خالد الخطيب
بدأت “هيئة تحرير الشام”، الخميس، حملة لإزالة الشعارات والعبارات الجهادية من اللافتات المنتشرة على جوانب الطرق العامة الدولية والفرعية، في مناطق سيطرتها في إدلب وحماة وحلب، بالتزامن مع انعقاد قمة سوتشي بين رعاة مسار أستانة التي ناقشت الوضع في إدلب.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد قال في القمة، إن روسيا وتركيا وإيران “اتفقت على تحركات إضافية”، لم يحددها، “لإخلاء محافظة إدلب من البؤر الساخنة للإرهاب”. لكن الكرملين قال إنه لن تكون هناك عملية عسكرية هناك. ولم يرد أردوغان على مقترح بوتين لوضع خطة مشتركة، وقال إن تركيا ستواصل بذل كل ما في وسعها لإرساء الاستقرار في إدلب، وكرر تحذيره بشأن ضرورة عدم تفجير كارثة إنسانية هناك.
وبدأت حملة “تحرير الشام” لإزالة الشعارات الجهادية، من الطرق الدولية حلب–دمشق وحلب-غازي عينتاب. وقامت ورش من “مكتب دعاة الخير” التابع لـ”تحرير الشام” بإزالة الشعارات من اللافتات الطرقية، وطلتها بألوان فاتحة بدلاً من اللون الأسود الذي كان سائداً. والشعارات التي أزيلت كانت تحض على الجهاد باعتباره “سبيلاً لدخول الجنة”، وأخرى تعتبر الطائفة الشيعية “عدوة للإسلام والمسلمين”، وعبارات تحض النساء على ارتداء الحجاب والشباب للالتحاق بصفوف المجاهدين، وعدم ترك الصلاة، وعبارات عن تطبيق الحدود.
أنصار فصائل المعارضة، ومنظرون إسلاميون مناهضون لـ”تحرير الشام” اعتبروا حملة “دعاة الخير” اجراءً تكتيكياً يندرج ضمن التحولات والتغييرات التي تجريها “تحرير الشام” على مظهرها العام وسلوكها وخطابها، وهي محاولة لتصدير نفسها بشكل جديد يتماشى مع متطلبات المرحلة ويحقق مصالحها، ويضمن لها عدم تصنيفها في قوائم الإرهاب، والقبول بها كجزء من الإدارتين المدنية والعسكرية لمناطق المعارضة.
وسخر مناهضو “تحرير الشام” من التحولات السريعة التي تعيشها، إذ كانت الشعارات الجهادية المكتوبة على اللافتات السوداء وسيلة من وسائل الدعوة الجهادية، ويطلق على من يزيلها أو يتعرض لها ويحاربها صفة “المرتد الذي يوالي الغرب الكافر” اليوم باتت إزالة الشعارات واجباً شرعياً، إذ لم تعد تليق بـ”تحرير الشام” الجديدة، التي تطمح للسلطة ولو على حساب منهجها.
أنصار ومنظرو “تحرير الشام” لم يردوا على مناهضيهم، ولم يجهدوا أنفسهم لتبرير الحملة أو الدفاع عنها. وتداول بعض منهم تسجيلاً صوتياً لأحد أعضاء “مكتب دعاة الخير” يقول فيه إن الحملة تهدف إلى تغيير الكتابات ليحل مكانها “أحاديث صحيحة وآيات قرآنية”. منظرو “تحرير الشام” البارزين ظلوا صامتين ملتزمين بتعليمات أصدرتها “تحرير الشام” تمنعهم من الحديث والتصريح حول الأعمال التي تقوم بها مكاتب “تحرير الشام”.
العضو البارز في مجلس شورى “تحرير الشام” عبد الرحيم عطون، تولى مسؤولية تصدير الخطاب الجديد لـ”تحرير الشام” الذي بدا ليناً في التعامل مع المخالفين لمنهج السلفية الجهادية في العموم، وتحدّث بشكل مطول عن ضرورة استيعاب المخالفين لـ”تحرير الشام” في الرأي والتصورات، وحث العناصر والقادة على عدم الخلط بين العمل المسلح والعمل المدني.
وعلق عطون على تصريح أحد المشاركين في “مبادرة المؤتمر العام للثورة السورية”، الذي عقد في ادلب قبل أيام، بخصوص الديموقراطية، بالقول إنها “تخالف المرجعية الوحيدة لتحرير الشام، وهي الشريعة الإسلامية، أي أنها مرفوضة بشكلها المتعارف عليه والذي يضم جانبين اثنين؛ عقيدة الديموقراطية وهي مجموعة أفكار، وآليات تطبيقها. وإذا كانت عقيدة الديموقراطية تخالف الإسلام، فإن آلياتها كالانتخابات لها بعض أوجه الشبه بآليات النظام الإسلامي في الحكم”.
ودافع عطون عن مستخدمي مصطلح الديموقراطية في مناطق سيطرة المعارضة، لأن القول في هذه الحالة ناتج عن حسن نية، وجهالة بتفصيلات المصطلح عموماً، فمن يستخدم كلمة الديموقراطية لا يقصد “في الغالب” المعنى المناقض للشريعة الإسلامية، كونه لا يعرف مدى مناقضة الديموقراطية للإسلام، و”لذا لا بد من مراعاة قصدهم”. ومن خلال الواقع، فأغلب من يستخدم مصطلح الديموقراطية من عموم المسلمين “يقصد بها الحرية التي يحلم بها، بما لا يتعارض في خلده مع دين الإسلام، عكس ما هو الحال تحت سلطة الديكتاتورية”.
وخاطب عطون عناصر وقادة “تحرير الشام”، محملاً إياهم مسؤولية نجاح المرحلة الجديدة، ودعا إلى التفريق بين إدارة المجتمع وإدارة الكتيبة العسكرية، واعتبر أن أي خطأ في هذا الجانب سيؤدي للفشل، ولن يخدم “تحرير الشام” في إدارة المرحلة. إذ يجب أن يدار المجتمع بكل ألوانه وأطيافه وألوانه ومشاربه الفكرية والثقافية، وقال: “لتعلموا أن المجتمع الموجود حالياً في المحرر ليس على نفس التصورات الإيديولوجية التي تحملونها، ولا علم للناس بتفاصيل قضايا المنهج الفكري لكل جماعة، فينبغي مراعاة ذلك جيداً في الجانب التطبيقي”.
وقدمت “تحرير الشام” نفسها خلال الأيام القليلة الماضية كجهة مسيطرة، تمسك بزمام الأمور العسكرية والأمنية والمدنية في ادلب ومحيطها. وعلى الصعيد العسكري تمكنت الهيئة من التحكم بكامل الجبهات ومنعت وقوع اشتباكات وقصف يستهدف مليشيات النظام التي كانت تقصف بعنف مناطق سيطرة المعارضة قبل انعقاد قمة سوتشي. واستفادت “تحرير الشام” من حادثة الاشتباك مع “حراس الدين” في ريف حلب الجنوبي مطلع شباط/فبراير، لتفرض على “الحراس” المزيد من الضغوط، ومن بينها وقف أي تحريض إعلامي ضدها من منظري “الحراس”، والابتعاد عن التعليق حول ما يخص التطورات السياسية والعسكرية في ادلب.
وبات الجهاز الأمني لـ”تحرير الشام”، بين ليلة وضحاها، صياداً ماهراً لعصابات الخطف والسرقة، ومجموعات تنظيم “الدولة الإسلامية” في ادلب. وأعلن الجهاز خلال اليومين الماضيين عن اعتقال أكبر مجموعة تابعة للتنظيم تمتهن الخطف والسرقة في وادي حج خالد غربي ادلب، وتضم 25 عنصراً، وكذلك مجموعة في ريف ادلب متهمة بالخطف، كما اعتقل عناصر قال إنهم تابعون للتنظيم في مناطق متفرقة من ادلب ومحيطها.
وأثار ذلك غضب مناهضي “تحرير الشام”، واعتبروا الحملة الأمنية خدعة، واتهموها بالوقوف أصلاً وراء هذه المجموعات وتشغيلها، وعندما حان وقت إنهائها تم بالفعل خدمة لمصالحها.
وعلى الصعيد المدني، تواصل “حكومة الإنقاذ”، التابعة لـ”تحرير الشام”، سياسة اللين والتقرب من المجالس والهيئات والوجهات المحلية والعشائرية، وتكثيف اللقاءات والمشاورات معهم، وتعدهم بأنها قادرة على تغطية العجز الذي حصل مؤخراً بعد انقطاع الدعم الخارجي عن الكثير من القطاعات التعليمية والطبية وغيرها من قطاعات الخدمة المدنية.
المصدر: المدن