلمت منك الكثير تعلمت كيف أدرب نفسي على الإنشغال بحب الحياة ومشيرا بنهاية النص إلى قول ريتسوس بانتصار الفلسطيني وعودة أوديسه سالما
وإلى ذلك يمكن الإشارة أيضا إلى أن الشعراء الأربعة امتلكوا ثقافة واسعة وخاضوا نضالا مريرا ضد الاحتلال ومن أجل الحرية وامتازت اشعارهم بالشعبية الواسعة والقاعدة العريضة وقدرتهما على التجاوز للمنجز والمعطى في تجربتهم كان لافتا.
وأخيرا الشعراء الأربعة رحلوا عن عالمنا لكنهم سكنوا في ذاكرة الشعر الخالدة التي تظل ضرورتها من ضرورة الحياة ذاتها وصورة عليا من صور الإنسان الذي يعرف كيف يحتفي بمفرداتها.