رائد الصالحاني
أصدرت وزارة الدفاع السورية قوائم بأسماء أكثر من ربع مليون مطلوب للتجنيد الاحتياطي، في 25 كانون الثاني/يناير، وعُمّمت على شُعب التجنيد في مُختلف المُحافظات السورية. والقوائم الأخيرة هي الثالثة منذ مطلع العام 2019؛ فقد أصدرت وزارة الدفاع قوائم بـ38 ألف اسم منتصف كانون الثاني، وأكثر من 15 ألف اسم في اليوم الأول من العام 2019.
والجديد بالقوائم التي صدرت منذ مطلع العام أنها توسعت بنطاق التكليف للمطلوبين، من حيث الفئة العمرية، فتم استدعاء المئات من مواليد العام 1972، بعدما كان أقصى عمر للتكليف في ذروة الحرب هو لمواليد العام 1976. كما اتصفت القوائم الجديدة بالعشوائية التي تمثلت بطلب عدد كبير من الملتحقين أصلاً بقوات النظام، فقد وصلت برقيات استدعاء إلى منازل أشخاص أتموا عاماً كاملاً في الخدمة العسكرية.
مصادر خاصة من وزارة الدفاع، أكدت لـ”المدن”، أن أعداد المطلوبين للتجنيد سترتفع إلى مليون شخص، خلال الشهرين المقبلين، خاصة مع انتهاء تأجيل عشرات آلاف الأشخاص، وانتهاء مُهَلِ التسوية في مناطق “المصالحات”.
وأكدت المصادر أن أوامر صدرت بفتح ملفات جميع المُستبعدين من الاحتياط لأسباب “صحيّة”، وهم في مُعظمهم من استطاعوا دفع رشاوى للجان الطبية، لإعادة الفحص الطبي الخاص بهم، وطي ملفهم للاحتياط، خلال عهد وزير الدفاع السابق فهد جاسم الفريج، عبر شبكة تخصصت على مدى سنوات بطي ملفات الاحتياط، مقابل مبالغ وصلت إلى 20 ألف دولار في بعض الأحيان.
وأشارت المصادر إلى استدعاء احتياطي لمئات الأشخاص من العاملين في صفوف القوات التابعة لوزارة الداخلية، من سلك الشرطة والأمن الجنائي والسياسي وقوى الأمن الداخلي، لأول مرة منذ بدأ النظام استدعاء الاحتياط عام 2014.
مصادر “المدن” أكدت أن الاستدعاءات شملت أيضاً من كانوا ضمن فئة “الخدمات الثابتة”، المفروزين لها لأسباب مُعظمها صحيّة، واتموا خدمتهم الإلزامية ضمن اختصاصات مكتبية، ممن يُفترضُ ألا يتم استدعاؤهم للاحتياط مجدداً.
مصادر “المدن” في وزارة الدفاع بررت حملة النظام الجديدة لسوق المطلوبين للاحتياط والخدمة الإلزامية، بأنها تتزامن مع استنفار عسكري لمُعظم القطع والثكنات العسكرية جنوبي سوريا “وسط حديث جدّي في الأوساط العسكرية عن حرب مُرتقبة بين اسرائيل وإيران على الأراضي السورية”. الأمر الذي جعل وزارة الدفاع تُصدر قوائم مُتتالية تطلب فيها من الآلاف الالتحاق بالثكنات لإداء الخدمة العسكرية.
نسبة لا بأس بها من الأسماء الواردة في قوائم الاحتياط الجديدة، هم من الموتى أو قتلى الحرب، في صفوف النظام أو في مناطق سيطرة المعارضة. والسبب الرئيسي لطلب هؤلاء إلى الخدمة مرة أخرى، هو عدم قيام الأهل بإجراء ترتيبات الوفاة في السجلات المدنية رسمياً، خاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، التي قُتل فيها عشرات الآلاف من دون إثباتات رسمية. كما وصلت برقيات إلى منازل أشخاص قاتلوا مع قوات النظام بعقود مدنية، واختفوا وأصبحوا في عداد المفقودين أو أسرى الحرب، ولم يقم أهلهم بتسجيل وفاتهم رسمياً، فقام النظام بطلبهم لأداء الخدمة مجدداً.
ويتزامن إصدار القوائم بحملة كبيرة لاستخبارات النظام والشرطة العسكرية في دمشق وريفها، بحثاً عن مطلوبين للتجنيد، عبر التشديد الأمني على الحواجز الثابتة، وإقامة حواجز مؤقتة في الشوارع والساحات وأماكن تجمع المدنيين، ضمن الأسواق التجارية وأمام الجامعات والدوائر الحكومية.
والفيش الأمني للمنتظرين دورهم للحصول على الغاز، في ظل الأزمة التي تضرب سوريا، هي الوسيلة الأحدث لاستخبارات النظام لإيقاع المطلوبين المُتوارين عن الأنظار ضمن أحياء دمشق وريفها، والمُدن والبلدات الخاضعة لـ”التسوية الأمنية”.
مصادر خاصة، أكدت لـ”المدن”، تعميم أجهزة الاستخبارات السورية، كلٌ ضمن نطاق سيطرتها، على مراكز توزيع الغاز، ومكاتب المخاتير، والبلديات، وأي جهة مسؤولة عن تسجيل أسماء الراغبين بالحصول على الغاز، بإرسال نسخة من الأسماء إلى المفرزة أو الفرع الأمني المسؤول عن المنطقة، لإجراء الفيش الأمني، والتحقق من وجود مطلوبين للتجنيد بين تلك الأسماء.
المئات من المُكلفين إلزامياً واحتياطياً، اختاروا الالتحاق مباشرة، تجنباً للملاحقة الأمنية، خاصة غير القادرين على تأمين كُلفة التهريب، أو من المقتنعين بفكرة الدفاع عن الأسد والخدمة في جيشه. ويتجمع أولئك يومياً في شُعب التجنيد لسوقهم إلى الخدمة، وسط احتفاليات تُقام أثناء التجهيز لنقلهم إلى ثكنات التجميع، وهو الأمر الذي يصوّره إعلام النظام يومياً، على أنه التحاق المئات من المستفيدين من مرسوم العفو. وطبعاً، يتجاهل إعلام النظام الاعتقالات التعسفية اليومية بالشوارع للمئات الذين يتم تحويلهم إلى الشرطة العسكرية للتحقيق، قبل نقلهم إلى الدريج.
وزارة الدفاع كانت قد أرسلت تعميماً إلى الشرطة العسكرية في القابون، المكان الأول الذي يتم نقل مُعتقلي التجنيد إليه، طالبت فيه بضرورة التسريع بعملية التحقيق ونقل المعتقلين إلى الدريج بعد الانتهاء من التحقيق مباشرة. وأشارت الوزارة إلى أن العملية التي تستغرق شهراً كاملاً بالعادة، يجب أن تُنجزَ خلال أسبوع على أبعد تقدير.
المصدر: المدن