مصير_ خاص
في حوار مهم مع الدكتور طلال مصطفى الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع، والمعتقل السياسي السابق، يتحدث الدكتور مصطفى في الكثير من المسائل التي تهم الواقع السوري، والمسالة السورية برمتها. حيث نقف مع قراءته لمسألة الانسحاب الأميركي المعلن عنها من الجغرافيا السورية؟ وأيضًا عن تصوراته لمستقبل المنطقة الآمنة شمال سورية؟ بالإضافة للبحث في العمل الوطني السوري عمومًا، وإلى أين تذهب المسألة السورية اليوم حسب رؤياه؟ وهل ستنجح عملية إعادة تأهيل النظام السوري التي تشتغل عليها بعض النظم العربية بعد فتح بعض السفارات العربية في دمشق مؤخرًا؟
حول مسألة الانسحاب الأميركي من منطقة شرق الفرات قال مصطفى “عند إعلان الرئيس الأمريكي عن نيته بالانسحاب العسكري من منطقة شرق الفرات حصلت تداعيات استراتيجية في المنطقة على الصعيد العالمي كما أعتقد منها:
1- تخوف ميليشيات قسد الكردية الحليفة لواشنطن من مخاطر عسكرية تركية، سبق أن أعلنت تركيا عن نيتها بشن حملة عسكرية على ميليشيات قسد المصنفة كتنظيم إرهابي، وما تأجيل تركيا بشن هذه الحملة العسكرية في الوقت الحاضر سوى رغبة في تجنب تفشي الفوضى وعدم الاصطدام مع القوات الأمريكية الحليفة لها ولتأمين الانسحاب الأمريكي بهدوء.
2- توجه ميليشيات قسد للتعويض عن الحليف الأمريكي باتجاه النظام السوري لاتقاء الضربات التركية، ويبدو أن النظام مازال متردداً في التعامل مع قسد التي كانت لليوم حليفة للقوات الامريكية، خاصة وأنه يتطلع الى استعادة (سيادته) العسكرية على المنطقة البترولية، لذلك اتجهت أنظار قسد باتجاه الحماية الفرنسية وقد لاقت بعض المرونة في الحوار معها.
3- الانسحاب الأمريكي قد يفتح الباب ثانية الى عودة داعش مرة أخرى الى المنطقة، خاصة وأن جيوب عسكرية مازالت باقية على الحدود السورية العراقية.
4- النظام الإيراني يتطلع لملء الفراغ الاستراتيجي الناجم عن الانسحاب الأمريكي وحلمه بالممر الاستراتيجي الذي يربط إيران بالعراق فسوريا الى لبنان والبحر المتوسط. وبالتالي التنافس الروسي الإيراني على الاستحواذ على المنطقة”.
أما بخصوص المنطقة الآمنة فأكد لمصير أنه ” لم تتوضح طبيعة المنطقة الآمنة في شمال سوريا التي تسعى تركيا لإقامتها من خلال المفاوضات الجارية مع كل من روسيا والولايات المتحدة الامريكية، فمازالت بعض المسائل لم تحسم من حيث العمق داخل الأراضي السورية إذ ترغب تركيا ان يصل عمق هذه المنطقة الى 32 كم. بينما وافقت روسيا وامريكا على عمق 10 كم. بالإضافة الى حظر جوي كامل. وعدم تواجد قوات النظام السوري على الاطلاق. الهدف الرئيسي لإقامة هذه المنطقة من قبل تركيا عدم وجود أية ميليشيات كردية قد تشكل خطرًا على أمنها في المستقبل، بما فيه عدم التأسيس لكيان كردي مستقبلاً.” وأضاف ” تعمل تركيا على إدارة وتأهيل هذه المنطقة من خلال مجالس محلية منتخبة من سكان المدن والبلدات وبإشرافها الأمني، وفي المستقبل ستظهر الفوارق الكبيرة بين هذه المنطقة الآمنة التي تشرف عليها الدولة التركية ومناطق النظام السوري من حيث الخدمات الأساسية للمواطن ومستوى المعيشة وتوفر المناخ للاستثمارات الاقتصادية التركية والسورية المحلية وبالتالي توفير فرص عمل جديدة للسوريين”.
أما حول العمل الوطني السوري مستقبلاً فقال مصطفى” أعتقد أن القضية السورية خرجت من أيدي السوريين معارضة ونظام على الصعيد الاستراتيجي، فالحل أصبح واضحاً أنه سياسي بامتيازـ أما طبيعة هذا الحل السياسي فمرهون تبعا للتسوية الدولية الإقليمية على الصعيد الدولي، روسيا والولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبا، وخاصة فرنسا وألمانيا، وعلى الصعيد الإقليمي تبعا لما ستتوصل اليه كلًا من تركيا وإيران من خلال أستانا ودول الخليج العربي وإسرائيل بشكل غير مباشر. والواضح لن يكون هناك حلاً سياسياً كما يرغب النظام السوري خاصة ان شرط إعادة الاعمار مرهون بالحل السياسي المستند الى وجود مرحلة انتقالية ودستور جديد وبالتالي لن يقبل النظام بأية تنازلات، وهو الذي قام بتدمير سوريا منذ البداية حتى لا يقدم هذه التنازلات، فالمسألة معقدة وغير واضحة، وعلى كل حال أي حل سياسي ذو طابع أممي لن يكون لمصلحة النظام السوري”. ثم قال ” المعارضة السورية غير فاعلة على الأرض وبالتالي أصبحت مرهونة في مفاوضاتها إقليميا لتركيا وبعض دول الخليج العربية ودوليا للولايات المتحدة الامريكية والبعض منها لروسيا أيضا. يبقى الحل السياسي غير واضح على المدى القريب والبعيد، انما الواضح أن هناك حلًا سياسيًا فقط”.
وعن إعادة فتح بعض السفارات العربية وتأهيل النظام السوري المجرم قال ” هرولة أشقاء النظام السوري العرب للتطبيع معه تعود الى أسباب ومبررات عدة ومركبة ومتداخلة، من أهمها السباق للحصول على الدور الرئيس في توظيف مواردها المالية في إعادة الاعمار بما تملكه من فوائض مالية واقتصادية الناتجة من قطاع البترول، بعد أن تم وقف توظيفها في تسليح ودعم بعض الفصائل العسكرية المعارضة للنظام السوري في السنوات السبع السابقة. وبعد أن اشتموا رائحة الحل السياسي دوليًا وإقليميًا.”. ثم أكد ” أن عودة الاشقاء لحضن بعضهم البعض ليست مفاجئة وإنما حالة طبيعية في التاريخ العربي المعاصر، خاصة أن ما يجمعهما أكبر من خلافاتهم وخاصة تضامنهم ضد حريات وحقوق الشعوب العربية. وأعتقد أن فتح السفارات في دمشق لن يُجمِّل وجه هذا النظام القبيح من وجهة نظر الشعب السوري، الذي هجر أكثر من نصفه وقتل واعتقل مئات الآلاف. بل سيقبح وجه هذه الأنظمة العربية أكثر من السابق”.