أحمد مظهر سعدو
يقول الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبد الله تركماني ” ليس هناك أي تعارض بين دولة الحق والقانون ومؤسسات المجتمع المدني، بل إنّ دور كل منهما يكمل الآخر. فالدولة القانونية لا تلغي مؤسسات المجتمع المستقلة عنها، إنما تساعد على تفتحها. ومؤسسات المجتمع المدني تساعد الدولة في القيام بمهماتها، لأنه هو الإطار السليم لتطور البنية الاجتماعية الدينامية”. بينما تثار خلافات حول هذه الفكرة، في وقت يعول فيه كثيرًا على مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته المنتشرة بكثرة، والتي يريد لها الغرب والدول اللاعبة في المسألة السورية، أن يكون لها الدور الأكبر في مستقبل سورية القادم. لذلك كان لابد من إعادة طرح هذه المسألة على مجموعة من الباحثين السوريين توخيًا لتصويب المسألة، أو إعادة انتاجها من جديد، سواء كانت تتساوق مع هذا الطرح، أو تعترض عليه جملة وتفصيلًا. حيث سألناهم: هل توافقون على هذا الطرح اليوم؟ وإلى أي حد يمكن اليوم لمؤسسات أو منظمات المجتمع المدني في واقعنا السوري أن تساعد الدولة الوطنية السورية المزمعة فعلاً لا قولاً في القيام بمهامها؟
تمام بارودي رئيس المنتدى الاقتصادي السوري قال لجيرون ” أوافق وبشدة على هذا الطرح وأزيد بأن مؤسسات المجتمع المدني ليست جزءً من الدولة القانونية، بل إنهما يشكلان عملية تكاملية تساهم في نهضة سورية المستقبل.”
أما علاء الدين زيات المدير التنفيذي لاتحاد منظمات المجتمع المدني (تماس) فأجاب بقوله
” ليس من تعارض بين دولة الحق والقانون ومؤسسات المجتمع المدني، ماهي إلا تقاسم مساحات تعاون وتضمين. في تطورها الصاعد نحو دولة العدالة والكفاية والرفاهية، تخفف الدولة عن كاهلها العديد من المهمات لتضعها على عاتق المؤسسات المدنية، ذلك لقناعتها أن توسيع دائرة الحكم، عامل مهم لتعزيز المسؤولية والتخطيط المجتمعي للمستقبل وفق الحاجات الحقيقية للسكان، إنه تفويض مرتجع من العقد الاجتماعي بين السكان والدولة لإعادة شيء من صلاحيات القرار إليهم، ومنحهم مزيد من أدوات التضمين في رسم السياسات. لذلك يبدو لي أن دور مؤسسات المجتمع المدني في دولة من هذا القبيل هو دور تكاملي مدعِّم بالنظر لوحدة الأهداف، ولكن ذلك قد لا ينطبق على المراحل التحولية من دولة لا قانون، إلى انتقالية تطول أو تقصر ثم الوصول للدولة العادلة”. ثم أردف قائلًا ” هذا المسار هو حال العالم الثالث إذ نرى هنا دورًا غير تكاملي بل أقرب لأن يكون معارضًا لسياسات الدولة، طالما بقيت تلك السياسات تمييزية واستعلائية، ولا تضع مصالح السكان موضع القلب من خطط التنفيذ الاقتصادية والاجتماعية والخدمية. ومن وجهة نظري أنه من المراحل الأولى لتشكل الدولة الوطنية بحسب سؤالك والتوضيح بعبارة المزمعة فعلاً، فقناعتي أن دورًا أقرب للمعارضة على طول الخط، لأن الحاجة إلى صوت مستقل معبر عن الناس سيكون أكبر ومتعاظم أكثر ليبدو رسم السياسات التالية منسجمًا مع استحقاقات الانتقال بالدولة لتكون معبرة عن إرادة الناس ليعود الدور ويتوضع على مساحة العمل التشاركي بين مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع والدولة.”
الباحث السوري الدكتور مروان الخطيب رأى ” أن من أولى مهام دولة الحق والقانون تشجيع وتحفيز المجتمع على تشكيل هيئاته المستقلة، التي ستكون من واجباتها تقوية أواصر الحياة المجتمعية وتفعيل الجدل الاجتماعي لبلورة المشكلات التي يعاني منها المجتمع وإيضاح أسباب هذه المشكلات تمهيدًا لطرح حلول لها، إضافة لكون هذه الهيئات المجتمعية التي تعتبر نويات لمنظمات المجتمع المدني التي تكون أساس لإنشاء أحزاب وتيارات سياسية تساهم في صياغة مشاريع ووضع تصورات ومقترحات حلول لآليات تطوير المجتمع”. وأضاف الخطيب ” لا يمكن لمجتمع أن يتقدم وينمو دون تنمية العمل المجتمعي وبالتالي تفعيل دور منظمات المجتمع المدني التي تعتبر هي الرقيب وهي مصدر المؤشرات على مدى نجاعة الحلول لمشكلات المواطنين التي تنفذها السلطة التنفيذية، ودون هذا الدور ستبقى السلطة التنفيذية تتحرك بلا رقيب حي وشفاف وتكون آليات العمل الديمقراطي منقوصة وعاجزة عن الفاعلية اللازمة لضبط عمل السلطات وبيان فاعليتها في معالجة واجباتها أمام المجتمع الذي أقر لها بإدارتها لشؤونه العامة، وبقدر فاعلية هيئات المجتمع المدني وتطورها ونضجها في التشكيل والعمل بقدر زيادة ترابط أواصر المجتمع وقوة تفاعله ومقدرته على إدارة شؤونه بشكل يساهم في تطوير مقدرته على استيعاب المشكلات وإبداع حلول لها إضافة لإمكانيته في تفعيل الروح الوطنية ورفع مستوى الالتزام بدولة الحق والقانون.”
الأكاديمي في علم الاجتماع طلال مصطفى أكد لجيرون قائلًا ” في الواقع لا يوجد رأي واحد حول طبيعة العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة (المدنية الديمقراطية) لأن مجرد كون الدولة استبدادية شمولية غابت مؤسسات المجتمع المدني على الاطلاق، كما هو الحال في سورية في ظل حكم الأسد الأب والابن. ومازال النقاش قائمًا حول طبيعة هذه العلاقة بين الدولة المدنية الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني، ليس من الضروري أن تكون العلاقة تصادمية ام تعاونية، أو ثابتة بل تتغير تبعًا للظروف التاريخية الخاصة بكل مجتمع وطبيعة الدولة”. ثم أضاف مصطفى ” تاريخيًا نشأ المجتمع المدني في أوروبا من خلال تصادم تيارين فكريين الأول يمثل مفكري التيار الليبرالي المعاصر (هوبز، لوك، كانط، مونتسكيو، توكفيل …الخ) والثاني يمثل مفكري اليسار الأوروبي الجديد (ماركس، غرامشي، هابرماس …الخ) وفيما بعد التقيا إلى حد ما في ضرورة استقلالية المجتمع المدني عن هيمنة الدولة ـ أي في ساحة من التواصل الإيجابي بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية (طبعًا القانونية) لذلك أعتقد أن العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة تفاعلية ومتداخلة بشكل لا يمكن فصلها بسهولة، فمنظمات المجتمع المدني تعمل في فضاء مستقل إلى حد ما عن المؤسسات الحكومية للدولة وفي الوقت نفسه تعمل على إيجاد علاقة بين مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع، فعلى سبيل المثال منظمات المجتمع المدني لا تعمل في السياسة مباشرة، فهي مجال اختصاص الأحزاب السياسية إذا صح التعبير، ولكن في الوقت نفسه قد تتقاطع مع بعض أنشطتها السياسية، كما هو حال منظمات المجتمع المدني السوري المدعوة لتكون ممثلة في اللجنة الدستورية، وقد أخذت نصيب الثلث كنصيب النظام والمعارضة السياسية، فعملها مستقل عن النظام السوري والمعارضة السياسية، ولكن انجاز دستور للبلاد هو عمل سياسي بامتياز قبل أن يكون قانوني. بمعنى أنها تشارك في العمل السياسي دون أن تكون العنصر الأصيل وهو المختص السياسي أي ممثلي الأحزاب السياسية للمعارضة والنظام. بالإضافة الى أن استقلاليتها عن مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية لا يعني استقلاليتها عن السياق الاجتماعي الثقافي العام في، بالنهاية هي من نتاجه، وهكذا واقع مؤسسات المجتمع المدني السورية، حيث لا تستطيع العمل ولا بأي هامش من الاستقلالية في ظل وجود نظام استبدادي في الداخل، لذلك نجد أغلبها يعمل في الخارج. وهذا يتطلب منها أن تساهم في عملية التغيير السياسي باتجاه دولة مدنية ديمقراطية، وألا تتذرع بأنها مؤسسات مجتمع مدني لا تتدخل في الشؤون السياسية للدولة، فهذا الكلام يصب في مصلحة الدولة الاستبدادية الخاصة بنظام الأسد”. ثم انتهى إلى القول ” إن مؤسسات المجتمع المدني قد تتعارض مع مؤسسات الدولة المدنية في بعض القضايا وقد لا تتعارض في قضايا أخرى. ولكن هذا التعارض لا يأخذ المنحى الصدامي العدائي، ففي القضايا الخاصة بحماية البيئة والتلوث واستهلاك المياه، وغير ذلك قد تتصادم منظمات المجتمع المدني المختصة بهذه الشؤون مع المؤسسات الاقتصادية وخاصة الصناعية للدولة على سبيل المثال، وكذلك الأمر في التشريعات القانونية في مجالات أخرى. وأعتقد أنه يمكن القول إن مؤسسات المجتمع المدني قد تتعارض وقد لا تتعارض في الوقت نفسه مع مؤسسات الدولة الديمقراطية، فالأمر يعود لطبيعة المشكلات والقضايا المطروحة زمانيًا ومكانيًا.”
أحمد ليلى الطبيب السوري العامل في إحدى منظمات المجتمع المدني أكد لجيرون أن “هذا الكلام صحيح تماما في ظل دولة الحق والقانون ولكن (الدولة القوية) بحيث تكون قوة هذه الدولة وتماسكها من الداخل هو حائط الصد أمام استغلال منظمات المجتمع المدني من قبل أطراف خارجية، قد تقوم بزرع الفتن والدسائس في كيان الدولة على طريقة دس السم في العسل وهكذا يتحقق فعلاً لهذه المؤسسات والمنظمات دورها المنشود في نشر التوعية والتعريف بالحقوق والواجبات وتحفيز النشاطات المختلفة بين أبناء المجتمع”. وأضاف ليلى ” في الواقع إن إحدى أهم افرازات الثورة الإيجابية هو خلق جيل جديد من الشباب السوري المتفتح على العمل الاجتماعي والنشاط الثقافي المنظم والقادر على المزج والتفاعل السليم بين العمل المؤسساتي الرسمي ونشاط منظمات المجتمع المدني المستقل ليكون الأول داعمًا للثاني والأخير سندًا لما قبله”.
المصدر: جيرون